ملخص المدخل الى العلوم السياسية
|
مدخل لدراسة علم السياسة |
تقديم
ماذا نعني بالعلوم السياسية ؟ وهل للعلوم السياسية وعلم السياسة
مدلول واحد ؟ هل هي الدراسة العلمية المنهجية للظاهرة السياسية ؟ هل هناك مدارس فكرية
في هذا علم السياسة ام هناك مدرسة واحدة ؟
إن غاية دراسة علم السياسة هي في تعلم كيفية تنظيم البشر بشكل
أفضل من أجل تحقيق السلام والسعادة في حياتهم.
إنها وجهة النظر المقبولة لدى علماء
السياسة منذ وقت الكونفوشيوسية، فمن أجل تحسين العالم، يجب على الفرد أن يحسن
البلد؛ ومن أجل تحسين البلد، يجب على الفرد أن يحسن الشعب، ومن أجل تحسين الشعب،
يتوجب تحسين الفرد.
فإذا استطاع الفرد إتقان نفسه، تتجه العائلة إلى الكمال؛ ومن
العائلة ينتقل التأثير الشعب؛ ومن ثم من الشعب إلى البلد ككل، ثم إلى العالم
أجمع.
شاهد ايضا :
لمن يريد التحميل ما عليه الا الضغط على رابط التحميل في اعلى هذه الجملة ولمن يود القراءة دون تحميل فالملخص بالكامل امام حضراتكم.
أولا : مفهوم الظاهرة
السياسة كموضوع مشترك بين العلوم السياسية وعلم السياسة
الظاهرة السياسية التي تدرسها العلوم السياسية
أو علم السياسة هي كل ظاهرة تنجم عن تجمع إنساني
وسلوك إنساني داخل المجتمع المنظم ، سواء كان المتحرك داخل هذا المجتمع فردا أو
جماعة أو مؤسسة أو بنية مجتمعية ، مع مراعاة التدافع بين هذه المكونات من أجل
إقرار أهداف مجتمعية مشتركة وضمان تدبير الخلاف الناجم عن تعارض الأهداف المختلفة
للفرقاء المجتمعيين. وعليه فالعلوم السياسية تعبر عن معارف علمية تعنى بدراسة
الظاهرة السياسية بشكل موضوعي وحيادي ، وهي دراسة لمجمل الحالات السياسية التي
تنجم عن ظواهر الاجتماع الإنساني وانتظامه ،
ويمكن الحديث هنا عن مدرستين علميتين كبيرتين و تيار راديكالي حديث.
المدرسة الأمريكية
هي مدرسة سياسية رائدة ، تقول باستحالة وجود علم واحد في دراسة
الظاهرة السياسية ، وتنكر استقلالية علم السياسة ، مبررها في ذلك أن الظاهرة
السياسية لا يمكن دراستها إلا في إطار العلوم الاجتماعية الأخرى ، والتي تشكل مصدرا أساسيا في
دراسة الظاهرة السياسية . أي أن هناك ترابطا عضويا يجمع وظيفيا و جدليا بين العلوم
السياسية والعلوم الاجتماعية . المدرسة الأمريكية تقر بانعدام فرص وجود علم سياسة
مستقل بذاته ، وترى أن علم السياسة هو مجموعة من العلوم الاجتماعية المترابطة
والتي يجب استحضارها قبل دراسة علم السياسة.
المدرسة الأوروبية (بجناحيها المحافظ والحداثي)
المدرسة البريطانية
تعتبر منهجيتها في دراسة الظاهرة السياسية نموذجا وفيا للمنهج
التقليدي الوصفي ، من خلال الثقافة السائدة و المتوارثة
في مجال التاريخ والفلسفة والسياسة . تطورت هذه
المدرسة من خلال المؤسسات السياسية البريطانية والأفكار السياسية لكبار فلاسفتها ، وارتبطت دراسة الظاهرة السياسية
بالجامعة البريطانية دائما بالبرامج التي تعتمد دراسة العلوم الانسانية مثل برنامج
أكسفورد بي بي اي oxford ppe
أي الفلسفة والسياسة والاقتصاد.
