ملخص الانظمة الدستورية الكبرى
الانظمة الدستورية المقارنة pdf |
عملا بقواعد الأنظمة النيابية فإن أغلب دساتير الدول الديمقراطية تعمل وفق 3 طرق:
1. الجمع بين الجهازين التنفيذي والتشريعي في البرلمان وهو نظام حكومة الجمعية
2. الفصل بين الجهازين وتقرير مبدأ الفصل بين السلط ويسمى النظام الرئاسي
3. التوفيق بينهما والتعاون بين المؤسسات الأساسية وهو النظام البرلماني
المحور الأول : مبدأ الفصل بين السلطات
يعتبر مبدأ الفصل بين السلطات أحد المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها النظم الديمقراطية الغربية الحديثة،وهو مبدأ رئيسي للديمقراطية في جوهرها ، على نحو يماثل في ذات الأهمية مبدأ سيادة الشعب،ويرجع هذا المبدأ إلى المفكر الفرنسي الشهير " مونتسكيو " حيث صاغ مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث : التشريعية ، التنفيذية و القضائية ،في كتابه ” روح القوانين ” الذي ألفه سنة 1748، والذي كان تأثيره على النظام السياسي في فرنسا كبيرا جدا كما تأثر بالمفكر "جون جاك روسو" في كتابه العقد الاجتماعي
شاهد ايضا :
ملخص قانون الميزانية PDF
تلخيص قانون الأسرة PDF
ملخص قانون الشغل PDF
ملخص المسؤولية المدنية PDF
ملخص القانون الاداري : النشاط الاداري PDF
أتى مبدأ الفصل بين السلطات في القرن 18 حيث كان النظام الملكي سائدا في أوربا، هذه النظم الملكية كانت مؤسسة على فكرة الملكية المطلقة و ذلك بتركيز سلطات الدولة التنفيذية و التشريعية و القضائية في يد شخص واحد و هو الملك، فكانت السيادة حكرا على الملك وحده، رغم وجود أجهزة و موظفين يساعدون الملك في السلطة وإدارة شؤون الدولة ، إلا أن دورهم كان هامشيا لأن القرارات الكبرى كانت تتخذ بإرادة الملك وحده ، و نتج عن ذلك شيوع الاستبداد و الظلم و العدوان على حقوق و حريات الأفراد، و غياب دولة الحق والقانون و المشروعية.
الفقرة الأولى : مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات
يعتبر مونتسكيو أهم من نادى بهذا المبدأ في كتابه روح القوانين ، واعتبر كأحد مبادئ الديمقراطية ، فهو نموذج للحكم الديمقراطي ، وفي إطار هذا النموذج فان الدولة مقسمة إلى سلطات، كل سلطة مستقلة في الصلاحيات ومجالات المسؤولية، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ثم السلطة القضائية.
1) السلطة التشريعية : متمثلة في البرلمان ، وهو المسؤول عن التشريع ، ويقوم أيضا بدور الرقيب على الحكومة.
2) السلطة التنفيذية : متمثلة في الحكومة وهي المسؤولة عن تنفيذ القوانين المشرعة من البرلمان ، و إدارة شئون البلاد الداخلية والخارجية ، فالحكومة هي المسؤولة على تنفيذ السياسات والقوانين التي يضعها البرلمان.
3) السلطة القضائية : تختص بالقضاء وفصل النزاعات بين الناس و بين المؤسسات.
لكن يبقى جون لوك أول من نادي بالفكرة في القرن 17 في كتابه محاولة في الحكم المدني ، حيث عمل على تفسير نظرية الدولة الليبرالية الرافضة لكل أنواع الاستبداد والحكم المطلق الفردي ومحاولة تحقيق توازن بين السلط ثم التوفيق بين امتيازات الدولة وحقوق المواطنين ، وهي مفاهيم أساسية تقوم عليها النظم الليبرالية الغربية اليوم .
يرى لوك أن أهم سلطتين في الدولة هما السلطتين التشريعية في البرلمان والتنفيذية (الحكومة التي تضم الإدارة والعدل، وقد عمل مونتسكيو على تطوير هذه النظرية وكان هدفه هو الحد من السلطة المطلقة للملك البريطاني بإعطاء الحكم لعدة هيئات مستقلة تنفرد كل منها بسلطات مختلفة ، فالملك له الجهاز التنفيذي لكن يبقى حق الاعتراض مكفولا للمجلس التشريعي الذي يمثل الأمة ، أما السلطة القضائية فهي بمثابة الحكم ، تراقب السلطتين تحسبا لأي تجاوز من أحدهما على اختصاصات الأخر ، الشيء الذي قد يضر بمصالح المواطنين .
حرصت الثورة الفرنسية على تكريس مبدأ الفصل بين السلط في جميع المواثيق وإعلانات الحقوق والدساتير المتعاقبة ، لكننا نشير إلى هذا المبدأ لا يعمل إلا في ظل حكومة نيابية ونظام النيابي ، حيث الأمة هي مصدر السلطات وليس الحكم الفردي المعتمد على السلطة المطلقة للملك. يؤكد مونتسكيو أن اجتماع السلطة التنفيذية والتشريعية في يد الملك هو فساد الحكم بعينه ، فعندما يقوم الملك بسن القوانين وفي نفس الوقت يمارس السلطة التنفيذية أي الحكم يصبح كل شيء في مهب الريح، سواء إذا مارس ذلك شخص واحد أو مجلس أعيان أو مجلس نبلاء، هذه السلطات يؤكد مونتسكيو وهي التشريع والحكم والقضاء يجب أن لا تجتمع في يد واحدة ، واجتماعها في يد هيئة واحدة أو شخص واحد هو الخراب بعينه وتضيع معه حقوق المواطنين .
الفقرة الثانية : محتوى مبدأ الفصل بين السلطات
فصل السلطات لا يعني الفصل التام بين السلطتين بل هو نوع من المرونة والتفاهم والتعاون كي لا تطغى سلطة على سلطة ، يقول مونتسكيو : " بالرغم من الفصل بين السلط إلا أن هذه السلط تجد نفسها بالضرورة مجبرة على التضامن والتعاون فيما بينها والسير سويا ، أما الفصل المطلق فهو مستحيل عمليا وواقعيا " .
وأمام هذه الأفكار الليبرالية نجد أنفسنا أما فرضيتين :
الفرضية الأولى تقتضي أن يكون هنالك جهازان منفصلان بدون تدخل أحدهما في الأخر ، فنحن هنا أمام نظام رئاسي كما هو الشأن في الولايات المتحدة الأمريكية ، فالرئيس هو صاحب السلطة التنفيذية ، وهو غير مسؤول أمام الكونغرس ، والكونغرس لا يمكن أن يكون موضوع حل من طرف الرئيس ، هنا يتميز النظام الرئاسي ويبدو كأسمي تعبير عن مبدأ فصل السلطات في صورته المطلقة .
الفرضية الثانية هي أن يعمل الجهازان وفق مبدأ التعاون دون أن ينصهر أحدهما في الأخر ، بحيث تبقى اختصاصات كل منهما مكفولة ، نتحدث هنا عن النظام النيابي أو البرلماني وتجسده واقعيا بريطانيا ، حيث أن رئيس الحكومة له الحق في حل البرلمان ، فيما الجهاز التشريعي له الحق في سحب الثقة من الحكومة، والتعاون بين السلطتين يترتب عنه فصل نسبي للسلط بعيدا عن التركيز حاصل القول أن مبدأ فصل السلط معناه التساوي في السلطة والاستقلال في ممارسة الوظائف و وجود نوع من الرقابة بين السلط حتى تلتزم كل سلطة حدودها وتضمن بذلك الحريات العامة ، هذا المبدأ يعتبر حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي وتجاهله يعتبر إلغاء المبادئ الديمقراطية وبالتالي السقوط في العبثية والاستبداد، ولما كان هذا المبدأ له تصورات متعددة فقد ترتب عنه اختلاف أوجه النظم النيابية .
الفقرة الثالثة : فصل السلطات في الدستور المغربي
جاء في الفصل الأول من الدستور المغربي لسنة 2011 : " نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية.
يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي. التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة."
نستشف من هذا الفصل أن المؤسسة الملكية تحتل مكانا متميزا في الدستور وفي النظام السياسي المغربي، فالملك هو أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية وهو رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، وهو الذي يسهر على احترام الدستور وتطبيقه وكذا حسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة.
يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها كما يعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها، و للملك بمبادرة منه بعد استشارة رئيس الحكومة أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم، ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، كما يرأس الملك المجلس الوزاري الذي يتألف من رئيس الحكومة والوزراء، وينعقد هذا المجلس بمبادرة من الملك أو بطلب من رئيس الحكومة، وللملك أن يفوض رئيس الحكومة بناء على جدول أعمال محدد رئاسة مجلس وزاري ، و للملك حق حل مجلسي البرلمان أو أحدهما، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، وله حق التعيين في الوظائف العسكرية ، ويعتمد السفراء لدى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، ولديه يعتمد السفراء، وممثلو المنظمات الدولية.
الملك هو من يصدر الأمر بتنفيذ القانون الذي يصدره البرلمان ، وله أن يطلب من کلا مجلسي البرلمان أن يعيدا قراءة جديدة في كل مشروع أو مقترح قانون، كما يوقع على المعاهدات ويصادق عليها غير أنه لا يصادق على معاهدات السلم أو الاتحاد، أو التي تهم رسم الحدود ومعاهدات التجارة، أو تلك التي تترتب عنها تكاليف تلزم مالية الدولة، أو يستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية تمس بحقوق وحريات المواطنين.
ويرأس الملك مجموعة من المجالس مثل المجلس الأعلى للأمن والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس العلمي الأعلى وغيرها ، كما يمارس الملك حق العفو وتصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك ، ويعين الملك ستة أي نصف أعضاء المحكمة الدستورية، كما يعين رئيسها من بين الأعضاء الذين تتألف منهم، وإذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، يمكن للملك أن يعلن حالة الاستثناء وبذلك تكون له صلاحية اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، والرجوع في أقرب الآجال إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية البرلمان المغربي يمارس السلطة التشريعية ويصوت على القوانين و يراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية ، أما الحكومة فتمارس الحكومة السلطة التنفيذية وتعمل تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين وتوضع الإدارة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية، وسنعرض في المحور الخامس لمختلف أوجه اختصاصات السلط الثلاث في النظام السياسي المغربي بالتفصيل ليتوضح معه مبدأ فصل السلط في الحالة المغربية .
المحور الثاني : النظام المجلسي أو نظام الجمعية
النظام المجلسي هو نظام مؤسس على خضوع السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية ، سويسرا نموذجا ، ويعهد للبرلمان بالإضافة إلى مهمته الأساسية وهي التشريع بإدارة شؤون الحكم والإدارة فهو من يعلن الحرب ويبرم المعاهدات ويعين أعضاء المحكمة الفدرالية ، فالمجلس الفدرالي هو الحكومة و الجمعية الفدرالية هي السلطة التشريعية ، فالمجلس الفدرالي يمارس اختصاصاته تحت مراقبة الجمعية وتحت إشرافها فهو نظام الجمعية .
يعد النظام المجلسي أحد النظم التمثيلية السائدة اليوم والذي اتضحت معالمه وخصائصه من خلال التجربة السويسرية، فنظام الحكم في هذه الدولة نظام فريد من نوعه بما ينطوي عليه من خصوصية مكنته من الحفاظ على استقراره وثباته واستمراره، بالرغم مما تشهده الساحة الدولية من اضطرابات تهدد استقرار أنظمة الحكم الهشة.
الفقرة الأولى : تعريف النظام المجلسي
النظام المجلسي أو نظام الجمعية والمتبع في سويسرا هو صورة من صور النظام النيابي ، وهو في مفهومه الواسع يعني ذلك النظام الذي يقوم على دمج السلطات بيد هيئة واحدة، وبفعل التطور الذي طرأ على هذا النظام من الناحية التطبيقية فإن سلطة البرلمان أصبحت تعلو السلطة التنفيذية ، أما في مفهومه الضيق فيعرف على أنه ذلك النظام الذي يقوم على دمج السلطتين التشريعية والتنفيذية في يد هيئة واحدة منتخبة وهي البرلمان تملك سلطة إدارة شؤون الدولة ، وقد خولت له هذه السلطة من منطلق أنه ممثل الشعب والمعبر عن إرادته والراعي للمصلحة العامة ، ومن جهة أخرى فإن سيادة الشعب واحدة و غير قابلة للتجزئة يتأسس نظام الجمعية الذي يجد نموذجه في النظام السياسي السويسري على مقومين :
المقوم الأول يتمثل في كون البرلمان هو مصدر جميع السلطات والمقوم الثاني يتجلى في جماعية السلطة التنفيذية .
يطلق على البرلمان اسم الجمعية الفيدرالية، وسويسرا باعتبارها دولة فيدرالية، فهي تعتمد نظام مجلسي، وعليه فالجمعية الفيدرالية تتكون من المجلس الوطني ومجلس المقاطعات ، يمثل المجلس الوطني الشعب بمعدل نائب لكل خمسة وعشرين ألف مواطن تقريبا، ولا يتجاوز عدد أعضائه 200 عضو، وتتحدد مدة ولايته في أربع سنوات وفق التمثيل النسبي، أما مجلس المقاطعات، فيضم ممثلي المقاطعات، بحيث يتألف من حوالي 44 عضوا، وكيفية انتخابهم تختلف بين مقاطعة و أخرى.
وعلى خلاف كثير من الدول التي تأخذ بنظام المجلسين، فإن المجلس الوطني ومجلس المقاطعات يتمتعان بصلاحيات متساوية، وكل مجلس يتخذ قراراته بمفرده، إلا أن هناك قضايا تتطلب اجتماعهما في شكل هيئة مشتركة وهي :
انتخاب أعضاء المجلس الفيدرالي (الحكومة) ، انتخاب رئيس الاتحاد ، اختیار أعضاء المحكمة الفيدرالية ، اختيار القائد العام للجيش ، البت في تنازع الصلاحيات بين الأجهزة الفيدرالية، ممارسة حق العفو ، ومن خلال استعراض صلاحيات الجمعية الفيدرالية البرلمان)، يبدو أن البرلمان السويسري يجسد أصل جميع السلطات، سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية وبهذا الاعتبار، تكون السلطة التنفيذية مجرد سلطة منبثقة منه وتابعة له ، وتحمل السلطة التنفيذية اسم "المجلس الفيدرالي"، وتتألف من سبعة أعضاء تختارهم الجمعية الفيدرالية لمدة أربع سنوات، ولا يمكن ان تمثل المقاطعة بأكثر من عضو داخل هذا المجلس، والجمعية الفيدرالية تختار كذلك من بين هؤلاء السبعة واحدا ليكون رئيسا للاتحاد تتحدد مدة ولايته في سنة غير قابلة للتجديد، كما تختار نائبا له وإذا كان رئيس الاتحاد نظريا يقوم بمهام رئيس الدولة، إلا أن هذه الرئاسة صورية، ذلك أن من خاصيات السلطة التنفيذية التي يجسد المجلس الفيدرالي عملها بشكل جماعي، وهذا الطابع الجماعي يتجلى من خلال المؤشرات التالية :
1) المؤشر الأول يكمن في كون سلطات الأعضاء السبعة المشكلين للمجلس الفيدرالي هي متساوية لذلك يقومون بتوزيع المهام فيما بينهم بالتساوي.
2) المؤشر الثاني يعود الى قصر مدة ولاية رئيس الاتحاد وهي سنة لا تمكنه من تكوين سلطة تميزه عن باقي الاعضاء.
3) المؤشر الثالث يتعلق بكون المجلس لا يمكنه الاجتماع إلا بحضور أربعة أعضاء منه على الأقل، إذ أن القانون يشترط حصول الأغلبية المطلقة هذه المؤشرات تبرز الطابع "الجماعي" للسلطة التنفيذية في سويسرا ، كما أن نلاحظ تبعية السلطة التنفيذية للبرلمان، تتجلى في أربعة مظاهر :
1) المظهر الأول يتجلى في كون الحكومة (المجلس الفيدرالي) مطالبة بتقديم تقرير سنوي عن أعمالها إلى مجلس الجمعية الفيدرالية، أو كلما طلب منها ذلك.
2) المظهر الثاني يتجسد في صلاحية مجلسي الجمعية الفيدرالية في توجيه استجوابات و اقتراحات الى الحكومة من أجل تعديل سياستها أو دراسة قضية أو إعداد مشروع قانون .
3) المظهر الثالث : يتمثل في كون الحكومة ليس بمستطاعها حل البرلمان أو طرح الثقة أو التهديد بالإستقالة.
4) المظهر الرابع : يتشخص في كون الجمعية الفيدرالية من صلاحياتها حجب الثقة عن الحكومة على إثر استجواب، ويترتب على حجب الثقة اضطرار الحكومة إلى توجيه سياستها وفق الوجهة التي تحددها الجمعية الفيدرالية، ولا يفضي حجب الثقة بأي حال من الأحوال إلى إسقاط الحكومة.
الفقرة الثانية : نشأة النظام المجلسي
إن التتبع التاريخي لجذور هذا النظام يقودنا إلى الأفكار التي طرحها روسو والتي تتمحور حول أن السيادة واحدة و غير قابلة للتجزئة وأن السلطة في الدولة تكون بيد المواطن الذي يختار ممثليه في البرلمان ، هؤلاء يتولون التعبير عن سيادته من خلال ممارسة السلطة السياسية ، يضيف روسو بأنه يمكن للبرلمان أن يعهد السلطة التنفيذية إلى هيئة يكون أعضاؤها خاضعين له ومسؤولين أمامه ولا يحق للجهاز التنفيذي مساءلة أعضاء البرلمان .
لم يتم الأخذ بالنظام المجلسي على نطاق واسع في العصر الحديث فقد بدأت بوادره لأول مرة في بريطانيا بسبب الخلاف بين البرلمان والملك شارل الأول الذي انتهى بقيام حكم جمهوري ، لكن لم يدم طويلا ليسود الحكم الملكي مرة أخرى سنة 1659 ، وتم تطبيق هذا النظام أيضا في فرنسا على امتداد فترات متباعدة بدايتها كانت سنة 1792 حتى 1795 ثم عقب الثورة سنة 1848 ولم يدم طويلا ، وفي الجمهورية الفرنسية الثالثة، وعلى إثر انهزام نابليون سنة 1871 أخذت فرنسا مجددا بنظام الجمعية .
ويرى البعض بأن دستور الجمهورية الرابعة الصادر سنة 1946 يجسد لنظام مجلسي فعليا من الناحية التطبيقية على عكس ما يبدو شكلا، وطبقت سويسرا أيضا هذا النظام سنة 1874 وأقرت صراحة سمو السلطة التشريعية في الاتحاد.
بالإضافة إلى فرنسا ، سويسرا ، بريطانيا هناك دول أخرى عديدة تبنت هذا النظام منها النمسا سنة 1920 الولايات المكونة لألمانيا الاتحادية كروسيا ، وتركيا التي آل نظامها في عهد كمال أتاتورك إلى الدكتاتورية إن هذه التجارب الفرنسية في إقامة نظام مجلسي لم تعمر طويلا وتم اللجوء إليها في ظروف استثنائية، وبالتالي لا يمكن اعتمادها كمنطق لتحديد مقومات النظام المجلسي، بل ينبغي الاعتماد على تجربة لاقت نجاحا فعليا ومنحت لهذا النظام قيمته الدستورية الحقيقية، وهذه التجربة تتمثل في التجربة السويسرية.
الفقرة الثالثة : خصائص النظام المجلسي
للنظام المجلسي مجموعة من الخصائص نوجزها في ما يلي :
1) تركيز السلطة بيد البرلمان : حيث تجتمع السلطتين التشريعية والتنفيذية بيد البرلمان، وهي أهم خاصية تميز هذا النظام عن بقية الأنظمة النيابية على اعتبار أنها تنبع من مبدأ عدم قابلية السلطة للتجزئة.
2) تشكيل الحكومة من طرف البرلمان : إذ يتولى البرلمان اختيار أعضاء السلطة التنفيذية ، والتي تكون عبارة عن هيئة جماعية خاضعة للبرلمان وتقوم بتنفيذ ما يقرره وهو من يحدد صلاحيتها.
3) تبعية السلطة التنفيذية للبرلمان على خلاف النظام البرلماني الذي يقوم على التعاون بين السلطات ، والرئاسي الذي يقوم على الفصل المطلق بين السلطات ، بينما نظام الجمعية يقوم على خضوع السلطة التنفيذية خضوعا تاما للسلطة التشريعية
الفقرة الرابعة : نتائج انفراد الجهاز التشريعي بالسلطة
ينتج عن انفراد الجهاز التشريعي بالسلطة والاختصاصات النتائج التالية :
• التزام أعضاء المجلس الفدرالي وهو الحكومة تقديم تقارير سنوية عن أعمالهم للجمعية الفدرالية بشقيها .
• من حق الجمعية أن توجه استفسارات واقتراحات لأعضاء الحكومة بهدف تغيير السياسة العامة المتبعة أو من أجل دراسة مسألة معينة من أجل إعداد مشروع قانون
• لا يمكن للمجلس الفدرالي حل الجمعية أو سحب الثقة أو تقديم الاستقالة بل وحتى تحديد تاريخ الاجتماعات أو التأجيل .
• في حالة الخلاف بين المجلسين لا يستطيع تقديم الاستقالة بل يمارس مهامه مع تغيير سياسته في اتجاه تصور الجمعية .
ويشهد واقع بعض الدول أن إحكام البرلمان لجميع السلط قد تولد عنه نظام سياسي ناجح رغم تعدد الأحزاب السياسية وذلك راجع لما يتصف به السويسريون مثلا من ثقافة سياسية عالية حيث فشلت محاولات تطبيق هذا النظام في فرنسا وبريطانيا وبعض الدول اللاتينية .
الفقرة الخامسة : المؤسسات المركزية في النظام السويسري كنموذج للنظام المجلسي
تتشكل الدولة الاتحادية في سويسرا من المؤسسات المركزية التالية :
أولا : الجمعية الفدرالية
وهو المصطلح الذي يطلق على السلطة التشريعية التي تمثل أسمى سلطة في الاتحاد السويسري ، وهي مكونة من مجلسين ، يمثل الأول الشعب ويسمى المجلس الوطني ويتشكل بالانتخاب المباشر من طرف الشعب بحيث يمثل كل 25 ألف ناخب نائبا واحدا، ولا يزيد مجموع النواب عن 200 نائب ، يمارسون مهامهم لمدة أربعة سنوات، ويجتمع المجلس في دورة عادية واحدة في السنة.
أما المجلس الثاني فهو يمثل المقاطعات ، وينتخب أعضاؤه بحسب القوانين الخاصة بكل مقاطعة ، وتمثل كل مقاطعة بنائبين أو نائب واحد عن نصف المقاطعة و للمجلس دورة عادية واحدة علنية ينتخب خلالها الرئيس ونائبه لمدة سنة، وتتخذ قرارات المجلس بأغلبية الأصوات ، أما قرارات الجمعية فتصدر باتفاق المجلسين.
اختصاصات الجمعية الفدرالية :
تتمثل اختصاصات الجمعية الفدرالية فيما يلي :
• به انتخاب أعضاء المجلس الفدرالي ونائبه ورئيسه
• إبرام الاتفاقيات الدولية وإقرار المعاهدات ما بين المقاطعات
• حفظ سيادة الدولة واستقلالها وحيادها
• السهر على ضمان الأمن الداخلي وتطبيق دساتير المقاطعات
• وضع الميزانية العامة وإقرارها
• الإشراف على عمل الجهاز القضائي والإداري للدولة
• انتخاب أعضاء المحكمة الاتحادية وتعيين قائد الجيش
ثانيا : المجلس الفدرالي
حيث يتشكل المجلس الفدرالي من سبعة أعضاء تنتخبهم الجمعية الفدرالية لمدة أربعة سنوات قابلة للتجديد ، أما رئيس المجلس الذي يعد رئيسا للاتحاد فينتخب لمدة سنة غير قابلة للتجديد إلا بعد مرور سنة كاملة على انتهاء ولايته، ويتولى المجلس الفدرالي المهام التنفيذية الموكلة إليه من طرف الجمعية الفدرالية ، أما رئيس الاتحاد فدوره شرفي لا يتعدى رئاسة المجلس وتمثيل الاتحاد في الخارج، وتجدر الإشارة إلى عدم إمكانية الجمع بين العضوية في المجلس الاتحادي و الجمعية الاتحادية .
اختصاصات المجلس الفدرالي :
• تنفيذ القوانين والقرارات الصادرة عن الجمعية الاتحادية.
• السهر على تطبيق الدستور الاتحادي ودساتير المقاطعات.
• و حفظ الأمن الداخلي للدولة الاتحادية.
ونظرا لتطور وتعقد العلاقات بين المقاطعات، اتسعت صلاحيات المجلس الاتحادي وأعطيت له سلطات إضافية في مجال القضاء و الاقتصاد لضمان التنسيق بين المقاطعات والحفاظ على الاستقرار.
ثالثا : المحكمة الفدرالية
وتتشكل من ستة وعشرين قاض و تسع مساعدين منتخبون من طرف الجمعية الفدرالية لمدة ست سنوات قابلة للتجديد، والترشح لعضويتها مفتوح أمام كافة المواطنين الذين تتوفر فيهم الشروط المطلوبة على أن لا يكون المترشح عضوا في الجمعية أو المجلس الاتحادي، وعادة يكون الأعضاء من بين المحامين المتمرسين، وتختص المحكمة الفدرالية بممارسة الرقابة الدستورية على القوانين الصادرة من المقاطعات دون الاتحاد ، كما تعتبر محكمة استئناف للأحكام الصادرة عن محاكم المقاطعات وتتولى النظر في المنازعات بين المقاطعات.
الفقرة السادسة : العلاقة بين المؤسسات الرسمية في النظام المجلسي السويسري
من حيث طبيعة علاقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية يعد المجلس الاتحادي تابعا للبرلمان من الناحية العضوية ووظيفيا لا يمكن اعتباره مجلسا للوزراء، ذلك أنه لا يملك برنامجا سياسيا خاصا ولا يسعه إلا تنفيذ السياسة التي يصنعها البرلمانيون ولا يملك حق حل الجمعية أو دعوتها للانعقاد أو فض اجتماعها أو حتى وضع جدول الأعمال الخاص بها، كما لا يمكنه أن يقدم الاستقالة، وفي مقابل ذلك نجد أن للبرلمان حق عزل أعضاء الهيئة التنفيذية ذلك انه من الناحية السياسية تكون هذه الأخيرة مسؤولة عن أعمالها أمام البرلمان الذي يملك أيضا حق حل نفسه، ومن الناحية التطبيقية خفف الدستور السويسري من تبعية السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية وجعل العلاقة بينهما أقرب إلى علاقة التعاون منها إلى التبعية ، إذ يسمح لأعضاء السلطة التنفيذية بتقديم اقتراحاتهم في شكل استشارات حول مواضيع محل نقاش من طرف البرلمان وبإمكانه دعوته للانعقاد في دورة غير عادية، وهو ما جعل النظام السياسي السويسري يوصف بأنه نظام خاص وفريد.
من حيث علاقة المقاطعات بالدولة الاتحادية يقوم الاتحاد السويسري على مبدأ "حصر اختصاصات الدولة الاتحادية"، مما يجعل الاختصاصات غير المذكورة في هذا الحصر من اختصاص المقاطعات وتتولى عادة الدولة الاتحادية صلاحيات واسعة في المجال الدولي وتشترك مع المقاطعات في الصلاحيات الداخلية.
الفقرة السابعة : مزايا وعيوب النظام المجلسي
قد يرى البعض أن النظام المجلسي يجسد الديمقراطية الحقيقية لأن السلطة في هذا النوع من الأنظمة تمارس بواسطة ممثلي الشعب المنتخبين، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه نظام يخلو من العيوب.
أولا : مزايا النظام المجلسي
1) الأكثر تجسيدا للديمقراطية مقارنة بغيره من الأنظمة النيابية الأخرى
2) خاصية دمج السلطة التنفيذية وجعلها تابعة للسلطة التشريعية في هذا النظام يجعل السياسات المتخذة أكثر شرعية .
3) طريقة تشكيل السلطة التنفيذية في هذا النظام وسيلة لجعل تنفيذ السياسات أكثر كفاءة وفعالية
4) دمج السلطات بيد البرلمان هو تطبيق سليم للديمقراطية المثالية التي تعتبر الشعب مصدر كل سلطة.
ثانيا : عيوب النظام المجلسي
دمج السلطات بيد البرلمان يجعله يستبد ويطغى في ممارسة السلطة، تحت لواء الشرعية يعتبر مبدأ دمج السلطات في يد هيئة واحدة سواء كانت السلطة التشريعية أو التنفيذية مخالفا لمبدأ الديمقراطية القائم على الفصل بين السلطات بشكل يضمن حسن تدبير.
من خلال ما سبق يمكن القول أن النظام المجلسي القائم على دمج السلطات الثلاث بيد البرلمان، يعد النظام النيابي الأكثر تجسيدا للديمقراطية الفعلية إذا ما طبق بشكل صحيح ، وأن تطبيقه غير الصائب يؤدي إلى مزيد من الاستبداد والتعسف في استخدام السلطة الشيء الذي يجعله يؤول تدريجيا إلى نظام شبه دكتاتوري.
أما بخصوص تطبيق هذا النظام في سويسرا، فالملاحظ هو أن النظام السويسري تم تكييفه مع البيئة الداخلية بحيث أنه لا يشتمل على كل خصائص نظام الجمعية من الناحية الوظيفية، ويمكن أن نلمس ذلك على سبيل المثال في عدم إمكانية عزل أعضاء المجلس الفدرالي قبل انتهاء عهدتهم من طرف الجمعية الاتحادية وعلى الرغم من ذلك يبقى النظام السويسري نموذجا ناجحا لهذا النوع من الأنظمة الديمقراطية النيابية، وقد ساهم تبنيه في تجنيب سويسرا الوقوع في العديد من الأزمات السياسية التي تشهدها مختلف الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية القائمة في الوقت الراهن.
المحور الثالث : النظام الرئاسي الامريكي
تأخذ الولايات المتحدة بنظام يسيطر فيه رئيس الجمهورية ولهذا سمي بالنظام الرئاسي ، وهو يعتمد على أساسين هما الفصل المطلق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، فاختصت السلطة التشريعية بالتشريع و السلطة التنفيذية بأمور التنفيذ مما يمنع قيام علاقة تعاون أو رقابة بينهما الامر الذي يحقق لكل سلطة كيانها الخاص ، ولأن الرئيس لا يسأل إلا أمام الأمة فقد اصطلح على النظام الأمريكي بنظام حكومة الرئيس.
هذا النظام معمول به أساسا في الولايات المتحدة ، ويعمل على تطبيق مبدأ فصل السلط بشكل تام ، ويتميز بتركيز السلطة بين يدي رئيس الدولة فهو صاحب السلطة ورئيس الحكومة ورئيس الجهاز التنفيذي ويختار مساعديه للعمل تحت إشرافه وفق السياسات التي يراها ، ولا يمكن لأي وزير داخل حكومته أن يمارس سیاسة مغايرة وإلا عزله الرئيس ، ويترتب على ذلك المسؤولية الفردية لكل وزير ولا تترتب المسؤولية على مجلس الوزراء بسبب انعدام مجلس الوزراء أصلا ، لكن لا يمكن حل الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب ولا يمكن دعوتهما للانعقاد أو رفض أعمال جلساتهما ، فكل جهاز مستقل بذاته استقلالا عضويا ووظيفيا ، ولكل منهما سلطة التصرف والتقرير دون أي اعتداد بالجهاز الآخر في حدود اختصاصه كما هو منصوص عليه في الدستور الأمريكي.
وتفاديا للتوترات السياسية بين الجهازين تم تطوير آليات تعمل على خلق تعاون بينهما ، فالكونغرس غالبا ما يتناسق مع توجيهات الرئيس ونشأت تبعا لذلك أعراف برلمانية حيث يتصل الوزراء بممثلى الكونغرس.
الفقرة الأولى : أسس النظام الرئاسي الأمريكي
يقوم النظام الرئاسي الأمريكي على ركيزتين أساسيتين هما :
أولا : أحادية السلطة التنفيذية
رئيس الجمهورية منتخب من قبل الشعب ويجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة لذلك هذا النظام لا رئيس الجمهورية و ليس الهيئة النيابية و ذلك عن طريق الاقتراع العام المباشر ، وهو ممثل الأمة في مباشرة رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة في نفس الوقت.
كما يقوم الرئيس باختيار الوزراء الذين يعاونوه في تطبيق سياسته و ممارسة مهامه و له الحق في إعفائهم من مناصبهم و عزلهم ، و يخضع الوزراء لرئيس الجمهورية خضوعا تاما و ينفذون السياسة العامة التي قام بوضعها ، يسمى وزير الرئيس " السكرتير" ، و هو لا يتمتع بأية سلطة.
ثانيا : الفصل المطلق بين السلطات
على خلاف النظام البرلماني البريطاني ، فإن النظام الرئاسي الأمريكي يقوم على الفصل المطلق و التام بين السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية، إذ لا يملك رئيس الدولة باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان للانعقاد العادي أو فض دورته أو حله ، و يباشر البرلمان وظيفته التشريعية باستقلال تام، بحيث لا تستطيع السلطة التنفيذية اقتراح القوانين أو التدخل في إعداد ميزانية الدولة ، كما يستقل البرلمان من الناحية العضوية عن الحكومة ، و ليس للوزراء حضور جلسات البرلمان إلا بصفتهم مواطنين عاديين ، كما نلاحظ استقلال السلطة التنفيذية في مباشرتها لوظيفتها ، إذ يقوم رئيس الجمهورية بتعين الوزراء و إعفائهم من مناصبهم دون تدخل من البرلمان الذي لا يجوز له توجيه الأسئلة للوزراء .
الفقرة الثانية : صلاحيات كل من السلطة التنفيذية و التشريعية
الولايات المتحدة الأمريكية دولة اتحادية تتكون من 50 ولاية ، وهي أول دولة أخذت بالنظام الرئاسي، و سنتطرق إلى تكوين الهيئات الدستورية للولايات المتحدة.
أولا: صلاحيات السلطة التنفيذية
تخضع السلطة التنفيذية لرئيس الجمهورية بحيث يجمع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ، فهو يختار معاونيه ومساعديه و يطلق عليهم كتاب الدولة و هم مسؤولون أمامه ، وبالتالي فالحكومة مستقلة عن البرلمان .
انتخاب الرئيس الامريكي :
يتم انتخاب الرئيس بواسطة الاقتراع العام غير المباشر و ذلك حسب المراحل التالية :
1- مرحلة تعيين مرشحي الأحزاب : يتم تعيين مندوبي الأحزاب على مستوى كل ولاية ثم يجمع المندوبون في مؤتمر لاختيار مرشح الحزب للرئاسيات.
2- مرحلة تعيين الناخبين الرئاسيين : يتم اختيار الناخبين لمدة أربع سنوات عن طريق الانتخاب بالأغلبية في كل ولاية ، ويبلغ عدد هؤلاء الناخبين مثل عدد اعضاء مجلس الشيوخ و مجلس النواب ، ولا يحق لهؤلاء أن يكونوا أعضاء في كل من المجلسين.
3- مرحلة انتخاب الرئيس : يتم انتخاب الرئيس بالأغلبية المطلقة لأصوات الناخبين ، وفي حالة عدم حصول هذه الأغلبية يتم انتخاب الرئيس من طرف مجلس النواب ، أما نائب الرئيس فيتم انتخابه عن طريق مجلس الشيوخ وذلك من بين المرشحين الثلاثة الذين حازوا على أكبر الأصوات ، و مدة عهدته أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط .
اختصاصات الرئيس الامريكي :
بعد أن يؤدي الفائز برئاسة الولايات المتحدة اليمين الدستورية يباشر مهامه كرئيس، وعلى الرغم من مبدأ فصل السلطات في النظام الرئاسي إلا أن الرئيس الأميريكي يجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، يعني ذلك أن يصبح الرئيس ممثلا للشعب وهو ما يحقق عدم خضوعه للبرلمان من ناحية، ويجعله في مركز متعادل مع البرلمان الذي يستمد سلطته من الشعب ، وبذلك يرسم خطوط السياسة العامة للحكومة، فيجمع الرئيس الأمريكي بين يديه كافة الوظائف التنفيذية يعاونه بها عدد من الأجهزة، وتكون هذه الأجهزة تحت اشرافه فهو من يعينهم أو يعزلهم دون أي تدخل من جانب مجلس الشيوخ، وتقتصر وظيفة السكرتير أي الوزير على تقديم المعلومات واسداء النصح للرئيس، ويظل الرئيس الأمريكي هو صاحب الرأي الأول والأخير في إدارة دفة السياسة ويخضع للمساءلة أمام الكونغرس .
1) الصلاحيات التنفيذية : يمارس الرئيس السلطة التنظيمية في شكل أوامر تنفيذية أو مقررات و هو لا يمارس سلطة التشريع.
2) الصلاحيات الإدارية : يقوم بتنظيم و مراقبة أعمال الإدارات العامة .
3) الصلاحيات الدبلوماسية : يتولى الرئيس إدارة السياسة الخارجية بمساعدة كاتب الدولة للخارجية وكذلك تعين السفراء و التوقيع على المعاهدات التي تتطلب مجلس الشيوخ .
4) الصلاحيات العسكرية : الرئيس هو القائد الأعلى للجيش ويتولى قيادة العمليات العسكرية مع العلم أن إعلان الحرب هو من حق الكونغرس وحده.
القيود الواردة على سلطات الرئيس االامريكي :
1) قيود قانونية : تنحصر في قصر مدة الرئاسة حتى لا يصبح الرئيس ديكتاتوريا.
2) قیود سياسية : تأثير الأحزاب السياسية .
3) قيود تجاه المواطنين : هناك قيود لا يستطيع الرئيس تجاوزها لأنها صارمة من طرف القضاء .
الوظائف التي يمنع على السلطة التنفيذية ممارستها :
من أجل الفصل المطلق للسلطات هناك عدة مهام تمنع على السلطة التنفيذية ممارستها منها :
• لا يجوز لأعضاء الحكومة الجمع بين عضوية الحكومة و البرلمان
• لا يمكن لرئيس الجمهورية دعوة البرلمان للانعقاد / الميزانية هو عمل يضبطه البرلمان فقط
• لا يمكن لرئيس الجمهورية تأجيل دورات انعقاد البرلمان لا يمكن لرئيس الجمهورية تغير جدول عمل البرلمان
• لا يمكن لرئيس الجمهورية حل البرلمان
• لا يمكن لأعضاء الحكومة حضور جلسات البرلمان .
ثانيا : صلاحيات السلطة التشريعية : (الكونغرس)
يتكون الكونغرس من مجلس الشيوخ و مجلس النواب.
مجلس النواب الأمريكي :
يمثل مجلس النواب الشعب الأمريكي و ينتخب أعضائه لمدة سنتين بالاقتراع العام المباشر و يتكون المجلس من 435 عضو و يشترط في المترشح أن يبلغ من العمر على الأقل 25 سنة و يتمتع بالجنسية الأمريكية منذ 07 سنوات و أن يقيم في الولاية ، و يتم انتخابهم حسب عدد السكان في الولاية على أساس نائب عن 500 ألف مواطن على مستوى الولاية .
مجلس الشيوخ الأمريكي :
يتكون من 100 عضو و تمثل كل ولاية بنائبين مهما كان عدد سكانها و يتم انتخابهم لمدة 06 سنوات بالاقتراع العام المباشر ، و يتم تجديد ثلث الأعضاء كل عامين ، و يشترط على المترشح بلوغ سن 30 سنة و يملك الجنسية الأمريكية لمدة لا تقل على 09 سنوات و ان يقيم في الولاية.