المدرسة الفرنسية
هي خليط بين المدرستين الأمريكية و البريطانية ، حيث أخذت
بالتعميمات التي أنتجها علم السياسة الأمريكي المرتكز على العلوم الاجتماعية وعلم
السياسة البريطاني المرتكز على العلوم الإنسانية
كالتاريخ والفلسفة والاقتصاد ، مع استنادها
بالمقام الأول على العلوم القانونية والقانون العام خاصة ، الأمر الذي جعل المدرسة
الفرنسية لم تنفتح أكاديميا على الدراسة العلمية للظاهرة السياسية إلا من خلال
كليات الحقوق شعبة القانون العام.
العلوم السياسية كفروع أساسية وتخصص موضوعي لعلم سياسة واحد
هو علم السياسة المعاصر
لقد كان من نتائج اجتماع لجنة خبراء اليونسكو
بباريس ، طبع الكتاب الجماعي الصادر عنها سنة 1950 تحت عنوان "علم السياسة
المعاصر" والذي شكل ثورة علمية جذرية على كل المفاهيم السابقة في دراسة
الظاهرة السياسية ، بدءا من تغيير من الاسم التقليدي وهو العلوم السياسية باسم جديد وهو علم السياسة ، وقد تضمنت القائمة النموذجية الخبراء
اليونسكو اربعة فروع العلم السياسية أو ما النظرية العامة للسياسة وهي:
- النظرية السياسية وتاريخ الأفكار السياسية :
النظريةالسياسية تفسر ظواهر عالم السياسة بينما تاريخ الأفكار
السياسية يدرس أفكار الفلاسفة والمفكرين المسهمين في علم السياسة.
- النظم السياسية :
وتهتم بالنظم
الدستورية والمؤسسات السياسية وأنظمة الحكم المركزية والمحلية
- الأحزاب السياسية والرأي العام :
واللذان يمارسان نوعا من
السلطة غير المباشرة ، لكنها
تدخل في إطار نوع من الفعل السياسي الذي يصنع الظاهرة السياسية ،
ينضاف إلى ذلك المشاركة
السياسية للمواطن وحقه في المواطنة وإدارة الشأن العام واتخاذ القرار السياسي.
-
العلاقات الدولية :
وهي لب الظاهرة السياسية فالمجتمع الدولي
مسرح ضخم لدراسة الظاهرة السياسية وتحليل مستوى الصراع على السلطة في العلاقات
الدولية الذي يفوق مستوى الصراع على السلطة في المجتمعات الداخلية ، وهنا نتحدث عن
القانون الدولي والذي له ارتباط قوي بالعلاقات الدولية و علم السياسة.
و النظام البيداغوجي المغربي في تدريس العلوم السياسية يسير في
اتجاه نظيره الفرنسي منهجيا وتنظيميا، فهو يتبعه خطوة خطوة ، فبداية من الموسم
2015/ 2014 وفي شكل من التعسف الفكري في حصر وترتيب مواد القانون العام أسوة
بالنموذج البيداغوجي الفرنسي ، يتم تدريس مواد علم السياسة للطالب المغربي بصيغة
المفرد وبالفروع الأساسية التي تنتمي إليها أو تدخل ضمن مجال تخصصها الموضوعي أي العلوم السياسية بصيغة
الجمع كمعارف علمية أساسية في دراسة الظاهرة السياسية دراسة علمية وممنهجة .
هكذا يدرس الطالب المغربي في الفصول الأربعة
الأولى المدخل إلى العلوم السياسية و المدخل الى العلاقات الدولية والقانون الدولي
والنظرية العامة للقانون الدستوري والتنظيم الإداري ،
ثم يستكمل في مستويات أعلى مواد أخرى كالسياسات العمومية والفكر السياسي والمرافق
العمومية والقانون الدولي الاقتصادي الخ..