صلاحيات الكونغرس
ما نلاحظه في النظام الرئاسي الأمريكي أن مجلس الشيوخ يتفوق و له أهمية على مجلس النواب و السبب في ذلك يعود إلى قلة عدد مجلس الشيوخ و الجدية المناقشات و تنظيمها ، كما أن أعضاء مجلس الشيوخ منتخبون لمدة أطول من مدة اعضاء البرلمان و لهذا يتمتعون بالحرية و بالوقت الكافي لدراسة القوانين و قد خص الدستور مجلس الشيوخ بصلاحيات منها :
موافقته على تعين السفراء وكبار الموظفين و القضاة و التصديق بأغلبية الثلثين على المعاهدات التي يبرمها رئيس الجمهورية ، أما باقي الصلاحيات فيشارك فيها المجلسين و يمارسونها بالتساوي و أهمها:
التشريع ، التصويت على الميزانية ، مراقبة المرافق العامة، الصلاحيات الانتخابية ، صلاحية تعديل الدستور، وهو ما نصت عليه المادة 05 من الدستور الأمريكي ، فالاقتراح يصدر من الكونغرس بأغلبية الثلثين في كلا المجلسين والكونغرس هو الذي يختار إحدى طرق المصادقة على التعديل إما من قبل ثلاث ارباع المجلس التشريعي للولايات المتحدة أو من قبل مؤتمرات تنعقد في ثلاث ارباع الولايات ، ويمكن أن يقترح التعديل من ثلثي أعضاء المجالس التشريعية .
• الصلاحية القضائية :
و تتمثل الصلاحية القضائية في قدرة الكونغرس على محاسبة الرئيس في حالة ارتكابه جريمة كبيرة کالرشوة أو الخيانة العظمى ، حيث لمجلس النواب تحديد المخالفات و تقرير التهمة الموجهة إلى الرئيس ويتولى مجلس الشيوخ الحكم عليه ، فقرار مجلس النواب بالأكثرية البسيطة و حکم مجلس الشيوخ بأغلبية الثلثين و يرأس مجلس الشيوخ القاضي الأعلى للمحكمة العليا.
• الصلاحية المالية :
الكونغرس يشرف على أمر الإنفاق فهو الذي يوافق على الإعتمادات المالية التي تطلبها الحكومة مما يشكل وسيلة ضغط على السلطة التنفيذية و إجبارها على تتبع السياسة التي يرسمها الكونغرس.
علاقة الكونغرس بالحكومة :
• لا يمكن للبرلمان التدخل في تعيين أو عزل أعضاء الحكومة فهي من صلاحيات الرئيس وحده.
• اعضاء الحكومة غير مسؤولين أمام البرلمان و ليس له الحق بتوجيه أسئلة لأعضاء الحكومة
• حق رئيس الجمهورية في الإعتراض على القوانين التي يشرعها البرلمان ( حق الفيتو).
• حق إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين أي تدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطة التشريعية للكونغرس.
• حق الرئيس في توجيه رسائل للبرلمان لإحاطته بموضوع معين بقصد التأثير على الكونغرس وعمله
• حق مجلس الشيوخ في الاشتراك في تعين كبار موظفي الدولة.
• حق مجلس الشيوخ في توجيه الاتهام الجنائي الأعضاء السلطة التنفيذية
• يتولى رئيس الجمهورية توقيع الاتفاقيات الدولية و المعاهدات بعد استشارة مجلس الشيوخ
• حق مجلس الشيوخ في الاشتراك مع رئيس الجمهورية في جوانب من العلاقات الخارجية مثل تعين السفراء.
• يتولى رئيس الجمهورية إعلان الحرب بعد استشارة مجلس الشيوخ.
الفقرة الثالثة : استقلال السلط في النظام الرئاسي ( الأمريكي (
أولا : أوجه استقلال الكونغرس الأمريكي
الكونغرس الأمريكي أو الجهاز التشريعي ، يتكون من مجلس النواب ومجلس الشيوخ ، ومهمته اقتراح وسن القوانين دون أي تدخل من الجهاز التنفيذي وأغلب اقتراحات القوانين تصدر من مجلس النواب ، وفي النظام الرئاسي لا يمكن لمجلس النواب تفويض سن القوانين للسلطة التنفيذية كما هو الحال في فرنسا مثلا، إذ أن التشريع غير قابل للتفويض ، كما أن تعيين الرئيس لكبار المسؤولين لا يتم إلا بموافقة مجلس الشيوخ ، وكل اتفاقية دولية بوقعها الرئيس يلزمها تصويت ثلثي أعضاء الكونغرس لتدخل حيز العمل، كما له سلطة الرقابة والاشراف على العديد من المصالح العمومية وعلى الموظفين الفدراليين .
ثانيا : أوجه استقلال الجهاز التنفيذي
يظهر ذلك جليا من خلال انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب ، وفق مسطرة انتخابية محددة ومعقدة وطويلة، على فترتين : الأولى يتم اختيار مندوبي كل حزب ويجتمع مندوب كل حزب في مؤتمر عام ويعملون على اختيار مرشح الحزب الذي يشترط فيه أن يكون أمريكيا لا يقل عن 35 سنة ومقيما بها منذ 14 سنة على الأقل . وفي المرحلة الثانية يقوم الشعب باختيار بين مرشحي الحزب الديمقراطي و الجمهوري، وهذا الانتخاب هي دعامة الرئيس حيث يعتبر منتخبا من الشعب بأكمله عكس البرلماني الذي ينتخب من مقاطعته فقط والرئيس يستمد شرعيته من الشعب مباشرة .
أيضا يظهر استقلال السلطة التنفيذية من خلال حرية الرئيس في تعيين وزرائه الذين لا تربطهم أية علاقة بالكونغرس ولا يمكن لهذا الأخير أن يستجوبهم أو يسألهم ، فهم مسؤولون فقط أمام الرئيس ، وله الحق في إقالتهم أو تغييرهم دون أي حاجة إلى تصديق الكونغرس، أيضا ينفرد الرئيس بقيادة القوات المسلحة وفي حالة الحرب يصبح الرئيس شبه دكتاتور فيتخذ الإجراءات التي يراها معتمدا في ذلك على الشرعية المستمدة من الشعب ، كما يمكن للرئيس الاعتراض على القوانين الصادرة عن الكونغرس في غضون 10 أيام الموالية لصدوره، فيتوقف تنفيذ القانون لكن يمكن للكونغرس التغلب على هذا الاعتراض من خلال التصويت مرة ثانية على نفس القانون محل الاعتراض بأغلبية ثلثي الأعضاء.
كما يمكن للرئيس التوجه بتوصية غير ملزمة للكونغرس للفت الانتباه إلى قانون معين وهي مسألة تتوقف على نفوذ الرئيس داخل الكونغرس ، كما أن الميزانية العامة يتم إعدادها في مكتب الميزانية التابع للرئيس فيقوم سكرتير المالية للرئيس بتقديم تقارير وبيانات للكونغرس من أجل تقريب وجهتي النظر حول قانون الميزانية .
تجدر الإشارة إلى أن السلطتين تشتركان في إدارة السياسة الخارجية خصوصا مجلس الشيوخ الذي يمثل الولايات بشكل متساو ، كما يساهم الكونغرس مع الرئيس في تعيين بعض الموظفين السامين ، ويختص مجلس الشيوخ بحق محاكمة الرئيس ونائبه ووزرائه في حالة ارتكاب جريمة الخيانة أو الرشوة ، فلا حصانة دستورية لهم ، كما حصل للرئيس نيكسون في فضيحة ووتر غيت ، وفضيحة كلينتون مع مونيكا كيت .
أما الميزانية فيتم إعدادها من طرف الرئيس لكن مجلس الشيوخ هو الذي يشرف على النفقات العامة وله رفض أو قبول مطالب الحكومة بهذا الخصوص .
عموما فالحياة السياسية في الولايات المتحدة خلقت نوعا من التعايش والتعاون بين الأجهزة الحاكمة بواسطة مساطر وإجراءات مصدرها متطلبات العمل الحكومي اليومي وضرورة إنجاح سير المؤسسات في حدود ما يسمح به الدستور الاتحادي و الدستور الخاص بكل ولاية على حدة
ثالثا : استقلال الجهاز القضائي
تمت بلورة هذا الاستقلال استنادا إلى الدستور الاتحادي ، الذي عمل على ضمان استقلال القضاء بشكل تام، حيث ينتخب القضاة مباشرة من طرف الشعب ، ويتمتعون باستقلال ذاتي خلال أدائهم لمهامهم ولا تملك السلطة التشريعية أو التنفيذية تعديل قوانين المحكمة الاتحادية العليا ، كما أن المحاكم يمكنها الامتناع عن تطبيق أي قانون لو ظهر لها أنه غير دستوري .
تجدر الإشارة إلى أن هذا النظام نجح في الولايات المتحدة وفشل في الكثير من الدول التي حاولت تقليده وذلك راجع إلى الثروات الطبيعية في الولايات المتحدة وقوة اقتصادها واستقرارها السياسي ووعي الشعب الأمريكي بحقوقه السياسية والحرية المتاحة .
كان النجاح النظام الرئاسي الأمريكي صدى كبير في كثير من دول العالم مما أدى بالكثير منها الى الاخذ بهذا النظام لكنه لم يحقق النجاح الذي حققه بلده الأصلي بل تحول إلى نظام ديكتاتوري في معظم الدول التي أخذت به .
المحور الرابع : النظام البرلماني البريطاني
تعتبر بريطانيا نموذج النظام البرلماني حيث ظهر بها في القرن 18 ، وعرف باسم النظام الكلاسيكي أو النظام الثنائي، حيث يحقق فصلا مرنا بين السلط وتوازنا بين المؤسسات ويسمح بنوع من الرقابة بينها ، وبذلك يصبح لزاما على الحكومة الحصول على ثقة البرلمان ، ويصبح من حق الحكومة حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة في حالة النزاع بينهما ، وقد شهد القرنين 17 و18 تصارع بروز ثلاث مشروعات متنافسة في إنجلترا، أولا الملكية التي تستمد مشروعيتها من التاريخ وتعد استمرارا له، ثانيا البرلمان وخاصة مجلس العموم الذي يعتبر ممثلا للشعب ، ثالثا النبلاء ممثلين في مجلس اللوردات الذين لهم مكانتهم الاجتماعية المهمة ويلعبون دورا أساسيا في تطور النظام السياسي البريطاني.
الفقرة الأولى : السياق التاريخي للنظام البرلماني
تسمى بريطانيا ب " أم البرلمانات " ، حيث كانت أساس مقومات النظام النيابي الذي سيصبح معمولا به في مختلف ديمقراطيات العالم فيما بعد، والنظام البرلماني البريطاني لم يتأسس بناء على نظرية سياسية جاهزة ولكنه جاء كنتيجة لتراكم تجربة تطور المجتمع الإنجليزي ونضج مؤسساته الدستورية، لذلك فإن الاهتمام بالتجربة البريطانية هو في نفس الوقت اهتمام بنشأة والتطور التاريخي للنظام البريطاني، الذي يتصدر قائمة النظم السياسية في العالم المعاصر.
والميزة الرئيسية التي يتصف بها النظام البرلماني في بريطانيا تكمن في أنه يقوم بالأساس على مجموعة من القواعد القانونية الدستورية العرفية، بالإضافة إلى بعض القوانين ذات الطابع الدستوري التي أقرتها البرلمانات البريطانية في فترات متباعدة، وتعود الأصول التاريخية للنظام البرلماني القائم حاليا في بريطانيا إلى بدايات القرون الوسطى، فمنذ ذلك الحين عرف هذا النظام تطورات هامة بفعل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في جسم المجتمع البريطاني ، ويمكن تلخيص هذا التطور التاريخي بثلاث مراحل رئيسية :
• المرحلة الأولى : الصراع من أجل الحريات العامة والحد من السلطة الملكية المطلقة
تميزت هذه المرحلة بصراع مرير على السلطة بين الملوك الذين كانوا يطمحون للحكم مطلق و بین طبقة النبلاء الأرستقراطيين ملاكي الأراضي الذين كانوا يحرصون على صيانة امتيازاتهم ويطمعون بالحد من سلطات الملك المطلقة لمصلحتهم ، و خلال هذا الصراع الطويل الذي استمر حتى النصف الثاني من القرن السابع عشر اضطر الملوك أمام ضغط النبلاء و تمردهم للتخلي عن جزء من سلطاتهم وللاعتراف للنبلاء ببعض الحقوق والحريات، إلا أن تراجع الملوك في هذا الصدد لم يخل من عدة محاولات ناجحة لإعادة بسط الحكم المطلق الذي لم يتم وضع حد نهائي له إلا بعد ثورة 1688.
• المرحلة الثانية : قيام النظام البرلماني البريطاني
أخذت ملامح النظام البرلماني في بريطانيا تبرز منذ أواخر القرن السابع عشر وخاصة بعد ثورة 1688، ثم ما لبثت أسس هذا النظام وقواعده التقليدية أن اتضحت وترسخت خلال القرنين التاليين، فالصراع الذي دار بين الملك والبرلمان الممثل للأرستقراطية، خلال القرون الخمسة السابقة أدى تدريجيا إلى ضعف وزن الملك وتأثيره في الحياة السياسية ، في حين انتقلت مهام ممارسة الحكم إلى الحكومة المنبثقة عن البرلمان والعاملة تحت مراقبته، هكذا أصبح البرلمان هو الممثل للإرادة الشعبية والمصدر الأساسي للسلطة وليس الملكية المطلقة التي بينما تحولت إلى مؤسسة رمزية تسود ولا تحكم .
• المرحلة الثالثة : إرساء أسس الديمقراطية
كانت الديمقراطية بمعناها الواسع الذي يفترض مشاركة جميع المواطنين على قدم المساواة في تقرير شؤون الحكم وتسيير القضايا العامة غير معروفة في المجتمع البريطاني حتى بداية القرن الحالي، فالنظام البرلماني الذي أمكن تحقيقه خلال الصراع بين الأرستقراطية والملك كان نظاما غير ديمقراطي لأنه كان يحصر قضية المشاركة في الحياة السياسية بفئة قليلة من أفراد الشعب تضم بشكل رئيسي أبناء الطبقتين الأرستقراطية والبرجوازية الكبيرة، في حين أن الأغلبية الساحقة من أفراد الشعب كانت مستبعدة عن الحياة العامة ومحرومة من أبسط الحقوق السياسية.
ولقد تصدت الطبقة البرجوازية منذ بداية القرن التاسع عشر القيادة الحركة الديمقراطية وذلك خدمة لمصالحها السياسية وتلبية لمطالب جماهير سكان المدن الكبرى التي كانت ترى أنه من غير الطبيعي استمرار إبعادها عن الحياة السياسية بعد أن ازداد وزنها وتأثيرها في حياة البلاد الاقتصادية والاجتماعية وقد استهدف نضال الحركة الديمقراطية تحقيق أمرين رئيسيين : القضاء على نظام الانتخاب القديم وإقرار مبدأ الانتخاب العام و الشامل، وإعطاء الأولوية في الحياة السياسية لمجلس العموم باعتباره المجلس المنتخب من الشعب والمعبر بالتالي عن إرادته.
فحتى عام 1909 كان مجلس اللوردات متمتعا بسلطات تشريعية ومالية وقضائية تميزه عن مجلس العموم وتعطيه مركز الأولوية داخل البرلمان، وكان لابد للحركة الديمقراطية أن تتعرض بالنقد لهذه المؤسسة الأرستقراطية من أجل إضعافها لصالح مجلس العموم ، وقد سنحت الفرصة للحركة الديمقراطية لتحقيق هذا الهدف على إثر الخلاف الذي نشب في عام 1909، بين حكومة الأحرار ومجلس اللوردات حول إقرار مشروع قانون الموازنة العامة الذي كان يتضمن بعض التدابير الإصلاحية ومن بينها فرض ضريبة على الدخل، وقد اعتبر المجلس أن من شأن هذه التدابير إحداث تغيير جذري للمجتمع يهدد مصالح الأرستقراطية، ولذلك قام برفض الموافقة على المشروع، وإزاء هذا الموقف، قررت الحكومة الاستمرار في المواجهة وإدخال الشعب في القضية، فطلبت من الملك حل مجلس العموم وإجراء انتخابات جديدة يمكن من خلالها معرفة ما إذا كانت الأغلبية الشعبية تساند الحكومة في موقفها أم تعارضها وتؤيد مجلس اللوردات.
وعندما أسفرت الانتخابات عن فوز الأكثرية الجديدة من حزب الأحرار تأكدت الحكومة من تأييد الشعب لها فزادت من ضغطها على مجلس اللوردات الذي لم يجد أمامه إلا الإذعان للإرادة الشعبية فرضخ للحكومة واضطر سنة 1911 للتصويت بالموافقة على مشروع قانون هام عرف فيما بعد بالقانون البرلماني الذي نص على أن جميع الصلاحيات المالية هي لمجلس العموم ، وحصر صلاحيات مجلس اللوردات في المجال التشريعي العادي، هكذا أصبح مجلس العموم المنتخب من الشعب هو المجلس الأهم في البرلمان البريطاني، في حين تراجع مجلس اللوردات الذي يمثل النبلاء ليكتفي بدور رمزي وهامشي.
الفقرة الثانية : عناصر النظام البرلماني البريطاني
يقوم النظام البرلماني في بريطانيا على أساس التفاعل بين عدة مؤسسات سياسية هي البرلمان والحكومة والملك ، وهو يتميز باعتماده على عنصرين أساسين :
ثنائية السلطة التنفيذية وتعاون المؤسسات في تسيير الشؤون العامة للدولة، الجهاز التشريعي يضم مجلس العموم ومجلس اللوردات بينما يتحدد الجهاز التنفيذي في رئيس الدولة وهو الملك ثم الحكومة ، فالملك يتميز بعدم مسؤوليته إذ أن ليس له أي اختصاصات فعلية وتبقى الحكومة هي المسؤولة فعليا وتمارس سلطات رئيس الدولة وتتميز بالوحدة والتجانس والتضامن .
أولا : رئيس الدولة في النظام البرلماني البريطاني
النظام الملكي في بريطانيا كان قديما ذو صبغة مطلقة ، وتدريجيا تم الانتقال في اتجاه انتقال السلطات الفعلية من الملك إلى الحكومة بعد إدخال العديد من التعديلات على المؤسسات وطريقة عملها وسيرها حتى تحقق الفصل بين العرش والجهاز الحكومي ، فالملك يسود ولا يحكم وبقيت المؤسسة الملكية تحظى بتقدير واحترام البريطانيين ، لكنهم يعتبرونها إرثا تاريخيا دون أن تكون لها أية صلاحيات تنفيذية فعلية. فالعرش ينتقل بين أفراد عائلة هانوفر الجرمانية الأصل رجالا ونساء مع تفضيل للرجال ، و عمليا الملك لا يشارك في الحكم ، بل يشرف فقط على مراسيم تعيين رئيس الحكومة من الحزب الحاصل على أكبر عدد من أصوات الناخبين ، فالمسؤول عمليا هو الحكومة وليس الملك لأن القرار السياسي بيد الحكومة وليس بيد الملك ، عملا بالمثل القائل " من لا سلطة له لا مسؤولية عليه " كما أن توقيع الملك لا يحظى بأي قيمة بدون توقيع رئيس الحكومة ، فرئيس الدولة الفعلي هو رئيس الوزراء وهو المسؤول أمام البرلمان .
هكذا وبعد أن كان الملك في الماضي يتولى كافة مهام السلطتين التشريعية والتنفيذية، فيصدر القوانين كما يشاء ويتولى الإشراف على تنفيذها من خلال وزرائه ومعاونيه، أخذت سلطاته تنكمش شيئا فشيئا لتصبح منذ أوائل القرن 18 مجرد سلطات رمزية يلخصها المثل المعروف بأن "الملكية تسود ولا تحكم ."
المؤسسة الملكية تقوم على مبدأ الوراثة، وينتقل العرش فيها من الملك الراحل إلى ولده الأكبر سواء أكان ذكرا أم أنثى، ويتمتع الملك ببعض الصلاحيات التقليدية و الشرفية التي ما يزال يحتفظ بها من العصور السابقة ومن أهم هذه الصلاحيات.
و صلاحية التصديق على القوانين التي يقرها البرلمان، ومصادقة الملك وتوقيعه لابد منها من أجل نشر القوانين وإصدارها ووضعها موضع التنفيذ، ومع أن الملك يستطيع نظريا أن يعترض على القوانين و يحول بالتالي دون تنفيذها فإنه لم يقم بأي بادرة من هذا النوع منذ عام 1707.
• صلاحية تعيين الوزير الأول وهو رئيس حزب الأغلبية في مجلس العموم.
• صلاحية تعيين بعض أعضاء مجلس اللوردات وكذلك تعيين كبار الموظفين في السلكين المدني والعسكري.
• صلاحية تمديد مدة ولاية مجلس العموم وحل هذا المجلس قبل انتهاء ولايته بناء على اقتراح من الحكومة
• صلاحية إعلان الحرب والسلام، وإبرام المعاهدات الدولية والاعتراف بالدول والحكومات الأجنبية وإرسال المبعوثين الدبلوماسيين للخارج لاستقبال ممثلي الدول الأجنبية في بريطانيا.
• صلاحية منح الألقاب و الأوسمة
• صلاحية إصدار عفو خاص عن المحكومين.
• صلاحية تولي القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية.
والجدير بالذكر بالنسبة لجميع هذه الصلاحيات التقليدية، أن الملك لا يستطيع مباشرتها وممارستها إلا بناء على اقتراح الحكومة ومشاركة الوزير الأول وبعض الوزراء المعنيين بالتوقيع على المراسيم الملكية المتعلقة بها.
ثانيا : الحكومة في النظام البرلماني البريطاني
هي بمثابة لجنة منبثقة عن مجلس العموم ، أعضاؤها يمثلون الأغلبية البرلمانية الفائزة في الانتخابات التشريعية ، فالحزب الذي حظي بثقة الشعب هو أساس الحكومة ، والملك ملزم باستدعاء رئيس الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية وتكليفه بتشكيل الحكومة ، فالنظام البرلماني هو نظام حكومة الوزارة ، وريثة اختصاصات الملك و سلطات الملك .
والحكومة وفق المفهوم البريطاني تضم كل الأفراد الذين تجمعهم روابط التضامن الحزبي والذين يجدون أنفسهم مسؤولين أمام البرلمان وهم حوالي مائة شخص موزعين بين الوزراء والأمناء العامون للدولة، وذلك من أجل إفساح المجال للنخب الشابة لممارسة السلطة، وعليه فالحكومة تختلف عن مجلس الوزراء الذي يضم فقط الوزراء الذين اختارهم رئيس الوزراء، وهم من 15 إلى 25 وزيرا ، ورئيس الوزراء هو حجر الزاوية ، فهو من يعين الوزراء ويقيلهم ويسهر على حسن سير المجلس وفي حال سقوطه فإن الحكومة تسقط كلها ، وفق مبدأ التضامن الحكومي أو المسؤولية الحكومية التضامنية، لكن رئيس الوزراء يبقى محتاجا إلى ثقة البرلمان وهو مجلس العموم ، كما أن له الكثير من الامتيازات مثل تسليم المراتب الشرفية والألقاب والعفو وله أيضا حل البرلمان .
صلاحيات الحكومة في النظام البرلماني البريطاني :
تتولى الحكومة البريطانية صلاحيات هامة وواسعة، رغم أنها تخضع نظريا لمراقبة الملك والبرلمان، ومن أهم هذه الصلاحيات :
• تحديد السياسة العامة للبلاد في مختلف المجالات.
• مراقبة الإدارة والسهر على حسن تنفيذ القرارات التي تتخذها الحكومة
• حق اتخاذ المبادرة في قضايا التشريع المالي، وبهذا تسيطر الحكومة على مجمل الحياة المالية في البلاد.
• مشاركة البرلمان في حق المبادرة التشريع، والحكومة تقوم في الواقع بالمبادرة واقتراح الجزء الأكبر من القوانين التي يصدرها البرلمان.
• حق إصدار نصوص لها قوة القانون ، بناء على تفويض خاص تحصل عليه من مجلس العموم ،وبموجب هذا الحق تتحول الحكومة إلى ممارسة صلاحيات التشريع في البلاد.
دور الحكومة في الحياة السياسية في النظام البرلماني البريطاني :
إن الأهمية الكبيرة للدور الذي تلعبه الحكومة البريطانية في الحياة السياسية لا تعود لطبيعة المهمات التقليدية التي تتمتع بها الحكومات في الأنظمة البرلمانية وإنما لكون هذه الحكومة تستمد ثقتها الفعلية من الشعب مباشرة ، فمن الناحية النظرية يقوم الشعب البريطاني بانتخاب ممثلين له في مجلس العموم، ومن ثم يقوم هؤلاء باختيار الوزير الأول ، إلا أن الواقع يشير إلى أنه بفضل نظام الثنائية الحزبية وتنظيم وانضباط الأحزاب، والتزام الملك باحترام الإرادة الشعبية فإن الشعب يقوم أثناء الانتخابات باختيار الوزير الأول الذي يقال عنه بأنه "ملك منتخب لمدة محدودة" ، كما يقوم باختيار الحكومة التي تتشكل من اللجنة القيادية للحزب الفائز.
إن هذا الوضع يعطى الحكومة البريطانية مكانة ومركزا قويا ضمن الحياة السياسية للبلاد فهي لم تعد عمليا مسؤولة عن أعمالها و سیاستها أمام البرلمان ، وإنما هي مسؤولة مباشرة أمام الشعب الذي تستمد قوتها من ثقته بها.
ثالثا : البرلمان في النظام البرلماني البريطاني
يعود الأصل التاريخي للمؤسسة البرلمانية في بريطانيا إلى "المجلس العام للمملكة" الذي درج الملوك منذ القرن الحادي عشر لدعوته للاجتماع في بعض الأوقات العصيبة، وكان يضم عددا من كبار النبلاء ورجال الدين الذين يختارهم الملك، وكان دور المجلس في البداية استشاريا يقتصر على بيان الرأي في القضايا التي يعرضها عليه الملك، وفي عام 1265 دعى الملك بعض المقاطعات والمدن الهامة الى انتخاب ممثلين عنها من كبار أعيانها و فرسانها، لحضور اجتماعات المجلس العام إلى جانب النبلاء ورجال الدين، وخلال القرن الرابع عشر اتفق أعضاء المجلس العام على أنه يجتمع النبلاء ورجال الدين في مجلس خاص ويجتمع ممثلو المقاطعات والمدن في مجلس آخر ، وقد تكرس هذا الانفصال في عام 1351 فأخذ المجلس الأول اسم مجلس اللوردات فهو مجلس النبلاء، في حين أخذ المجلس الثاني اسم مجلس العموم وهو ممثل المدن والمقاطعات الهامة ، وهما المجلسان اللذان يتألف منهما البرلمان البريطاني حاليا.
• مجلس اللوردات :
تهيمن عليه الطبقة البورجوازية والأرستقراطية ، ويضم 800 عضو على اساس وراثي و لمدى الحياة ، وهو مجلس لن تعد له أية صلاحيات فعلية بعد 1911 ولا يسن القوانين بل له فقط حق الاعتراض ، لكن هذا المجلس يعلب دورا مهما في صياغة الرأي العام فاللورد شخصية محترمة ومتميزة تدخلاته تكون على مستوى عال وله مكانة وسمو معنوي بين الناس. ويتألف من حيث تركيب أعضائه من 4 فئات : الفئة الأولى تضم اللوردات الملكيين ، الفئة الثانية تضم اللوردات الروحيون الذين يمثلون رؤساء الكنيسة الإنجليكانية وهم يستمرون في عضويته طالما استمروا في شغل مهامهم الكنسية، وأما الفئة الثالثة فهي اللوردات القانونيين ويمثلون القضاة ورجال القانون ، ثم الفئة الرابعة وتضم اللوردات الزمنيين وتشتمل بدورها على أربعة أصناف من اللوردات :
- اللوردات بالوراثة .
- اللوردات الذين يعينهم الملك من بين الشخصيات التي قدمت لبريطانيا خدمات جليلة أو أعمالا قيمة في مختلف مجالات العلم والفكر والسياسة .
- اللوردات الذين يمثلون مقاطعات اسكوتلندا
- لوردات الاستئناف العادي ويعينهم الملك لمدى الحياة للقيام بالصلاحيات القضائية لمجلس اللوردات.
والجدير بالذكر أن هؤلاء اللوردات يشكلون بمجموعهم لجنة خاصة يرأسها وزير العدل، للقيام بمهام محكمة الاستئناف العليا في المملكة ، وتتولى هذه المحكمة بالإضافة المهام الاستئناف العادي صلاحية محاكمة أعضاء الحكومة في حال توجيه تهم إليهم في قضايا جنائية من طرف مجلس العموم وكذلك محاكمة أعضاء مجلس اللوردات في حالة الخيانة العظمى ، كما يلعب مجلس اللوردات دورا مهما في تحسين نصوص مشاريع القوانين المعروضة عليه من طرف مجلس العموم، كما يحتفظ بشل عمل المجلس سنة كاملة بإصداره الفيتو على مشروع للتصويت ويمكنه الإعتراض على مشروع قانون المالية لمدة سنة.
• مجلس العموم :
هو المؤسسة التي تمثل الشعب ، وتختار بالاقتراع المباشر ، بين الرجال والنساء على حد سواء ابتداء من 1928 حيث لم يكن التصويت من حق النساء ، وتتميز بريطانيا بوجود حزبين فقط المحافظين والعمال، وذلك ضمانا للاستقرار الحكومي ، ومدة نيابة مجلس العموم 5 سنوات ، ويختار رئيسه من بين أعضائه.
مجلس العموم هو الجهاز التشريعي الفعلي ، يضم 635 عضوا ، وهو المعبر عن صوت الأمة ، ولا يحق للملك الإعتراض على القوانين التي يقرها مجلس العموم باعتباره صوت الأمة الأعلى، وسواء كان مشروع القانون حكوميا أم برلمانيا فيجب بالضرورة مروره من مجلس العموم والمصادقة عليه قبل العمل به ، وينتخب المجلس من بين أعضائه رئيسا يدعى المتحدث (Speaker) ويتمتع هذا المتحدث ببعض والامتيازات من أهمها حق تنظيم المناقشات في المجلس وحق البت فيما إذا كان مشروع القانون المعروض على المجلس ذا طابع مالي ، وبالتالي لا يجوز عرضه على مجلس اللوردات.
لمجلس العموم ثلاث وظائف : وظيفة تشريعية ، وظیفه مالية ، وظيفة الرقابة على العمل الحكومي.
فيما يتعلق بالوظيفة التشريعية ، فلكل عضو الحق في اقتراح القوانين ولكن بشكل مقيد ولذلك نجد أن الانتاج التشريعي هو بنسبة 90% للحكومة، وينظر مجلس العموم في مشاريع القوانين المحالة عليه من الحكومة.
الوظيفة الثانية للمجلس هي وظيفة مالية حيث له الحق في مناقشة الميزانية، فتقدم الحكومة كل سنة للمجلس مشروع الميزانية بشقيها (النفقات، الإيرادات)، كما تخضع بعض النفقات العمومية للرقابة من مجلس العموم كالدين العمومي وأجور كبار أعيان الدولة على اعتبار أن مجلس العموم يمثل المواطنين الذين يؤدون الضرائب ويساهمون في مالية الدولة الوظيفة الثالثة هي رقابية ، حيث يراقب البرلمان عمل الحكومة عن طريق الأسئلة البرلمانية الموجهة للوزراء المطالبين بالإجابة عنها ، وتمثل هذه الأسئلة شكاوى المواطنين كما تعرف حضورا إعلاميا.
كما للبرلمان تقديم ملتمس الرقابة على الحكومة لأن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، وإذا ما قدم ملتمس رقابة وتم التصويت عليه بالأغلبية وجب على الحكومة أن تستقيل، لكن بما أن الحكومة تكون منبثقة عن الأغلبية البرلمانية فإن احتمالية التصويت بالأغلبية على ملتمس الرقابة تبقى ضعيفة .
الفقرة الثالثة : العلاقة بين السلطات التشريعية والتنفيذية في النظام البرلماني
تقوم العلاقة بين السلطات في النظام البرلماني على أساس التعاون والتوازن .
اولا : التعاون :
رغم أن الجهاز التنفيذي والجهاز التشريعي يمارسان مهامهما الرئيسية، فإن كلا منهما يساهم في بعض وظائف الجهاز الآخر، فالسلطة التنفيذية تساهم في وضع القوانين، وفي بعض الأحيان تعطی الأسبقية لمشاريعها، ولرئيس الدولة حق طلب قراءة جديدة، كما أنه يمارس سلطة إصدار الأمر بتنفيذ القانون، أما السلطة التشريعية فتساهم في أعمال السلطة التنفيذية عن طريق إقرار القانون المالي والتشريعات اللازمة، والمصادقة على المعاهدات، إضافة إلى مراقبة العمل الحكومي بوسائل مختلفة كالأسئلة الكتابية، والشفوية، والاستجوابات، والتحقيقات
ثانيا : التوازن :
يتحقق في النظام البرلماني من وسائل الضغط المتبادلة : المسؤولية السياسية وحق الحل .
- 1المسؤولية السياسية :
ويقصد بهذا المبدأ بصفة عامة أن الحكومة لا يمكن أن تمارس السلطة إلا بعد الحصول على ثقة البرلمان فممارسة الحكم رهينة باكتساب ثقة الأغلبية البرلمانية، وكل سحب لهذه الثقة يترتب عنه سقوط الحكومة ، ولذلك لم يعد من الضروري أن يتمتع الوزراء بثقة رئيس الدولة والبرلمان في آن واحد ، وتعتبر المسؤولية السياسية الوسيلة الأساسية لممارسة البرلمان مراقبة حقيقية للعمل الحكومي، وهي تتعلق بعمل الوزراء لا بعمل رئيس الدولة ، ويمكن أن تكون إما فردية أو جماعية، ولو أنه عادة ما يطبع هذه المسؤولية طابع التضامن الوزاري.
وتمارس المسؤولية السياسية بمسطرتين مختلفتين حسب الطرف الذي يتخذ المبادرة :
• طرح مسألة الثقة إذا تم ذلك بمبادرة حكومية
• ملتمس الرقابة إذا تم ذلك بمبادرة برلمانية.
ونظرا لما يمكن أن تشكله هذه الإجراءات من خطر على الاستقرار الحكومي، فإن النظام البرلماني يفترض وجود أغلبية متماسكة، إلا أنها قد لا تكون متوفرة في حالة التعددية الحزبية، وقد عملت الدساتير على تنظيم هذه الإجراءات ببعض الصرامة.
فالحكومة ليست ملزمة بتقديم استقالتها إلا بعد طرح مسألة الثقة أو بعد تصويت إيجابي على ملتمس الرقابة تفاديا لإثارة المسؤولية الوزارية بشكل مفاجئ، كما أن الدستور ينص على ضرورة احترام أجل معين بين طرح الملتمس والتصويت عليه، وعادة لا يقبل ملتمس رقابة ثاني إلا بعد مدة معينة، إضافة إلى ضرورة التصويت بنسبة هامة من أعضاء المجلس كالأغلبية المطلقة من الأعضاء أو ثلثي الأعضاء.
السلطة التنفيذية والرقابة على التشريع :
من حق مجلس الوزراء الدعوة إلى انتخابات تشريعية سواء في حالة حل مجلس العموم أو عند انتهاء ولايته ، وتشترك السلطة التنفيذية مع البرلمان في سن القوانين عن طريق اقتراح ما تراه ضروريا ، ودعوته للانعقاد من أجل ذلك ، والنظام البرلماني البريطاني يسمح بالجمع بين عضوية الحكومة ومجلس العموم ، إذ يمكن للوزراء حضور جلسات البرلمان بصفتهم الرسمية والاشتراك في المناقشات العامة دفاعا عن سياسة الحكومة والاشتراك في سن القوانين ، ويعتبر حل مجلس العموم نوعا من الرقابة الذي تمارسه السلطة التنفيذية والذي تؤثر به على عمل وتصرفات البرلمان، فيقوم رئيس الوزراء بالدعوة لانتخابات جديدة ، وإذا صوت الشعب للمعارضة يقدم رئيس الوزراء استقالته وتسقط بذلك الحكومة اعتبارا أن الشعب هو صاحب السلطة يسلمها لمن يشاء فالحكومة تستمد شرعيتها من الإرادة الشعبية .
السلطة التشريعية والرقابة على الجهاز التنفيذي :
وتتجلى في مسألتين :
1. حق توجيه الأسئلة والاستجواب : فيحق للبرلمان توجيه الأسئلة للوزراء تتعلق بالسياسة العامة وهذا النظام يجبر الحكومة بأن تبقى على اتصال دائم بالرأي العام بحثا عن ثقته.
2. سحب الثقة : وهو أمر قليل الحدوث إذ أن الحكومة منبثقة عن الأغلبية البرلمانية، وقد يدفع الحزب رئيس الوزراء للاستقالة قبل تأزيم وضعية الحزب او سحب الثقة منه كما حصل مع جون میجر . يمكن القول بأن النظام البرلماني أكد جدارته وساهم في تطوير المؤسسات لصالح الأمة ، عن طريق تقليص دور الملك ونقل صلاحياته إلى الحكومة وكذلك عن طريق دعم مجلس العموم المنتخب شعبيا وتقليص صلاحيات مجلس اللوردات ، مما أصبح معه الشعب هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة وهو صاحب السلطة يسلمها لمن يشاء .
المحور الخامس : النظام شبه الرئاسي
يتموقع النظام شبه الرئاسي بين النظامين الرئاسي والبرلماني ، فهو يجمع بين مميزاتهما وخصائصهما ، ونموذجه النظام السياسي الفرنسي ، فالسلطة السياسية يتقاسمها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ، فيتمتع رئيس الجمهورية بالوظائف السياسية الجوهرية باعتباره المفوض المباشر ورمز السيادة الوطنية ، في حين يتمتع رئيس الوزراء بمهمة الوظيفة السياسية والادارية للحكومة والعلاقة مع البرلمان والمصالح الخارجية والنقابات والرأي العام.
إذن في النظام شبه الرئاسي أو ما يعرف بالنظام الرئاسي البرلماني يكون فيه رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء شريكان في تسيير شؤون الدولة ، و توزيع هذه السلطات بين رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء يختلف عنه من بلد إلى آخر ، و يختلف هذا النظام عن النظام البرلماني في كون رئيس الجمهورية يتم اختياره من قبل الشعب ، ويختلف عن النظام الرئاسي في كون رئيس الوزراء مسؤول أمام البرلمان و محاسبته و عزله إذا أراد ، و الأنظمة شبه الرئاسية تقوم على دستور يشمل قواعد يتميز بها عن كل من النظامين البرلماني و الرئاسي ، فهي تقرر في دساتيرها انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الإنتخاب ، و هو يتمتع بسلطات خاصة و كذا وجود وزیر أول يقود الحكومة.
يختلف النظام شبه الرئاسي عن النظام الرئاسي النظام الرئاسي في كون هذا الأخير نظام سياسي يقوم على الفصل بين السلطات الثلاث ويمنح صلاحيات واسعة للرئيس، في حين يتميز النظام شبه الرئاسي بانتخاب الرئيس لكن الحكومة تنبثق من البرلمان وتكون مسؤولة أمامه وأمام الرئيس ، ويعتبر النظام الرئاسي هو أحد الأنظمة السياسية الديمقراطية التمثيلية، ويقوم على فصل صارم بين السلطات التنفيذية (الرئيس) والتشريعية (البرلمان والقضائية ، كما يركز النظام الرئاسي السلطة التنفيذية في يدي الرئيس الذي ينتخب عن طريق الاقتراع العام المباشر، ويشكل حكومة لتنفيذ برنامجه السياسي تكون مسؤولة أمامه وليس أمام البرلمان كما هو الحال في النظام البرلماني، وبحكم الفصل الصارم بين السلطات فإن البرلمان ليست له صلاحية إسقاط الحكومة كما أنها في المقابل لا تملك صلاحية حله ، أما في النظام شبه الرئاسي فيختلف الوضع إذ ينتخب الرئيس بالاقتراع العام المباشر ويتمتع بقدر هام من الصلاحيات، وفي نفس الوقت تكون الحكومة منبثقة عن البرلمان ومسؤولة أمامه ، يرأسها رئيس الوزراء الذي يتمتع بصلاحيات واسعة وتكون مسؤولة أيضا أمام رئيس الدولة، وهو ما سنتعرض له في المحاور المقبلة.