مفهوم العلوم السياسية
هو علم يعنى بدراسة منهج الحياة السياسية ، ويحاول علماء
السياسة الإجابة في هذا السياق عن أسئلة محددة، مثل : ما الأسباب التي تبرر
ممارسات الدولة ؟ ومن الذين تخدم الدولة مصالحهم؟ تتناول العلوم السياسية بالدراسة
والتحليل الأنماط المختلفة للحكومات والأحزاب وجماعات الضغط والانتخابات والعلاقات
الدولية والإدارة العامة. تنطوي هذه الأنشطة في إطارها الفردي والجماعي على علاقات
إنسانية أساسية.
إضافة لهذا، يهتم هذا العلم بدراسة القيم الأساسية، مثل
المساواة والحرية والعدالة والسلطة ترتبط العلوم السياسية ارتباطا وثيقا بالعلوم
الأخرى، مثل الاقتصاد والتاريخ والقانون والفلسفة والاجتماع.
فالعلوم الإقتصادية تتناول المسائل المتعلقة بالتحكم والسيطرة
على الموارد المادية، مثل تبادل السلع والخدمات، التي تؤثر تأثيرا مباشرا على
هياكل القوى السياسية ، وهذه تؤثر بدورها في السياسة الداخلية والعلاقات الدولية
أما التاريخ فذو صلة وثيقة بعلوم السياسة؛ لأن الحوادث التاريخية تعد مادة أولية
لابد للباحث السياسي من الإحاطة بها.
ويقدم القانون الإطار الفكري الذي يرتكز عليه عالم السياسة في
التحليل. وتربط فلسفة العلوم السياسة بالعلوم الأخرى، كما يزود علم الاجتماع
الباحث السياسي بمختلف
جوانب التطور الاجتماعي ذات الأثر المباشر على الحياة السياسية.
أهمية دراسة العلوم السياسية
ارتبطت أهمية دراسة العلوم السياسية في الأزمنة الحديثة بصعود
نجم الديمقراطية وانتشارها نظاما للحكم؛ فالعلوم السياسية تؤدي دورا مهما في تحليل
العمليات الحكومية، حيث يناط بعالم السياسة دراسة وتحليل عمليات الأجهزة الحكومية
كما ينصب الاهتمام في هذا الصدد على الإحاطة بالحقائق الأساسية المتعلقة بالحكومة،
مما يمكن من تقويم الأداء الحكومي وإصلاحه.
ويعد هذان العاملان من أهم مرتكزات الديمقراطية، إضافة لذلك
تناط بعلماء السياسة تطوير برامج التثقيف السياسي، وتدريب الأجيال الجديدة التي
بدونها لا يمكن للديمقراطية أن تزدهر. وقد اتسعت وتشعبت ميادين العلوم السياسية،
مما أتاح للمتخصصين والباحثين والمدرسين فرصا متنوعة للعمل في هذا المجال ، فهم
يشتركون كمستشارين في البرامج الحكومية، أو يقدمون النصح والمشورة للموظفين
العموميين.
مجالات العلوم السياسية
1.
النظرية السياسية والفلسفة 2. علم السياسة المقارن 3. العلاقات الدولية 4.
الحكومات الوطنية والعلوم السياسية 5. الإدارة العامة 6. السلوك السياسي
1-
النظرية السياسية والفلسفة
يستخدم علماء السياسة المدخل التاريخي في دراسة هذين الميدانين،
حيث يرى معظمهم أن تاريخ الفكر السياسي والفلسفة، يشكلان المنبع الأساسي الذي يجب
أن تنهل منه الدراسات السياسية ، وتشمل قائمة المصادر لهذا العلم مؤلفات علماء
غربيين مثل : أفلاطون وأرسطو وشيشرون وتوما الأكويني والقديس أوغسطين و نيقولو مكيافيلي وتوماس هوبز وجان جاك روسو وجون لوك ومونتسكيو وإيمانويل
كانط وهيجل وكارل مارکس وجون ستيوارت ميل .