يمكن حصر نتائج هذه الثنائية في ما يلي :
1. إمكانية حصول خلاف بين الرئيس و رئيس الحكومة، ورغم أن الأول هو من يعين الثاني إلا أنه لا يملك حق نزع الثقة منه، إلا إذا تقدم باستقالته.
2. إمكانية تنازع الاختصاص في ممارسة المهام ، كمثال تنفيذ القوانين ، وإذا كان رئيس الجمهورية ضامنسير المؤسسات والسلطات العامة ، فرئيس الوزراء يضمن تنفيذ القوانين و إدارة أعمال الحكومة.
مما تصبح معه إشكالية تدخل أحدهما في تخصصات الاخر واردة كما حدث بين ميتيران و شيراك سنة 1992.
3. انعدام المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية ووقوعها على عاتق رئيس الحكومة رغم أن الرئيس هو الموجه للسياسة العامة ، بل تقع عليه المسؤولية الجنائية فقط وليس المسؤولية السياسية ويحاكم أمام المحكمة العليا في حالة الخيانة.
وفي جميع الحالات الرئيس الجمهورية مكانة مهمة في ظل المؤسسات السياسية للجمهورية الخامسة ، وهي وضعية تفوق ما يحظى به رئيس الحكومة، ومصدر تلك الأهمية طريقة انتخاب الرئيس بالاقتراع المباشر منذ التعديل الدستوري 1962 أضف إلى ذلك أنه من يعين رئيس الحكومة وله الحق في حل الجمعية الوطنية ويتوجه بالاستفتاء إلى الأمة في حالة الضرورة ، وعليه يتضح جليا أن النظام الفرنسي تحكمه ضوابط ومقاييس توفيقية بين النظامين الرئاسي والبرلماني فهو يعتد بدعائمهما الأساسية وهي الاختصاصات المهمة لرئيس الجمهورية والأخذ بمبدأ المسؤولية السياسية التضامنية أو الفردية أمام البرلمان وسمي اصطلاحا بالنظام الشبه الرئاسي وهو النموذج المستلهم في التجربة المغربية منذ دستور . 1962
و الأنظمة شبه الرئاسية تقوم على دستور يشمل قواعد يتميز بها عن النظام البرلماني و قواعده سائدة في المجتمع ، فهي تقرر في دساتيرها انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الانتخاب و هو يتمتع بسلطات خاصة، و كذا وجود وزير أول يقود الحكومة التي كما ذكرنا يستطيع البرلمان إسقاطها.
فهو نظام مختلط يجمع بين النظامين البرلماني و الرئاسي و من أمثلة الأنظمة شبه الرئاسية النظام الفرنسي و النظام البرتغالي و النظام الفنلندي و النظام النمساوي.
الفقرة الأولى : نشأة النظام شبه الرئاسي الفرنسي
وضع نظرية فصل السلطات الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو (1689-1755)، مستلهما إياها من أفكار الفيلسوف الإنجليزي جون لوك (1632-1704) ، وقد رأى مونتسكيو أن تداخل السلطات يؤثر سلبا على النظام الديمقراطي قائلا بأن تناغم البرلمان والحكومة الأغلبية والحكومة المنبثقة عنها) قد يكون عامل تواطئ في التسيير، كما أن الحكومة قد حكم قبضتها على البرلمان نتيجة الولاء السياسي لأعضائه، مما يفرغ مهمته الرقابية من مضمونها ويقضي عليه كسلطة موازية مفوضة شعبيا وضامنة للتوازن. وقد سادت نماذج هذا النظام في الغرب بريادة تاريخية للولايات المتحدة التي أخذت بالنظام الرئاسي عام 1787، وكان خيارا فرضته طبيعة الدولة الناشئة التي هي في الواقع اتحاد فيدرالي بين عدد كبير من الدول (الولايات)، وتحتفظ فيه كل منها بصلاحيات واسعة في تسيير شؤونها المحلية، في حين تتحكم الحكومة الفيدرالية في مجالات الدفاع والسياسة الخارجية.
تميز النموذج الأميركي الرئاسي بتركيز صلاحيات كبيرة في يد الرئيس المستند إلى شرعية سياسية قوية سببها انتخابه بالاقتراع العام المباشر، وفي الآن ذاته تتمتع المجالس التشريعية بكامل الصلاحيات التشريعية ، وإلى جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية، توجد السلطة القضائية ممثلة في المحكمة الفيدرالية ذات النفوذ الكبير والصلاحيات الواسعة في إقامة العدل ومساءلة السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ورغم النجاح الباهر للنظام الرئاسي في الولايات المتحدة إلى حد بات معه مرجعا على المستوى العالمي، فإن الديمقراطيات الأوروبية والأميركية اللاتينية كانت لها تجارب مريرة مع النظام الرئاسي، مما حدا بها إلى تركه واعتماد النظام المختلط أو ما سمي بالنظام شبه الرئاسي. ففي أوروبا مثلا أنتج الصراع المتواصل بين الجهازين التنفيذي والتشريعي أزمات متواترة كرست عدم استقرار سياسي مزمنة، وفي أميركا اللاتينية انتهت الصراعات بين السلطة التنفيذية والتشريعية إلى انقلابات عسكرية، وفي أحسن الحالات إلى إصدار الرئيس مراسيم تنفيذية متجاوزا البرلمان، وقد أوجد هذا الواقع بيئة سياسية غير صحية وتسبب في انتكاسة كبرى للديمقراطية ، هكذا تحولت أغلب بلدان أوروبا وأميركا اللاتينية إلى النظام شبه الرئاسي مدفوعة بالأزمات السياسية المترتبة على النظام الرئاسي والتي غالبا ما تكون لها نتائج سلبية جدا على الاستقرار والنمو الاقتصادي.
ففي فرنسا مثلا، أقر دستور 1848 النظام الرئاسي لكن الصراع السياسي بين السلطة التنفيذية والتشريعية أنهى تلك التجربة بانقلاب عسكري قاده لويس نابليون بونابارت في الثاني من ديسمبر 1851 ، أما في ظل دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة فقد تم اعتماد النظام المختلط (شبه الرئاسي)، وتكرس ذلك بانتخاب رئيس الجمهورية عبر الاقتراع العام المباشر وليس بالتصويت في البرلمان ، عندما قام الرئيس الفرنسي شارل ديغول سنة 1958 بتأسيس ما يعرف في التاريخ السياسي ب " الجمهورية الخامسة " ، حيث وضع دستورا جديدا و عرضه على الاستفتاء الشعبي في سبتمبر عام 1958 ، و تمت الموافقة عليه ، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه قد كان للثورة الجزائرية دور بالغ الأهمية في سقوط الجمهورية الرابع وقيام الجمهورية الخامسة ، فالدولة فشلت و المتسبب في ذلك حسب ديغول هو نظام الأحزاب مما استدعى ضرورة إصلاح مؤسسات الدولة ، فبعد استقالة حكومة paflimlin يوم 28 ماي 1958 ، طلب رئيس الجمهورية الفرنسية remy coty من شارل ديغول تشكيل حكومة و هدد بأنه في حالة رفض منح الثقة له من طرف النواب فإنه سيستقيل و يمنح السلطة لرئيس الجمعية الوطنية ، وفي اليوم الأول من شهر يونيو 1958 حصل ديغول على ثقة أغلبية النواب 224 - 329 ، و طلب من البرلمان الموافقة على قانون يمنح للحكومة جميع السلطات و تعديل المادة 09 من الدستور المتعلق بتعديل الدستور فوافق البرلمان على القانون الأول الذي مكنها من اللجوء إلى الأوامر لمدة ستة أشهر كما وافق على المشروع الثاني.
وعلى إثر ذلك قدم مشروع الدستور الجديد للجنة الإستشارية لدراسته و صدر مرسوم تشكيلها يوم 16 يوليوز 1958 ، ثم أنشأت المؤسسات الدستورية بموجب الدستور الجديد حيث انتخب نواب الجمعية الوطنية واجتمعت لأول مرة في 09 ديسمبر 1958 ، وفي 12 ديسمبر 1958 انتخب شارل ديغول لولاية رئاسية أولى من قبل هيئة ناخبة خاصة مؤلفة من أعضاء البرلمان و المستشارين و ممثلين عن الأعضاء المنتخبين في المجالس البلدية أي نحو 80 ألف ناخبا كبير ، و تم اعتماد النظام شبه الرئاسي. تمیز دستور 1958 بكونه أخذ لأول مرة بنظام برلماني عقلاني يسيطر فيه الجهاز التنفيذي ، كما خولت للرئيس سلطات واسعة اتجهت إلى تقويته فاقترب النظام الفرنسي الحالي و الذي هو برلماني أصلا من النظام الرئاسي و لذلك سمي بالنظام شبه الرئاسي.
بعد ذلك اعتمدت كل من فنلندا وإيرلندا والنمسا والبرتغال النظام المختلط، كما طبقته أغلب دول أوروبا الشرقية لدى عودتها إلى المعسكر الغربي وسقوط المعسكر الشرقي عام 1990، وفي نفس المسار سارت أغلب الدول الافريقية واختارت النظام المختلط وإن كان فصل السلطات فيها صعب التمييز نظرا لسيادة الحكم الفردي، وهيمنة حزب الرئيس في أغلب الأحيان على المشهد السياسي.
الفقرة الثانية : المؤسسات السياسية في النظام شبه الرئاسي الفرنسي
للنظام شبه الرئاسي خصائص تميزه عن الأنظمة السياسية الأخرى ، فهو مزيج بين التصور البرلماني و الرئاسي، ونلاحظ ثنائية في الجهاز التنفيذي حيث نجد رئيس الجمهورية ثم الحكومة ورئيسها ، فالرئيس منتخب عن طريق الإقتراع العام و يعين على أساس الأغلبية الرئاسية ، في حين أن الحكومة منبثقة من البرلمان وقائمة على أساس الأغلبية الحزبية ، أما الجهاز التشريعي (البرلمان فيتكون بدوره في ظل الجمهورية الخامسة من مجلسين، الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ .
أولا : رئيس الجمهورية في النظام شبه الرئاسي الفرنسي
بعد أن كان رئيس الجمهورية في الحكومة الرابعة يختار من طرف البرلمان بمجلسيه أصبح بموجب الدستور الجديد و تعديلاته حتى سنة 1962 ينتخب مباشرة من طرف الشعب حتى تكون له مصداقية أكبر و كان الغرض من ذلك هو تقوية مركز الرئيس و هذا ما جعله يحتل مكانة ممتازة في المؤسسات الدستورية يستمد رئيس الجمهورية اختصاصاته من طريقة تعيينه فهو الساهر على احترام الدستور والسير العادي للمؤسسات والسلطات العامة واستمرار بقاء الدولة وقوتها وهو الضامن للاستقلال الوطني وحرمة الدولة الداخلية والخارجية ويقوم بتعيين رئيس الحكومة وحل الجمعية الوطنية وممارسة الدكتاتورية في حالة الطوارئ.
- انتخاب رئيس الجمهورية في النظام الشبه الرئاسي الفرنسي :
قبل دستور 1962 كان ينتخب عن طريق هيئة انتخابية تضم أعضاء البرلمان وأعضاء المجالس العمومية وجمعيات بلدان ما وراء البحار وممثلين عن المجالس النيابية بنسب مختلفة على حسب أهمية المناطق ، أما بعد 1962 أصبح رئيس الجمهورية بموجب الدستور ينتخب مباشرة من طرف الشعب بالاقتراع العام المباشر بالتصويت الفردي و بغالبية الأصوات من جولتين لولاية من خمس سنوات قابلة للتجديد حتى تكون الله مصداقية أكبر ، و كان الغرض من ذلك هو تقوية مركز الرئيس كونه منتخب مباشرة من طرق الشعب و هذا ما يجعله يحتل مكانة ممتازة في المؤسسات الدستورية.
-صلاحيات رئيس الجمهورية في النظام الشبه الرئاسي الفرنسي :
تم تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية في النص التأسيسي للجمهورية الخامسة أي دستور عام 1958 فسلطات الرئيس الحاصل على شرعية الانتخاب الشعبي المباشر مهمة جدا وحقل عمله شاسع، باعتباره المسؤول الأول عن الجمهورية، فنص المشرع على أن الرئيس هو " العمود الفقري" في الدستور.
وخصص له منذ 1959 مجال واسع يشمل الديبلوماسي أي السياسة الخارجية والدفاع حيث يحتكر فيه الصلاحيات، فخول له الدستور تعيين السفراء و أن يفاوض في المعاهدات و يبرمها ، و هو أيضا قائد الجيش وهو المخول في هذا الإطار بحق الضغط على الزر النووي المشفر، ويسهر رئيس الجمهورية على احترام الدستور ويضمن سير عمل السلطات العامة استمرارية الدولة، وهو الضامن للاستقلال الوطني ووحدة وسلامة الأراضي ، كما يتخذ الرئيس الإجراءات الواجبة في حال واجهت البلاد مخاطر كبرى وآنية (المادة 16 من الدستور الفرنسي و الرئيس هو المسؤول عن تعيين الطاقم الحكومي فهو يعين رئيس الوزراء وينهي مهامه حين يقدم استقالة حكومته، ويعين أعضاء الحكومة الآخرين بناء على اقتراح رئيس الوزراء ويضع حدا لمهامهم ويرأس مجلس الوزراء ويوقع المذكرات والمراسيم.
ويخول القانون الرئيس الجمهورية طرح بعض مشاريع القوانين في استفتاء ، و له سلطة نشر القوانين وهو المخول لحل الجمعية الوطنية ودعوة البرلمان لعقد دورة استثنائية، كما تعود له المبادرة في مراجعة الدستور وهي صلاحية يتقاسمها مع البرلمان ، و يضمن الرئيس استقلال السلطة القضائية و يرأس مجلس القضاء الأعلى كما يتمتع بحق إصدار العفو، و يتمتع بحصانة مؤقتة خلال ولايته و هو غير مسؤول عن تصرفات وقعت ضمن ممارسة مهامه.
-اختصاصات رئيس الجمهورية في النظام الشبه الرئاسي :
1. تعيين الوزير الأول وإقالته في حالة تقدم باستقالته ، أما أعضاء الحكومة فلا يملك اتجاههم أية سلطة ،فليس له حق تعيينهم أو إعفائهم ، ويجبر رئيس الحكومة على الاستقالة عن طريق رفض التوقيع على المراسيم المعروضة عليه ، أو عن طريق حث الجمعية الوطنية بصورة غير مباشرة على إسقاط الحكومة مقابل عدم حلها .
2. يحق لرئيس الجمهورية عرض أي مشروع قانون على استفتاء شعبي سواء تعلق بتنظيم السلطات العامة أو معاهدة دولية، مثال ذلك الانضمام للسوق الأوربية المشتركة .
3. حل الجمعية الوطنية بعد التشاور مع الوزير الأول ورؤساء المجالس وإجراء انتخابات جديدة في مدة لا تقل عن عشرين يوما ، وسلطة الحل هي سلطة تقديرية لرئيس الجمهورية لا يتقاسمها معه أية جهة.
4. لرئيس الجمهورية وقف العمل بجميع المؤسسات العامة واتخاذ ما يراه صائبا في حالة الطوارئ أو تهديد سلامة الوطن ويكون ذلك بإعلان حالة الاستثناء حيث يمارس دكتاتورية مؤقتة إلى حين عودة السير الطبيعي للمؤسسات ، ولضمان عدم استبداد رئيس الجمهورية ينص الدستور على عدم جواز حل الجمعية الوطنية أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية فضلا عن استمرار ممارسة البرلمان مهامه بقوة القانون.
5. للرئيس مخاطبة البرلمان بواسطة رسائل تتلى عليه ولا يمكن أن تكون موضوع مناقشة كما يقوم بتعيين رئيس المجلس الدستوري وله صوت مرجح عند تساوي الأصوات.
-اختصاصات الرئيس التي يباشرها مع الحكومة في النظام الشبه الرئاسي :
يتعلق الأمر بمجموعة من الاختصاصات التي لا ينفرد الرئيس بممارستها لوحده ، والتي يشترك فيها مع وزير آخر ، ومفاد هذه المشاركة إبراز الطابع البرلماني للنظام السياسي الفرنسي حيث يقوم على مبدأ المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان فيكون هذا الأخير مسائلا لها ومستجوبا الشيء الذي قد تترتب عليه مسؤوليتها المدنية .
1. من حق الرئيس في أجل 15 يوم من إرساء قانون أن يطلب من البرلمان إعادة النظر فيه.
2. من حق الرئيس دعوة البرلمان للانعقاد خارج دورتيه العاديتين للنظر في جدول أعمال محدد ، ولا يحق له اقتراح تعديل الدستور إلا باجتماع مجلسي البرلمان في مؤتمر وموافقتهما على مشروع التعديل.
3. إقالة أعضاء الحكومة لا يتم إلا بتوقيع مشترك بين الرئيس ورئيس الوزراء
4. في الوظائف العسكرية نفرق بين ثلاثة أنواع من الموظفين ، فئة يعينها الرئيس بعد الاجتماع بمجلس الوزراء ومصادقته على التعيينات ، فئة ثانية تعين بمقتضی مرسوم جمهوري دون تدخل مجلس الوزراء،فئة يمكن تفويض تعيينها لرئيس الوزراء.
5. توقيع المراسيم واللوائح التي يتداولها مجلس الوزراء، ومن حقه رفض التوقيع على أي نص تنظيمي.
6. تعيين السفراء وممثلي السياسة الخارجية وإبرام المواثيق الدولية إلا تلك التي تحمل خزينة الدولة مبالغ هامة أو تقتضى التنازل عن جزء من التراب الوطني فلا تتم إلا بموجب قانون ، فالسياسة الخارجية والدفاع الوطني محفوظة لرئيس الجمهورية.
ثانيا : الحكومة في النظام الشبه الرئاسي الفرنسي
تحدد الحكومة وتدبر السياسة العامة للدولة وتكون مسؤولة أمام البرلمان وأمام رئيس الجمهورية ، وتسند مهم إدارة شؤونها للوزير الأول ، وهو المسؤول عن الدفاع الوطني والضامن لتنفيذ القوانين ويصدر اللوائح التنظيمية ، ويعين الموظفين في الوظائف المدنية والعسكرية ويفوض بعض اختصاصاته للوزراء.
تتكون الحكومة من الوزير الأول والوزراء الذين يعملون على توجيه السياسة الوطنية وتحقيق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية ومصلحة الأمة , ولا يجوز حسب النظام الفرنسي الجمع بين عضوية الحكومة والبرلمان ، أو أي تمثيل مهني ، أو أي وظيفة عمومية أخرى ، ويعمل هذا الفصل من أجل وضع حد التنافس أعضاء البرلمان من أجل الوصول للمناصب الوزارية ، مما يتحقق معه نوع من الاستقرار الوزاري، والحكومة في النظام الفرنسي وحدة متجانسة ومتضامنة ، ويسمى مجلسا وزاريا حين يترأسه رئيس الجمهورية ويسمى مجلس حكومة حين يترأسه رئيس الوزراء
- اختصاصات الحكومة في النظام الشبه الرئاسي )الحكومة الفرنسية ( :
تقوم بوضع تصورات شاملة للتوجهات العامة في كافة المجالات في البلاد ,وتدير الدفاع الوطني وتدير مختلف المرافق العمومية ، وتساهم في صياغة القوانين عن طريق اقتراح مشاريع القوانين وتساهم في وضع جدول أعمال المجلسين مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية ، وتقترح على الرئيس إجراء استفتاء شعبي على أمر اقتصادي أو اجتماعي كما يمكنها إعلان الحرب بعد مصادقة البرلمان ، كما يمكنها إعلان حالة الطوارئ وتطبيق الأحكام العرفية أنداك في حالة أزمة دولية أو اضطراب داخلي حيث تنتقل السلطة مباشرة إلى السلطة العسكرية ، ولا يمكن تمديد هذه الفترة لأكثر من 12 يوما إلا بموافقة البرلمان.
وهناك ثلاث اجتماعات حكومية مجلس وزاري برئاسة رئيس الجمهورية ، مجلس حكومي برئاسة الوزير الأول و مجلس الوزراء حين يجتمعون لحل مشكلة من مشكلاتهم.
والحكومة لها صلاحيات تنظيمية وليس تشريعية ، وكل ما لا يدخل ضمن اختصاصات السلطة التشريعية فهو من اختصاص السلطة التنفيذية ، وتمارس الحكومة الصلاحيات التنظيمية عن طريق مراسيم تصدر عن مجلس الوزراء وتحمل توقيعاتهم بما فيهم رئيس الوزراء ، كما للحكومة صلاحيات استثنائية في حالة الطوارئ، وثنائية السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء تجعل النظام الفرنسي نظاما مزدوجا برلمانيا ورئاسيا.
ورغم مظاهر النظام البرلماني العديدة في الدستور الفرنسي إلا أنه رفض مبدأ ازدواجية الوظيفة الأعضاء الحكومة بأن يكونوا كذلك أعضاء في البرلمان، أو أي تمثيل وطني أو مهني أو تولي وظائف عمومية أو ممارسة نشاط مهني، وهذا يعني أنه يجب على أعضاء الحكومة أن يكتفوا بممارسة الوظيفة الحكومية دون غيرها مما سبق ذكره والسبب في ذلك يعود إلى المهام العديدة المنوطة بهم والتي تتطلب تخصيص كل وقتهم وجهدهم لها من جهة ومحاولة تطبيق الفصل بين السلطات التي نادي بها الرئيس السابق ديغول من جهة ثانية، و مع ذلك يحق لعضو الحكومة أن يكون منتخبا على المستوى المحلي.
فالحكومة بذلك تشكل جهازا موحدا ومتضامنا حتى لا نقول كيانا سياسيا وقانونيا متضامنا وهي تضم إلى جانب الوزير الأول غالبا وزراء دولة و وزراء مفوضين لدى جهات أو مكلفين بمهام معينة.
- اختصاصات رئيس الوزراء في النظام الشبه الرئاسي :
الوزير الأول في النظام الفرنسي وفقا للمادة 21 من الدستور الفرنسي يتولى قيادة العمل الحكومي وهو مسؤول عن الدفاع ويتولى ضمان تنفيذ القوانين مع مراعاة أحكام المادة 18، كما يمارس السلطة التنظيمية ويقوم بالتعيين في الوظائف المدنية والعسكرية ، ويساعد رئيس الجمهورية في رئاسة المجلس واللجان المحددة في المادة 15 وفي رئاسة اجتماعات مجلس الوزراء بتفويض صريح ولجدول أعمال محدد.
ووفقا للمادة 21 فإن الوزير الأول بالتالي يقوم بما يلي على وجه الخصوص :
توجيه التعليمات للوزراء وتنسيق أعمالهم سواء تعلق الأمر بإعداد مشاريع أو برامج أو تنفيذها أو تنسيق النشاطات المختلفة لإنجاز العمل الحكومي بما يتماشى مع توجيهات رئيس الجمهورية. رئاسة الدفاع على أن تكون نشاطاته متكاملة مع رئيس الجمهورية الذي يترأس القوات المسلحة تنفيذ القوانين، فإذا كان رئيس الجمهورية هو الذي يتولى إمضاء القوانين و المراسيم و الأوامر في اجتماع مجلس الوزراء، فإن هناك نوعا آخر من القوانين ظهرت في ظل الدستور وهي مراسيم تنظيمية يتخذها رئيس الجمهورية خارج اجتماع مجلس الوزراء ، وخارج هذا الاختصاص فرئيس الحكومة هو من يمارس السلطة التنظيمية ، وهو ما ينطبق على التعيينات في الوظائف العسكرية و المدنية فكل ما تم داخل مجلس الوزراء يكون الرئيس الجمهورية وما سواه يتولاه الوزير الأول.
كما يساعد الوزير الأول رئيس الجمهورية في رئاسة اللجان الدفاعية التي يترأسها، وقد يرأس مجلس الوزراء اذا تعذر ذلك على رئيس الجمهورية بشرط أن يكون مفوضا بذلك و وجود جدول أعمال من جهة أخرى، وفي سبيل السير الحسن فإن الدستور وضع تحت تصرف الوزير الأول وسائل لذلك وهي :
اللجان الحكومية : و تضم عددا محدودا من الوزراء لدراسة وضع السياسة الحكومية قيد التنفيذ، وهي على نوعين دائمة و مؤقتة منظمة بموجب مراسيم.
ديوان رئيس الحكومة : و يضم اقرب مساعديه المباشرين والأمانة العامة للحكومة التي تتولى المهام الإدارية دون السياسية.
اللجان المتخصصة : و هي أجهزة و وسائل في يد الوزير تساعده على أداء مهامه. هكذا يمارس الوزير الأول السلطة التنظيمية عن طريق إصدار المراسيم و يقوم بالمهام الموكلة إليه حكوميا كما يقترح على رئيس الجمهورية إقالة أو تعيين أحد أعضاء الحكومة، ويقوم بتعيين الموظفين في الوظائف المدنية والعسكرية إلا التي تعتبر حكرا على رئيس الجمهورية، كما يقوم بتقديم توصيات لرئيس الجمهورية في وقت اتخاذ القرار ، ويقوم بتقديم مشاريع القوانين إلى البرلمان باسم الحكومة وله الحق وحده في طرح الثقة أمام الجمعية الوطنية ويتولى عرض دستورية القوانين أمام المحكمة الدستورية.
ثالثا : البرلمان في النظام الشبه الرئاسي الفرنسي
نشير أولا إلى أن القيمة القانونية لكل من السلطة التنفيذية والتشريعية ليس بنفس الدرجة في النظام الفرنسي بمعنى أن القواعد القانونية المخالفة والأقل درجة تظل في مرتبة أدني والقانون لا يمكن تعديله أو إلغاؤه إلا بنص تشريعي مساو له في القوة ، والقاعدة العامة أن القانون هو أسمى تعبير عن الإرادة العامة " والدستور الفرنسي ينص على أن ليس هناك سلطة أعلى من سلطة القانون " لكن مع دستور 1958 جاءت مفاهيم مغايرة للمفاهيم السابقة حيث أصبح الحديث ممكنا عن تراجع سمو القانون ، ومعناه العملي أن الحكومة أصبحت ذات ولاية على الكثير من المجالات كانت من اختصاصات البرلمان ، هذا التطور أدى إلى تقلص دور البرلمان وهيمنته الدستورية وأصبح الرئيس مشاركا في مجالات أساسية لم تكن معروفة قبل التعديل الدستوري ل 1962 ، هذه التغيرات أملتها ظروف الحياة السياسية الفرنسية لما بعد سنة 1958 فالبرلمان في ظل الجمهورية الخامسة يتكون من مجلسين الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ وينتخب الأول بالاقتراع المباشر والثاني بالاقتراع العام غير المباشر.
- اختصاصات البرلمان في النظام الشبه الرئاسي ( البرلمان الفرنسي ) :
للبرلمان الفرنسي اختصاصات واسعة و فعلية خاصة منها في المجال التشريعي و المالي .
- الإختصاص التشريعي : جاء نص المادة 34 من الدستور الفرنسي محددا على سبيل الحصر الاختصاصات التشريعية، و هذا ما أكدته المادة 37 بقولها أن ما يخرج من نطاق المادة 34 يدخل في مجال التنظيم الذي يمارسه رئيس الجمهورية أو الوزير الأول ، وعليه فهو يختص بالتشريع المتعلق بالقواعد الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية وضماناتها و كذا وضع القواعد المتعلقة بالانتخابات و المؤسسات العمومية.
- الإختصاص الرقابي : مما لا شك فيه أن البرلمانات تتمتع باختصاصات واسعة في مجال الرقابة، ونظرا لطبيعتها السياسية و اتساع نطاقها و أساليب ممارستها، فإنه يمكن القول بأنها تحتل المكانة الأولى أمام التشريع إذا ما توفرت ممارستها و ضمانات ذلك، و من المعلوم أنه للقيام بالمراقبة ينبغي توافر المعلومات و ضمانات ممارسة تلك الرقابة ونجاعتها وهي كثيرة منها وسائل الإعلام و هي العرائض المقدمة من قبل المواطنين و الأسئلة المقدمة من طرف النواب و الأسئلة الشفهية مع المناقشة المطروحة على الوزراء.
ويمكن القول بأن اختصاصات البرلمان الفرنسي محددة واختصاصات الحكومة عامة هي كل ما عدا تخصصات البرلمان ، ويقوم المجلس الدستوري بمهمة الرقابة على توزيع التخصصات بين السلطتين ، والإقرار بعدم دستورية قانون معين ، والحيلولة دون نشره وتطبيقه . اتبع النظام الفرنسي في مجال البرلمان نظام ازدواجية المجلسين و هما الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ و هما يختلفان عن بعضهما في مجال التشكيل و الاختصاص.
1- الجمعية الوطنية :
وهي الغرفة الأولى ، يتم انتخاب أعضائها على دورتين ، ويمثلون فرنسا و مقاطعات المستعمرات ما وراء البحار والجالية الفرنسية بالخارج ، تتكون من 577 نائبا يتم انتخابهم بواسطة الاقتراع العام المباشر المدة خمسة أعوام قابلة للتجديد إلا في حالة انقضاء الفصل التشريعي قبل موعده بواسطة حل البرلمان ( المادة 24 من الدستور) وفي هذا الحالة لا يمكن اتخاذ قرار جديد بحل البرلمان في العام التالي على إجراء هذه الانتخابات ، و يتم انتخاب النواب وفقا لنظام التصويت بالأغلبية في جولتين.
ومن بين اختصاصات الجمعية العامة :
• الحقوق الوطنية للمواطنين والواجبات المفروضة عليهم
• تحديد الجنح والمخالفات والعقوبات المقررة لها والعفو
• الضرائب وطرق تحصيلها
• إنشاء المؤسسات العامة
• تأميم المشاريع ونقل الملكية من العام للخاص
• التعليم
• التنظيم العام للدفاع الوطني
• نظام الملكية والحقوق العينية
• الاستقلال الاداري والمالي للجماعات المحلية
• القانون المالي وتحديد الموارد والمصاريف العامة للدولة
2- مجلس الشيوخ :
ينتخب بالاقتراع غير المباشر وينتج عنه تمثيلية للمجالس البلدية والغرف المهنية والمقيمين بالخارج وينتخب لمدة 3 سنوات مع تجديد جزئي كل ثلاث سنوات وهو غير قابل للحل كما هو بالنسبة للجمعية الوطنية وينتخب بعد كل تجدید جزئي ، ويتم اجتماع البرلمان بغرفتيه في دورتين عاديتين كل سنة ، أكتوبر و أبريل ، ويمكن للبرلمان الانعقاد في دورة غير عادية بناء على طلب من الوزير الأول أو بطلب من أغلبية الجمعية الوطنية لبحث جدول أعمال محدد .
- الضمانات البرلمانية :
تحقيق الاستقلال برلماني في مواجهة السلطات الدستورية للجهاز التنفيذي
عمل دستور 1958 على تأكيد قوة قواعد كثيرة منها عدم إمكانية الجمع بين عضوية البرلمان والحكومة والوظائف العمومية الأخرى لضمان استقلاليته البرلماني في مواجهة الاجهزة الادارية باستثناء الموظفين لمدة لا تتجاوز 6 أشهر ، نواب منطقة الالزاس واللورين ، أساتذة التعليم العالي ، وكذلك تنظيم قواعد المسؤولية البرلمانية حماية البرلماني من التهديدات فلا يجوز اعتقاله أو القبض عليه أو محاكمته بسبب أرائه أو تصويته ، وهي حصانة مطلقة طيلة عمله النيابي حماية من الملاحقات التعسفية التي قد تطاله .
- العلاقة بين الحكومة والبرلمان في النظام الشبه الرئاسي :
يملك رئيس الجمهورية الحق في دعوة البرلمان للانعقاد في دورات غير عادية كما هو الحال في فرنسا على أن يكون ذلك بحكم القانون و مرسوم قانوني ، و للرئيس الفرنسي الحق في حل الجمعية الوطنية من خلال التشاور مع رئيس مجلس البرلمان كما لرئيس السلطة التنفيذية حق الإعتراض على القوانين التي يصدرها البرلمان بموجب المادة 10كما أنه يحق لرئيس الجمهورية تجاوز البرلمان ومخاطبة الشعب مباشرة في مسائل التشريع ، وبذلك يستطيع رئيس الجمهورية إصدار قانون دون عرض على البرلمان.
كذلك يتم اختيار أعضاء الحكومة من طرف رئيس الجمهورية وهي لا تستطيع البقاء في الحكم إلا إذا ظلت تحظى بثقة الرئيس ، و للرئيس حرية اختيار الوزراء كما يستطيع انتقاؤهم من خارج البرلمان ، كما أن الرئيس ملزم باختيار رئيس الوزراء الذي تتقبله الأغلبية البرلمانية ، و رئيس الوزراء هو الرئيس الأول الأعلى للإدارة إذ يقوم بتعيين الموظفين في الوظائف المدنية و العسكرية بتفويض من الرئيس كما أنه لا يمكن الرئيس الجمهورية إنهاء مهمة رئيس الوزراء إلا بتقديم استقالته وليقع نوع من التعاون بين الحكومة والبرلمان فإنه من اللازم متابعة و مراقبة كل منهما الأعمال الأخر ، والجهاز التشريعي يحصل من الحكومة على الايضاحات والشروحات الأساسية لطرق تسييره وإدارته للشؤون العامة عن طريق التصريحات أو الاعلانات الصادرة عن الحكومة أو عن طريق الاسئلة المطروحة على الحكومة في البرلمان وعن طريق المناقشات التي تتخلل جلساته.
• التصريحات والإعلانات التي تقدمها الحكومة خلال الجلسات : وهي ملزمة بها أما الجمعية الوطنية المعرفة فحوى سياستها ، بينما مجلس الشيوخ لا يملك هذه الصلاحية والحكومة غير مسؤولة أمامه .
• توجيه الأسئلة والاستجوابات : وقد جرى بذلك العرف الدستوري دون أي نص دستوري منذ الجمهورية الثالثة ، وعضو الحكومة الموجه إليه السؤال الكتابي ملزم بالإجابة الكتابية عليه ، خلال فترة شهر ، وينشر في الجريدة الرسمية ويمكن تحويل السؤال إلى شفوي وتكون الاجابة عليه في الجلسات العلنية.
- مسؤولية الحكومة أمام البرلمان في النظام الشبه الرئاسي :
وهي منظمة وفق دستور 1958 عن طريق طلب الثقة أو الاقتراح بتوجيه اللوم للحكومة ، فطلب الثقة يقوم الوزير الأول بتحريك ذلك أمام الجمعية الوطنية بعد المداولة في مجلس الوزراء عندما يتعلق الأمر بعرض برنامج الحكومة أو تقديم بيان الحكومة عن السياسة العامة للدولة أو الاقتراع على نص ، وعدم موافقة الجمعية الوطنية على البرنامج الحكومي أو بيان السياسة العامة معناه أن الوزير الأول مجبر على وضع استقالته بين يدي رئيس الجمهورية ، أما توجيه اللوم للحكومة فهي مسألة غير ممكنة إلا بتوفر 4 شروط : توقيع الاقتراح من 10/ 1 من أعضاء الجمعية الوطنية على الأقل ، أن يتم الاقتراع خلال 48 ساعة من تاريخ إيداعه ، لا تحسب الأصوات المؤدية للاقتراح بلوم الحكومة إذا رفض الاقتراح فلا يمكن لموقعيه تقديم اقتراح جديد خلال نفس الدورة التشريعية باستثناء طرح الثقة.
رابعا : السلطة القضائية في النظام الشبه الرئاسي
جاء في المادة 66 من الدستور الفرنسي أن" السلطة القضائية، حارسة الحرية الفردية" ، و تعتبر التجربة القضائية الفرنسية من أكثر التجارب نجاحا و أقربها إلى تطبيق القانون حيث تتسم بالاستقلالية التامة و الحرص الكبير من على أداء الدور المنوط بها وهي منظمة وفقا لتمييز أساسي بين المحاكم القضائية المكلفة بتسوية النزاعات بين الأفراد، من جهة، والمحاكم الإدارية للبت في النزاعات بين المواطنين والسلطات العامة، من جهة أخرى.
و يمارس السلطة القضائية قضاة مستقلون يتمتعون بالحماية القانونية اللازمة، و تعتبر الأحكام القضائية النهائية، أوامر تنفيذية صارمة وجب على كل تنفيذها كل حسب اختصاصه و نطاق مسؤوليته و نميز في القضاء الفرنسي بين ثلاثة أنواع من القضاء : القضاء المدني والقضاء الجنائي والقضاء الإداري ، ولم يعد هنالك وجود للقضاء العسكري في فرنسا، وتتشكل الهيئات القضائية العليا من مجلس شورى الدولة ومحكمة النقض وديوان المحاسبة وهناك من يضيف المجلس الدستوري.
المحاكم المدنية : و هي المحاكم الخاصة بالقضايا المدنية وتنقسم الى عدة اختصاصات و تتمثل في: محاكم الحق العام ، والمحاكم المتخصصة : (المحكمة الابتدائية، والمحكمة التجارية، ومحكمة قضايا الضمان الاجتماعي ومجلس قضاة للحكم في الشؤون العمالية، الذي يحل النزاعات بين أصحاب العمل والعمال) ، ثم المحاكم الجزائية التي تختص بالجرم بمستوياته الثلاثة:
المخالفات : التي تبت فيها محكمة الشرطة
الجنح : التي تبت فيها محكمة الجنح
الجرائم : التي تبت فيها محكمة الجنايات.
وهناك أخيرة محكمة خاصة تبت في النزاعات المدنية والجزائية على حد سواء وهي محكمة الأطفال. وتبقى محكمة النقض أعلى هيئة قضائية، مكلفة بالنظر في الطعون المقدمة ضد الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف ، بينما يحتل مجلس شورى الدولة قمة المحاكم الإدارية، وهو أعلى هيئة قضائية للفصل نهائيا في قانونية الإجراءات الإدارية، كما يمثل أيضا هيئة استشارية تقوم الحكومة باستشارتها فيما يتعلق بمشاريع القوانين وبعض مشاريع المراسيم.
الفقرة الثالثة : تقدير النظام شبه الرئاسي
هناك مزايا وعيوب للنظام شبه الرئاسي
- مزايا النظام شبه الرئاسي :
• من حق الحكومة إصدار قرارات لها فاعلية القوانين بشرط موافقة رئيس الجمهورية على ذلك، والحق في اقتراح القضايا التي يجب مناقشتها في مجلس الشعب ويمكن أن تشترط على مجلس الشعب الكيفية التي يجب أن يتم بها مناقشة هذه القضايا كأن تشترط أن يتم مناقشتها بدون تعديل ولا إضافة أوان يتم التصويت عليها بنعم أو لا.
• هذا النظام يعطى لرئيس الجمهورية حق حل مجلس الشعب والمطالبة بانتخابات جديدة للمجلس بشرط ألا يسيء استخدام هذا الحق، بمعنى أنه لا يجب على رئيس الجمهورية المطالبة بانتخابات جديدة للمجلس أكثر من مرة واحدة في كل سنة، ومن جهة أخرى يمكن للجمعية الوطنية فصل رئيس الوزراء أو أي وزير أخر عن طريق سحب الثقة منهم، كما أن الرئيس الجمهورية الحق في فرض قانون الطوارئ والحق في استفتاء الشعب في قضايا يراها هامة ونتائج هذا الاستفتاء لها قوة القانون في الدولة.
• المرجعية الدستورية في هذا النظام في يد مجلس دستوري، وكيفية اختيار هذا المجلس يختلف من دولة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال يتكون المجلس الدستوري في فرنسا من تسعة أعضاء يتم اختيارهم لمدة تسعة سنوات كالاتي : يختار رئيس الجمهورية ثلاث أعضاء ويختار رئيس مجلس الشعب ثلاث أعضاء ويختار رئيس مجلس الشيوخ ثلاث أعضاء.