كما تشمل مؤلفات المفكرين الإسلاميين مثل
الفارابي والماوردي والإمام الغزالي والإمام ابن تيمية وابن خلدون . وتمكن هذه
المصادر الكلاسيكية الباحثين في العلوم السياسية من التعمق في قضايا السياسة ،
بحيث يستطيعون الوصول إلى تعميمات صحيحة ودقيقة ترتكز على حقائق ثابتة، تتناول شتى
الموضوعات، مثل كيفية الوصول إلى السلطة والأسباب المفضية إلى انهيارها.
2-
علم السياسة المقارن
يرتكز فهم الحقائق والممارسات السياسية في
المقام الأول على مقارنة المؤسسات والممارسات السياسية في قطرين أو أكثر . ويتخصص
بعض علماء علم السياسة المقارن في مجموعة من النظريات السياسية مثل نظريات
التحديث، والتنمية، والبنيوية، والثقافات، والتبعية وتطبيقها منهجيا على دول أو
مناطق يختارها الباحث.
3-
العلاقات الدولية
يشمل هذا الفرع دراسة الدبلوماسية والقانون
الدولي والمنظمات الدولية والمحركات والمؤثرات التي لها أثر مباشر أو غير مباشر في
صنع السياسة الدولية . وقد ركز العلماء منذ عام 1945م على دراسة الأمم المتحدة وفي
الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين تركز اهتمام المتخصصين على دراسة الصين والبلدان النامية في إفريقيا وأمريكا
الوسطى وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا. كما أصبحت التيارات
الفكرية المعاصرة التي تشمل الإمبريالية والوطنية، موضوعات مهمة في دراسة العلاقات
الدولية .
كما تناول هذا الفرع من العلوم السياسية دراسة السياسات الدفاعية،
والمشكلات المتعلقة بالسلم والحرب إضافة لذلك قام علماء السياسة بدراسة أثر الضغوط
الاقتصادية على العلاقات الدولية.
4-
الحكومات الوطنية والعلوم السياسية
يعد هذا الفرع من المجالات التي يوليها علماء السياسة اهتماما
خاصا يفوق اهتمامهم بدراسة الحكومات الأخرى ، ويعزى هذا الأمر لإدراكهم أهمية
دراسة حكوماتهم الوطنية وتطورها.
5-
الإدارة العامة
تعد الإدارة العامة فرعا أو جزءا من دراسة علم السياسة المقارن
والشؤون السياسية الداخلية ، ويعزى استقلال الإدارة العامة
عن ميادين العلوم السياسية إلى اتساع وتعقد أنشطة الإدارة الحكومية المعاصرة.
وتتناول الإدارة العامة بالدراسة عدة موضوعات، مثل : واجبات الموظفين العموميين
والمحاسبة، وإدارة شؤون الأفراد ، وهناك تعاون وثيق بين الموظفين العموميين وعلماء
السياسة من المتخصصين في الإدارة حيث يقوم هؤلاء الخبراء بدراسة الإدارات المختلفة
للحكومات الوطنية، كما يحللون مدى تأثير التنظيمات والسياسات الداخلية للدوائر
الحكومية في الإسهام أو إعاقة تطبيق القرارت والبرامج الحكومية.
6-
السلوك السياسي
يحاول الدارسون في هذا الحقل معرفة كيفية استجابة الجمهور لبعض
المؤثرات السياسية ، ويمكن الاستشهاد في هذا الصدد بمحاولات بعض علماء السياسة
إحصاء عدد الناخبين الذين كان معيارهم لاختيار المرشح حسن المظهر الذي بدأ به عندما خاطبهم عبر جهاز التلفاز.