- عيوب النظام شبه الرئاسي :
• المشكلة الأساسية التي تواجه هذا النظام هي عندما تتصادم مصالح رئيس الجمهورية مع مصالح رئيس مجلس الوزراء الذي يمثل مصالح البرلمان، وهذه المشكلة عرفت في السياسة الفرنسية "بمشكلة التعايش المزدوج" وهي الحالة التي يتم فيها اختيار رئيس الجمهورية من اتجاه فكري مناقض للاتجاه الذي يمثله رئيس الوزراء، كما حدت للرئيس الفرنسي السابق ميتران "الاشتراكي" عندما فرضت عليه الجمعية العمومية أن يختار السيد شيراك "اليميني الرأسمالي" ليكون رئيسا للوزراء عام 1986، وعليه فمن الواجب على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء أن يتعاونا وأن يتحدا لكي تنجح الحكومة وتحقق أهدافها.
• إمكانية قيام رئيس الجمهورية بإساءة استخدام حقه في استفتاء الشعب كما هو سائد اليوم في كثير من الدول ذات النظام شبه الرئاسي ، ولعل خير مثال على ذلك هو استخدام الرئيس المصري حسني مبارك لهذا القانون طيلة 30 سنة منذ أن تولى السلطة عام 1981.
من خلال كل ما درسناه من معالم التسيير المؤسساتي في النظام شبه الرئاسي و كذا توزيع السلطات و العلاقة بينهما ، يتضح لنا أن هذا النظام حاول التوفيق بين النظامين الرئاسي والبرلماني واعتمد لنفسه ميزات الهدف منها تحقيق البرامج الحكومية مع مراعاة رقابة رئيس الجمهورية ، و لقد اتجهت العديد من الدول لتبنيه رغم صعوبة تطبيقه ، لكن الكثير من هذه الأنظمة تحولت إلى شبه دكتاتوريات ، في ظل سلطة الرئيس الفعلية ، و كثيرا ما استعمل هذا النظام كغطاء للاستبداد و الحكم الانفرادي.
المحور السادس : النظام الدستوري المغربي
عرف المغرب أول دستور سنة 1962 الذي أسس لنظام الملكية الدستورية ، وقد عرف عدة مراجعات سنة 1970 و 1972 و 1992 و 1996 ثم 2011 .
وفكرة الملكية الدستورية ترجع إلى 1908 زمن بيعة الملك عبد الحفيظ بهدف إشراك ممثلي الأمة في توجيه السياسة العامة إلى جانب السلطان ، بالرغم من فرض الحماية سنة 1912 لكن الفكرة ستأخذ مجراها في زمن الملك محمد الخامس ، و هكذا تطورت الملكية الدستورية عبر أربعة مراحل الأولى الإرهاصات وتتمثل في محاولة النخبة استنهاض الامة لمواجهة الغزو الاستعماري الفرنسي قبل سقوط المغرب في الحماية الفرنسية سنة 1912 ، ثم المرحلة الثانية وهي مرحلة المخاض التي امتدت من 1912 إلى 1962 ، ثم مرحلة الارساء من 1962 إلى 1992 أما المرحلة الرابعة فهي مرحلة التبلور والتي بدأت منذ 1992 .
الفقرة الاولى : الجذور التاريخية للملكية الدستورية بالمغرب
أولا : مجلس الأعيان
شكل الملك عبد العزيز سنة 1905 مجلس الاعيان لمواجهة الضغط الاستعماري وضم 15 عضوا كلفه بالمفاوضات مع الوفد الفرنسي في شأن الإصلاحات التي كانت تنوي فرنسا إدخالها على المغرب واعتبر علال الفاسي جلس الاعيان نواة صالحة للتطور الدستوري المنشود.
ثانيا : المطالب الدستورية لنخبة 1908
أدركت النخبة الوطنية أنه لا يمكن مواجهة الاستعمار إلا بيد واحدة بين المجتمع والدولة والذي لا يمكن تحققه إلا بإقرار مبدأ سيادة الأمة والشوری بمعنى إعادة بناء السلطة على أساس عصري عوض بناء السلطة على أساس الحكم الفردي المطلق ، وهكذا طالب محررو بيعة السلطان عبد الحفيظ سنة 1908 بإخراج المستعمر من المغرب ثم على المستوى الداخلي إحياء الشوری وفصل القضاء عن السلطة الادارية ، واعتبرها علال الفاسي عقدا اجتماعيا بين الملك والشعب بإخراج المغرب من الملكية المطلقة والحكم المطلق إلى ملكية دستورية فلم يعد من حق الملك إبرام أية عهود سواء تجارية أو مدنية إلا بالرجوع إلى الشعب والمصادقة عليه.
ثالثا : المذكرات الاستعمارية
عرفت الثورة الحفيظية إلى جانب البيعة المشروطة عدة مذكرات دستورية بعضها رفع إلى السلطان وبعضها تم تداوله بشكل محدود، وأهم هذه المشاريع مشروع لسان المغرب وغيره وتجمع كلها على ارتباط السيادة الوطنية وإصلاح جهاز الدولة عن طريق تبني دستور جديد ولكن وإن لم تطالب البيعة الحفيظية السلطان عبد الحفيظ بإصدار دستور للبلاد فإن لسان العرب طرح في ديباجته إلى التحرر من المستعمر الفرنسي ومنح الامة دستورا ومجلس نواب.
رابعا : المطالبة بالاستقلال ومطلب الدستور
كان حزب الاستقلال أول من طالب في عريضته المشهورة بيان الاستقلال بربط السيادة والدستور لإحداث نظام سياسي شوري وقد كان محمد حسن الوزاني سباقا للمطالبة بالدستور ، لأن المشكلة المغربية لها حل خارجي وهو الاستقلال وحل داخلي وهو الدستور والديمقراطية.
غير أن ملابسات النضال الوطني ضد الحماية سيرجئ المشكل الدستوري لما بعد الاستقلال حيث ستمتد هذه المرحلة إلى غاية 1962 التي ستعرف تأسيس المجلس الوطني الاستشاري ثم مجلس الدستور.
خامسا : المجلس الوطني الاستشاري
وهو مجلس لا يملك أي سلطة تشريعية أو تنفيذية ويضم 76 عضوا يمثلون مختلف الهيئات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وقد تم تشكيله بناء على ظهير ملكي 1956 إلا أن مهمته أنهيت في 1959 وقد مارس فقط نوعا من المراقبة على الحكومة وقدم توصيات لها.
سادسا : مجلس الدستور
بعد انسداد الأفاق أمام المجلس الوطني الاستشاري تم تشكيل مجلس الدستور سنة 1960 وكلف بإعداد دستور للبلاد وضم 78 عضوا معينين من طرف الملك غير أن عمره لم يطل بسبب خلافات داخلية ووفاة المرحوم محمد الخامس سنة 1961.
سابعا : العهد الملكي
في خطاب الملك محمد الخامس سنة 1958 بعد استقالة حكومة أحمد بلافريج ، حدد فيه خطوات بناء الصرح الديمقراطي للمغرب وهو الانتقال من الجهاد الأصغر وهو الاستقلال إلى الجهاد الأكبر وهو البناء الديمقراطي وقد قرر سيادة الشعب وفصل السلطات وتأسيس نظام ديمقراطي ومشاركة المؤسسات الدستورية في السلطة التشريعية.
ثامنا : القانون الأساسي للمملكة
وقد صدر بعد وفاة المغفور له محمد الخامس في عهد الملك الحسن الثاني وقد كان مقدمة الدستور 1962 حيث نص على أن المغرب يسير في طريق بناء الملكية الدستورية . وكان دستور 1962 / 12 / 14 بداية دخول المغرب مرحلة جديدة من بناء الملكية الدستورية ، غير أن حالة الطوارئ سنة 1965 حيث تم حل البرلمان أجلت هذه التجربة العدة سنوات رغم صدور دستورين سنة 1970 و 1972 فإن الاستمرارية هي التي حكمت هذه الدساتير.
غير أن المراجعة الدستورية سنة 1992 و 1996 شكلت إجماعا وطنيا غيرت من الملامح العامة للنظام السياسي المغربي ليطرح التساؤل هل سيتحول إلى نظام جمهوري أم إلى نظام ملكي برلماني.
الفقرة الثانية : تبلور الملكية الدستورية
تميزت هذه المرحلة بإرساء الملكية الدستورية بالمغرب وذلك بإصدار دستور للبلاد من طرف الملك وطرحه على الاستفتاء الشعبي الذي استجاب له بنسبة 84 في المائة الشيء الذي أضاف شرعية جديدة إلى الشرعية التاريخية والدينية وتبني تقنيات حديثة فيما يخص هيكلة السلطة التنفيذية والتشريعية وإحداث رقابة دستورية إلا أن المؤسسة الملكية عرفت سموا متزايدا بالنظر الباقي المؤسسات الدستورية من حكومة وبرلمان و رقابة دستورية.
أولا : مؤسسة الملك في النظام الدستوري المغربي
بناء على الفصل 19 الذي يحدد منطق القانون الدستوري المغربي حيث نص على أن الملك أمير المؤمنين ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها وحامي حمى الملة والدين والساهر على احترام الدستور وصيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات واستقلال البلاد وحوزة المملكة والممثل الأسمى للأمة " فلا استقلالية ولا تقسيم للسلط على هذا المستوى لأن الملك هو منبع السلطة.
- سلطة الملك العادية :
الملك له السلطة التنفيذية ، فهو من يعين الحكومة ويقيلها وهي تابعة له ولا وجود للمسؤولية الوزارية لأن البرلمان يناقش فقط البرنامج الحكومي ولا صلاحية له في التصويت بالثقة على برامجها ، وقد أخذ دستور 1962 بنظام الغرفتين ثم ألغاها دستور 1972 وللملك ضمن سلطاته التشريعية أن يفتتح أشغال البرلمان في دورتيه الخريفية والربيعية ويوجه خطابا توجيهية للبرلمان وهي خطبة لا تناقش بتاتا ولا تطرح للتصويت داخل البرلمان ويمكن للملك حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة وللملك حق استفتاء الشعب مباشرة ، كما أن الملك يعين رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس المحكمة العليا للعدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء .
- صلاحيات الملك الاستثنائية :
وهي الصلاحيات المرتبطة بإعلان حالة الاستثناء فيتخذ ما يراه الملك مناسبا وتتوقف المؤسسات الدستورية عن العمل مؤقتا ريثما تزول حالة الطوارئ.
ثانيا : الحكومة في النظام الدستوري المغربي
هي حكومة صاحب الجلالة ، وهي المسؤولة أمامه وليس أمام البرلمان ، و هو من يملك حق سحب الثقة من الحكومة وليس البرلمان فمصدر السلطة ليس البرلمان باعتباره ممثل الشعب بل مصدر السلطة هو الملك فهو من يعينها وهو الذي يقيلها أفرادا وحكومة فلا وجود لرئيس الوزراء بل هو الوزير الأول فقط ، وبهذه الصفة تتمتع الحكومة بصلاحية اقتراح مشاريع القوانين على البرلمان ، لكن العلاقة حسب دستور 1972 تتميز بعدم التوازن فالحكومة يمكنها أن تدفع بعدم قبول مشروع قانون بينما يمكن لا يمكن ذلك لمجلس النواب ، ويمكن تجاوز مجلس النواب إذا رفض مشروع القانون و عرضه على مجلس المستشارين وإقراره في نهاية الأمر ثم يظل الأمر نهاية في يد الملك والواقع أن الحكومة هي المشرع العادي في ظل دستور 1962 بينما كان البرلمان مشرعا استثنائيا.
ثالثا : البرلمان في النظام الدستوري المغربي
ويضم غرفتين ، الأولى مجلس النواب وينتخب بالاقتراع العام المباشر والثانية مجلس المستشارين وينتخب بطريقة غير مباشرة، ورغم أن صلاحياتهما متماثلة حسب دستور 1962 ، لكن هذا الدستور کرس سلطة الملك وتبعية كل المؤسسات له لأنه مصدر كل السلط .
الفقرة الثالثة : الملكية الدستورية ، الإجماع قبل التوافق :
حصل دستور 1996 على إجماع وطني من خلال استجابة الملك لمطالب الكتلة الديمقراطية المتكونة من حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومنظمة العمل الديمقراطي والتقدم والاشتراكية والاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، حيث أضحت الملكية الدستورية خيارا لا رجعة فيه من جميع الأطراف السياسية وتولدت ثقافة التراضي أما على مستوى الدستور فقد تم إقرار حقوق الإنسان وتوسعت سلطات البرلمان وأحدث المجلس الدستوري عوض الغرفة الدستورية إلى جانب إحداث مجالس عليا للاقتصاد والتعليم والدفاع والإعلام والأمن يعين الملك أغلب رؤسائها.
أولا : الملك
احتفظ الملك في دستور ما بعد 1996 بما أثبتته الدساتير السابقة حيث لم تنقص من صلاحياته شيء .
ثانيا : الحكومة
الملك يعين الوزير الأول وباقي الوزراء باقتراح من الوزير الأول وللملك أن يعفيهم من مهامهم ويعفي الحكومة أيضا ، ولم يكن الملك ملزما بتعيين الوزير الأول من الحزب الفائز بل يعينه باختياره الشخصي من أي طيف سياسي والحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام البرلمان ويلزم الحكومة كسب ثقة البرلمان ومجلس النواب له الحق في التصويت على البرنامج الحكومي فمسؤولية الحكومة أصبحت مزدوجة أمام الملك وأمام مجلس النواب.
ثالثا : البرلمان
تعديل 1996 بنظام الغرفتين بنفس الصلاحيات ، وأعطاه الحق في إنشاء لجان تقصي الحقائق وجمع المعلومات حول واقعة معينة اطلاع المجلس على النتائج ، إعلان الحقوق الفردية والجماعية.
- علاقات الحكومة بالبرلمان في النظام الدستوري المغربي :
لم تحدث أي تغييرات مهمة على علاقة الحكومة بالبرلمان على مستوى توازن السلط إلا فيما يتعلق بمسؤولية الحكومة أمام البرلمان ومسؤولية الوزير الأول على تنفيذ القوانين .
وعلاقة الحكومة بالبرلمان هي التي تبرز لنا مدى التوازن الحاصل بين السلطتين حيث يظهر سمو سلطة على أخرى.
رابعا : الرقابة الدستورية في المغرب
أحدثت سنة 1962 عن طريق الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى إلى جانب الغرف الأربع غير أن دستور حول الغرفة إلى مجلس دستوري . عرفت الغرفة الدستورية تطورات في ما يخص تشكيلها ولم تعرف أي تطورات في ما يخص صلاحياتها ، ولم يقع أي تغيير في تشكيلتها في دستور 1972 ما عدا الزيادة في عدد أعضائها حيث زاد من 4 إلى 5 ، واختصاصاتها على نوعين قضائية واستشارية ، قضائية وهي الرقابة الدستورية والنظر في النزاعات الانتخابية والبث في دستورية القوانين التنظيمية والتشريعية والنظام الداخلي للبرلمان وصحة انتخاب أعضاء مجلس النواب وصحة عمليات الاستفتاء والبث في الخلافات بين الحكومة والبرلمان.
أما الاختصاصات الاستشارية فتتجلى من خلال موافقة الغرفة الدستورية على تغيير قانون بمرسوم .
وهكذا فالغرفة الدستورية تمارس رقابة قبلية وهي رقابة قضائية ثم الرقابة الدستورية فلا يجوز إصدار أو تطبيق أو نص يخالف للدستور ، لكن دستور 1992 استبدل الغرفة الدستورية بجهاز مستقل قائم الذات وهو المجلس الدستوري.
- المجلس الدستوري :
ورث هذا المجلس اختصاصات الغرفة الدستورية غير أن الجديد هو فيما يخص توسيع حق إحالة القوانين قبل تنفيذها وصلاحيات المجلس النظر في صحة انتخاب أعضاء البرلمان و عمليات الاستفتاء ، مراقبة القوانين وتمارس قبل إصدارها.
فهي صلاحيات قضائية واستشارية ، قضائية وهي منع صدور أي قانون يخالف الدستور وقراراته لا تقبل الطعن وأحكامه نهائية تلزم كل السلطات العامة والجهات الادارية والقضائية ، وقضائية : وهي مراقبة القوانين ومراقبة سلامة الانتخابات والرقابة على القوانين.
فهي ملزمة وقبلية فيما يتعلق بالقوانين التنظيمية والقانون الداخلي للبرلمان.
الفقرة الرابعة : دستور 2011 المميزات الأساسية :
هو كسابقيه لسنوات 1962 و 1970 و 1972 و 1992 و 1996 دستور مكتوب جامد ، وضع عن طريق الاستفتاء الشعبي العام ، ويحدد شكل المغرب في دولة بسيطة ، ولا يعتبر ذلك منافيا المبادئ للامركزية الإدارية والجهوية المتقدمة واختصاصات السلطات المحلية المنتخبة مما يؤكد على الصفة الموحدة للدولة المغربية .
يؤكد دستور 2011 في تصديره على مبادئ أساسية وغير مسبوقة في الدساتير السابقة كخيار المغرب الذي لا رجعة فيه وهو بناء دولة ديمقراطية يسودها القانون والحقوق وتقوية مؤسسات الدولة الحديثة مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة والمساواة وتكافؤ الفرص والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم ، والتأكيد على طابع الدولة الاسلامي وصيانة تنوع الهوية الافريقية الأندلسية الامازيغية العربية الصحراوية والعزم على مواصلة العمل على تحقيق السلام العالمي والأمن في العالم والالتزام على بناء المغرب العربي ، تقوية العلاقات مع أفريقيا لا سيما الساحل ، ربط العلاقات مع دول المتوسط ، تقوية العلاقات الدولية الثقافية والاقتصادية مع كل بلدان العالم ، مكافحة التمييز العنصري بسبب اللون أو الجنس ، احترام الاتفاقيات الدولية المصادق عليها . وأكد هذا التصدير أنه جزء لا يتجزأ من الدستور.
كما أكد على أن نظام الحكم في المغرب هو ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية اجتماعية قائمة على أساس فصل السلط وتعاونها والمواطنة التشاركية والحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة وتبنى الدستور أيضا مبدأ سيادة الأمة تمارسها عن طريق الاستفتاء العام وبصفة غير مباشرة عن طريق ممثليها بالاقتراع الحر النزيه .
وأهم ما ميز دستور 2011 هو اعتباره آلية تعاقدية لتحقيق تحول ديمقراطي للمغرب لأنه
- دستور من الجيل الجديد
- من صنع المغاربة
- وفق مقاربة ديمقراطية إدماجية وشفافة
- میثاق حقيقي للحقوق والواجبات والمواطنة والحريات
- المساواة بين الرجل والمرأة
- سيادة الأمة
- الفصل بين السلطات
- الملكية الدستورية الديمقراطية البرلمانية الاجتماعية
- الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة
- حماية الحقوق والواجبات واحترام القانون
- تعزيز الجهوية المتقدمة و الموسعة
- الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة وإرساء دولة الحق والقانون .
اولا - رئيس الدولة : الملك في دستور 2011
ينص الفصل الأول من دستور 2011 على أن نظام الحكم في المغرب هو نظام ملكية دستورية ديمقراطية اجتماعية ، ورئيس الدولة هو الملك ، ويتمتع بمجموعة كبيرة من الاختصاصات والسلطات الأساسية والتي يباشرها في الحالات العادية والاستثنائية وينص الفصل 23" شخص الملك مقدس ولا تنتهك حرمته " مما يترتب عنه قاعدة أساسية هي أن الملك غير مسؤول أمام البرلمان ولا يمكن للبرلمان أن يحاسبه ، والحكومة وحدها من يمكن مسائلته أمام البرلمان وأمام الرأي العام ، فالملك لا يحاسب.
- سلطات الملك في دستور 2011 :
تنقسم الاختصاصات والمهام التي يقرها الدستور للملك إلى قسمين : الأولى التي يباشرها في الظروف العادية والثانية التي يباشرها في الظروف الاستثنائية.
ومن أهم الأمور قاطبة في هذا المجال التمييز بين عهدين دستوريين ، عهد أسست له دساتير دساتير 1962 – 1970 - 1972 - 1992 – 1996 وعهد جديد انبثق عن دستور يوليوز . 2011
- اختصاصات الملك العادية في ظل دساتير ما قبل دستور 2011 :
• رئيس الدولة : حيث يرأس المجلس الوزاري وهو قائد القوات المسلحة ورئيس العديد من المجالس العليا
• يعين الوزير الأول وجميع أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول وله الحق أن يقيلهم من مناصبهم ويعين في الوظائف العمومية والعسكرية ويعين السفراء وأعضاء المجلس الدستوري ورئيسه .
• في مجال القوانين : يوافق على القوانين وتنفيذها
• حق العفو .
• في السياسة الخارجية : الملك يوقع المعاهدات الدولية ويصادق عليها
• تشريعيا: يخاطب الأمة ويخاطب البرلمان بشقيه ولا يمكن للبرلمان مناقشة خطابه
• الحق في حل مجلس النواب أو مجلس المستشارين
• يفتتح الدورات البرلمانية
• يمكنه ان يطلب من البرلمان إعادة النظر في قانون صادر عنه ولا يمكن أن ترفض
• من حقه الاحتكام إلى الأمة مباشرة باستفتاء دون موافقة البرلمان بمقتضى ظهير
• يمارس الملك سلطاته بمقتضى ظهائر شريفة توقع بالعطف من طرف الوزير الأول ومعناه كل هذا أن كل الاختصاصات الغير المعهود بها لرئيس الحكومة والحكومة والبرلمان هي من اختصاص الملك.
• تمت إضافة السلطة التنظيمية إلى الوزير الأول في دستور 1996 وتوقع بالعطف من الوزراء.
المكلفين بتطبيقها.
- الاختصاصات الاستثنائية للملك في ظل دساتيرما قبل دستور 2011 :
في حال خطر يهدد الدولة أو المؤسسات الدستورية يعلن الملك حالة الاستثناء بظهير شريف ويوجه خطابا للأمة ويتخذ بذلك جميع الصلاحيات والإجراءات للدفاع عن الوطن ولا يحل البرلمان .
فتتوقف المؤسسات الدستورية وتعطى للملك سلطات واسعة وذلك بشرطين : الدفاع عن الوطن - إرجاع السير العادي للمؤسسات الدستورية .
- ولاية العهد ومجلس الوصاية في دستور 2011
يؤكد دستور 1996 أن عرش المغرب ينتقل بالوراثة وحقوقه الدستورية تنتقل بالوراثة إلى الولد الأكبر سنا من أبناء الحسن الثاني ثم إلى أقربائه الذكور إن لم يكن ابن للملك ، ويكون ولي العهد بالغ سن الرشد في سن 16 سنة وفي حالة عدم بلوغه سنة 16 يمارس مجلس الوصاية اختصاصات العرش وحقوقه الدستورية باستثناء مراجعة الدستور .
وهو هيئة استشارية تعمل بجانب الملك حتى يدرك سن 20 سنة ويتكون من الرئيس الأول للمجلس الاعلى ومن رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ورئيس المجلس العلمي لمدينة الرباط وسلا وعشر شخصيات يعينهم الملك ويحق لهذا المجلس ممارسة مهام الملك و يرأسه أقرب أقرباء الملك من جهة الذكور و تم نقله بعد 1980 إلى رئيس المجلس الاعلى.
- اختصاصات الملك في ظل دستور 2011
أكد دستور 2011 على الفصل بين السلط في إطار ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية ملكية مواطنة ضامنة لأسس الأمة وتزاول مهام سيادية وتحكيمية :
- حذف قداسة الملك وتعويض ذلك بأن الملك لا تنتهك حرمته وله واجب التوقير والاحترام
- التميز الواضح بين سلطات الملك باعتباره أمير المؤمنين يمارس الشؤون الدينية الفصل 41 وبين رئيس الدولة وممثلها الأسمى .
وعليه فقد تم تقسيم الفصل 19 من دستور 96 إلى جزأين وهما الفصل 41 و 42 : فالفصل 41 يؤطر صلاحيات الملك الدينية باعتباره أمير المؤمنين و رئيس المجلس العلمي حيث تم الارتقاء به إلى مؤسسة دستورية.
أما الفصل 42 فيحدد الصلاحيات الدستورية للملك الذي يعلو فوق كل انتماء ويمارس المهام السيادية والضمانية والتحكيمية الواردة في هذا الفصل ، هذه الاختصاصات ذات الطبيعة السياسية تمارس في حدود فصول الدستور بمقتضى ظهائر ، هذه الظهائر متصلة بالصلاحيات الدينية وتعيين مجلس الوصاية ورئيس الحكومة و الوزراء وإعفائهم وحل البرلمان أو أحد مجلسيه وتعيين القضاة واعلان حالة الطوارئ وتعيين ستة أعضاء من المحكمة الدستورية وعرض مشروع مراجعة الدستور.
وعليه فدستور 2011 يقيم هندسة جديدة للاختصاصات الملكية وفق التصور التالي :
- اختصاصات دينية متصلة بإمارة المؤمنين
- اختصاصات سياسية متعلقة بالمجال المدني السياسي والإداري وتمثيل الأمة
- اختصاصات تحكيمية
- اختصاصات توجيه الاستراتيجية السياسية وقضايا الأمن و الخارجية.
أما الصلاحيات الاستثنائية فقد تبنى دستور 2011 نفس مفاهيم الدساتير السابقة أما مجلس الوصاية فيرأسه رئيس المحكمة الدستورية ويتكون بالإضافة إلى ذلك من رئيس مجلسي البرلمان ورئيس المجلس الأعلى للقضاء والأمين العام للمجلس العلمي وعشر شخصيات يعينهم الملك.
ثانيا - البرلمان في دستور 2011 :
نميز بين عمله في دساتیر ما قبل 2011 وفي ظل دستور 2011 ، ففي العهد السابق ينص دستور 1996 على أن البرلمان يتكون من مجلسين ، مجلس النواب ومجلس المستشارين وأن أعضاءه يستمدون نيابتهم من الأمة وحقهم في التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه وقد كان معمولا بنفس الغرفتين في دستور 1962 وتوقف العمل بالغرفتين في دستور 1970 و 1972 ثم رجع العمل بهما في دستور 1996 ولمدة 5 سنوات بالنسبة لمجلس النواب و 9 سنوات لمجلس المستشارين.
أما الموقع الدستوري الجديد للمؤسسة التشريعية فأهم ما يميزها هو أن المغرب أصبح له برلمان قوي ذو اختصاصات مدعمة يمارس وفقها السلطة التشريعية بالتصويت على القوانين ومراقبة الحكومة وتقييم سياستها العمومية ، وقد خول للغرفة الاولى مكانة الصدارة الذي له الحق لوحده في وضع المسؤولية الحكومية على المحك أما الغرفة الثانية المتكونة من 90 عضوا على الأقل و 120 على الأكثر ذو طابع ترابي مع تمثيلية نقابية ومهنية .
وقد تقوى دور البرلمان في إرادة المشرع الدستوري من خلال تبني آليات ناجعة للمراقبة مع إضفاء طابع المرونة على شروط النصاب الضرورية لأعمالها ، ملتمس الرقابة ، لجان التقصي الإحالة على المحكمة الدستورية، طلب عقد دورات استثنائية.
- مجلس النواب المغربي :
وهم 395 عضوا يتم انتخابهم بالاقتراع العام المباشر لمدة 5 سنوات ولا يمكن أن يترشح أصحاب الوظائف التالية : القضاة ، العمال ، الكتاب العامون للعمالات ، الخلفاء للعمال ، الباشوات ، القواد ، خلفائهم ، شیوخ ، مقدمون ، عسكريون ، درك ، شرطة ، قوات مساعدة ، وحتى داخل أجل سنة من خروجهم من الخدمة ، كما تتنافى صفة برلماني مع صفة عضو في المجلس الدستوري أو المجلس الاقتصادي أو الاجتماعي ، كما لا يمكن الجمع بين عضوية المجلسين ، ويتم انتخاب رئيس مجلس النواب في بداية الفترة النيابية ثم في دورة أبريل للسنة الثالثة من تلك الفترة لما تبقى من ولاية المجلس.
وعدد أعضاء مجلس النواب في انتخابات نونبر 2011 هو 395 عضوا ، ويعقد جلساته في دورتين سنويا ويرأس الملك افتتاح الدورة الأولى ، وإذا استمرت جلسات مجلس النواب 4 أشهر على الأقل في كل دورة جاز ختم الدورة بمرسوم .
اختصاصات مجلس النواب :
التصويت على القوانين ، مراقبة الحكومة ، تقييم السياسات العمومية ، المصادقة على مراسيم الحكومة ، قانون المالية ، التقدم بمشاريع القوانين سواء من البرلمانيين أو رئيس الحكومة لدى مكتب مجلس النواب .
يلاحظ أن هناك توازن بين سلطة الحكومة والبرلمان ويمكن لرئيس الحكومة حل مجلس النواب بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بعد استشارة الملك ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الدستورية.
- مجلس المستشارين المغربي :
وفق دستور 1996 يتكون 3 / 5 منه تنتخبهم كل جهة ، هيئة ناخبين تتألف من ممثلين عن الجماعات المحلية ويتكون 2 / 5 من منتخبي الغرف المهنية ، وأعضاء تنتخبهم وطنيا هيئة ناخبة تتألف من ممثلين للمأجورين ومجموع أعضاء مجلس المستشارين 270 عضوا موزعين على الشكل التالي : 192 منتخب في كل جهة عن مجالس الجماعات الحضرية والقروية ومجالس العمالات والأقاليم والمجالس الجهوية ، 81 منتخبا في كل جهة عن الغرف المهنية ، 27 عضوا على الصعيد الوطني كمندوبي منشآت ومستخدمين في المنشآت المنجمية.
ينتخبون لمدة و سنوات مع تجديد 1 / 3 كل ثلاث سنوات.
أما وفق دستور 2011 فعدد أعضائه يتراوحون بين 90 و120 عضوا ينتخبون بالاقتراع الغير المباشر لمدة 6 سنوات على أساس التوزيع التالي : 3 / 5 يمثلون الجماعات الترابية و 5/2تنتخبهم في كل جهة هيئات ناخبة تتألف من المنتخبين في الغرف المهنية وفي المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية.
- الضمانات البرلمانية في دستور 2011 :
ينص الفصل 64 من دستور 2011 على أنه لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان ولا البحث عنه ولا القبض عليه ولا اعتقاله ولا محاكمته ما عدا إذا كان يجادل في النظام الملكي أو الدين الاسلامي أو يخل بالاحترام الواجب للملك . حاصل القول أن مجال عدم المسؤولية البرلمانية يقتصر على ما يبديه النواب من أفكار داخل المجلس ولجانه حيث أن تلك الأفكار قد تكون موضوع مسائلته إذا تم الإدلاء بها خارج المجلس ولجانه وكانت تحتوي على ما يعاقب عليه قانونا ، فالبرلماني في هذه الحالة لا يستفيد من الحصانة البرلمانية.
- اختصاصات البرلمان في دستور 2011 :
يختص بالقانون بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة في الدستور بالتشريع في الميادين التالية : الحقوق والحريات ، الاسرة ، الصحة ، الاعلام ، العفو ، الجنسية ، الجرائم المسطرة المدنية ، المسطرة الجنائية ، النظام العام للوظيفة العمومية ، الضمانات الممنوحة للعسكريين ، نظام الأمن ، نظام الجماعات الترابية ، نظام الانتخابات ، النظام الضريبي ، نظام الجمارك ، الالتزامات والعقود ، نظام التكنولوجيا ، التعمير وإعداد التراب الوطني ، تأميم المنشآت ونظام الخوصصة ، إضافة إلى قوانين تؤطر الأهداف الاساسية للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كما تقتضي قواعد الديمقراطية جعل ممثلي الشعب طرفا أساسيا في كل ما يتعلق بمالية الدولة من حيث مواردها و نفقاتها و استثماراتها فالفصل 75 من دستور 2011 ينص على ما يلي : " يصدر قانون المالية الذي يودع بالأسبقية في مجلس النواب بالتصويت من قبل البرلمان وذلك طبقا للشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي ويحدد هذا القانون التنظيمي طبيعة المعلومات والوثائق والمعطيات الضرورية لتعزيز النقاش البرلماني حول مشروع قانون المالية أما الاختصاصات السياسية للبرلمان فيمكن حصرها في مراقبة أعمال الحكومة الشيء الذي يمكن أن يؤدي إلى سحب الثقة منها وفق شروط وإجراءات محددة وتكون الحكومة في تلك الحالة ملزمة بتقديم استقالتها.
ثالثا - تشكيل الحكومة في ظل دستور 2011 :
كان الطابع الذي ميز الحكومة في الدساتير الخمسة الأولى هو أن الملك هو الذي يعين الوزير الأول والوزراء بأجمعهم باقتراح من الوزير الأول و يعفيهم من مسؤولياتهم ويعفي الحكومة بكاملها وله كامل الصلاحيات في هذا الاتجاه فالملك هو رئيس الجهاز التنفيذي أي أن الملك يحكم ويسود ، ولا تشاركه في السلطة التنفيذية أية سلطة أخرى ويعين الوزير الأول حتى من خارج الأحزاب السياسية وحتى من خارج الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية بمجرد ظهير ملكي شریف.
أما في دستور 2011 فيمكن الحديث نظريا على الأقل عن عهد دستوري جديد تأمل فيه الحركات السياسية عن انبثاق سياسي جديد حيث يصبح الوزير الأول رئيس فعليا للحكومة وهذا ما نص عليه دستور 2011 حيث سار في نفس التصور فأعطى لرئيس الحكومة صلاحيات جديدة و يتم تعيينه من الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية أي أن السلطة التنفيذية أصبحت تجسيدا للإرادة العامة النابعة من رغبة الأمة بواسطة الاقتراع العام المباشر .
والفصول من 87 إلى 94 تؤطر للسلطة التنفيذية : رئيس الحكومة أصبح القائد الحقيقي للفريق الحكومي مع وضع الإرادة رهن تصرفه وممارسته لسلطة تنفيذية حقيقية وصلاحيات واسعة في مجال التعيين في الوظائف المدنية , مجلس الحكومة فضاء حقيقي لتحديد سياسة الدولة وتنفيذها.
- اختصاصات الحكومة :
في ظل الدساتير الخمسة ما قبل دستور 2011 ، كان الوزير الأول حجر الزاوية في الجهاز الحكومي بعد الملك واختصاصاته واسعة في إدارة العمل الحكومي فهو الذي يمارس السلطة التنظيمية ويتحمل مسؤولية النشاطات الوزارية ويوقع الظهائر الشريفة ما عدا تلك المحددة في الفصل 29 التي تعتبر حكرا على الملك.
ولما كان اختصاصاته متنوعة أجاز له الدستور تفويض بعض وزرائه ووضع تحت تصرفهم المصالح الادارية تحقيقا للسياسة العامة للدولة ، ويبقى وزراء الدولة أسمى من الناحية البروتوكولية من الوزراء العاديين بينما لا خلاف بينهم دستوريا ، كذلك يوجد وزراء بلا حقيبة فتوكل إليهم مهمة محددة داخل الحكومة ويعتبرون أعضاء في الحكومة تسري عليهم ما يسري على الوزراء ولهم الحق في حضور اجتماعات مجلس الوزراء ومجلس الحكومة والمساهمة بآرائهم وأصواتهم.
أما اختصاصات الحكومة فقد تم تقريرها في تنفيذ القوانين والإدارة موضوعة رهن إشارتهم كما يحق لها التقدم بمشاريع القوانين ، و يمارس الوزير الأول السلطة التنظيمية والحكومة لها واسع النظر في سياسة الدولة ومعالجة القضايا المتعلقة بها ، بالنسبة لتنفيذ القوانين فهي المهمة الأولى للحكومة باعتبارها الجهاز التنفيذي ، فهي تنفذ القانون وتطبيقه ، كما تعتبر جهة إدارية من خلال تسيير المرافق الادارية الوطنية والمصالح الخارجية والادارة اللامركزية.
كما يمكن للوزير الأول التقدم بمشاريع القوانين لدى البرلمان.
ويبقى الوزير يمارس وظيفته التنفيذية ما لم تتعارض مع قرارات الملك.
وحسب دستور 1996 فإن المسائل التالية تحال على المجلس الوزاري : السياسة العامة للدولة ، خاصة الحصار ، إشهار الحرب ، طلب الثقة من مجلس النواب ، مشاريع القوانين ، المراسيم التنظيمية ، مشروع المخطط ، مشروع مراجعة الدستور.
- صلاحيات واختصاصات الحكومة في ظل دستور 2011 :
وفق التصور الجديد الحكومة تتألف من رئيسها والوزراء وكتاب الدولة.
فبعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه ، هذا البرنامج يجب أن يحتوي على الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة تطبيقه ، في مختلف المجالات.
وتعتبر الحكومة منصبة وفق الدستور الجديد بعد حصولها على ثقة مجلس النواب ولا يكفي تعيين الملك ويجب أن تحصل على تصويت الأغلبية المطلقة لصالح البرنامج الحكومي .
تمارس الحكومة السلطة التنفيذية وتعمل تحت رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين والإدارة موضوعة تحت تصرفها كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية .
يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء كما تحمل المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها .
ووسع الدستور الجديد من اختصاصات رئيس الحكومة عبر تحويله التعيين في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية وفي الوظائف السامية في المؤسسات والمقاولات العمومية دون إخلال بأحكام الفصل 49 من الدستور، ويمكن له تفويض هذه السلطة .
توسيع اختصاصات السلطة التنفيذية همت أيضا تخويل المجلس الحكومي حق التداول في المعاهدات والاتفاقيات الدولية قبل عرضها على المجلس الوزاري .
ويتداول مجلس الحكومة تحت رئاسة رئيس الحكومة في القضايا والنصوص التالية : السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري ، السياسيات العمومية ، السياسات القطاعية ، طلب الثقة من مجلس النواب قصد مواصلة الحكومة تحمل مسؤولياتها ، القضايا الراهنة بحقوق الإنسان ، مشاريع القوانين ومن بينها مشروع قانون المالية ، مراسيم القوانين مشاريع المراسيم التنظيمية ، تعيين الكتاب العامين ، تعيين مديري الإدارات المركزية بالإدارات العمومية ، رؤساء الجامعات ، مديري المؤسسات العمومية والمؤسسات العليا .
وذلك بناء على مبادئ تكافؤ الفرص والشفافية.
و يعتبر الوزراء مسؤولين على تطبيق السياسة الحكومية في كل القطاعات وفي إطار التضامن الحكومي ، ويقومون بأداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة ويطلعون مجلس الحكومة على ذلك ، كما يمكن للوزراء أن يفوضوا جزءا من اختصاصاتهم إلى كتاب الدولة ، وهم مسؤولون جنائيا أمام المحاكم عما يرتكبونه من جنايات أو جنح أثناء ممارسة مهامهم ، ويمكن الرئيس الحكومة أن يحل مجلس النواب بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بعد استشارة الملك ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الدستورية .
- مسؤولية الحكومة في النظام الدستوري المغربي :
تتفق الدساتير الخمسة على أن المسؤولية الحكومية مزدوجة فهي أمام الملك وأمام البرلمان ، فيتقدم الوزير الأول ببرنامجه الحكومي أمام البرلمان لمجلسيه يتضمن الخطوط العريضة لما تنوي الحكومة عمله في المجالات السياسية والاقتصادية والخارجية و غيره ، ويكون ذلك البرنامج موضوع نقاش أمام مجلس النواب والمستشارين ثم يتلو قراءة البرنامج ونقاشه التصويت عليه وفق الشروط المنصوص عليها دستوريا ، ومن واقع التجربة أن تقدم الحكومة ببرنامج عمل وعرضه على البرلمان غير محدد بآجال ذلك أن تعيين الملك للوزراء وتنصيبهم هو الاجراء الدستوري والقانوني الذي يتوقف عليه تكوين الحكومة وشرعيتها فالملك وحده يقرر ما يراه مناسبا وموافقا للبلاد.
كما أن المسؤولية الحكومية تقع أيضا أمام البرلمان وقد تسحب منها الثقة فتسقط الحكومة وتقدم استقالتها.