وتعكس الدراسات السلوكية التيارات
الجديدة في دراسات العلوم السياسية التي تأثرت بالإسهامات والتطورات في مجال
العلوم السلوكية، مثل علم دراسة الإنسان (الأنثروبولوجيا)، وعلم النفس والاجتماع.
وقد طور علماء السياسة مناهج تمكنهم من دراسة أنماط السلوك
الرئيسية في السياسة شملت هذه الدراسة عدة ميادين، مثل الاتصالات والسلوك
الانتخابي والدعاية ومختلف الأنشطة السياسية الأخرى.
مدخل لدراسة علم السياسة
إذا كانت الدراسة العلمية للظواهر الاجتماعية
والظاهرة السياسية بالدرجة الأولى تقتضي التحلي بشروط الاستقلالية والموضوعية ،
فهل للسياسة خصوصية تميزها عن باقي الظواهر الاجتماعية الأخرى ؟ وهل لعلم السياسة مناهج علمية خاصة به ؟ وهل يمكن دراسة
السياسة بشكل موضوعي وحيادي وتجريدها من الأفكار والأحكام المسبقة الجاهزة كظاهرة اجتماعية انسانية تخضع لشرط القوانين
العلمية كما هو حاصل في العلوم الطبيعية والفيزيائية التي تمكن الباحث من اكتشاف
القوانين الموضوعية التي تفسر الظاهرة وتتنبأ بمآلاتها المستقبلية ؟
وحتى لو تجاوزنا سؤال العلمية والموضوعية فهل نضمن سلامة
واستقلالية رصيدنا الفكري ؟ إننا عندما نفكر كشعوب متخلفة في الحقل السياسي نفكر
من خلال فكر ليبرالي نشأ هناك في أوروبا وأمريكا وتبلور هناك
وأوجد تفسيرات الظواهر سياسية تختلف عن تلك الموجودة في واقعنا ، فكيف لنا أن تدفع
الالتباس حول مفهوم الدولة مثلا ؟ أو مفهوم الحزب السياسي ؟ أو مفهوم السياسة ؟
فأكيد أننا ندرسها على ضوء واقع سياسي و اجتماعي معاش.
ثم ما مدى امكانية دراسة علم السياسة دراسة
علمية في العالم النامي ؟ هل هناك قواعد علمية تستطيع تفسير الظواهر السياسية هنا
؟ وهل تصح النظريات الفلسفية الغربية عند تطبيقها على مجتمع عربي مثلا ؟ وحتى إذا
تجاوزنا الاشكال الفكري والتاريخي والموضوعي ، هل الإصلاح البيداغوجي الجديد
يستجيب لشرط الرهان العلمي في تدريس مادة العلوم السياسية ؟ إننا نلاحظ تشتتا
معرفيا وفوضى بيداغوجية لدى المشتغلين على قضايا علم السياسية.
أهمية علم السياسة
تعتبر دراسة السياسة مهمة هائلة لكنها أيضا ممتعة ، فالسياسة عالم من التعقيدات الواسعة، والأسئلة
اللامحدودة ، و لنتأمل الأحداث السياسية السنوات
الأخيرة الماضية فقد سقط الاتحاد السوفياتي وتوحدت أوروبا وتم القضاء على نظام
التمييز العنصري في جنوب افريقيا وحدثت ثورات في الدول العربية وصعدت دول الشرق
لتنافس دول الغرب . لذلك فقد كان أرسطو واضع أسس علم السياسة محقا عندما أطلق على
علم السياسة سيد العلوم، وهو كان يعني بذلك أن كل شيء تقريبا يحدث ضمن إطار سياسي
، ذلك لأن قرارات دولة مدينة أثينا التي عاش فيها كانت تتحكم في معظم جوانب
الحياة.
ولنفترض أن كارثة طبيعية كالفيضان حدثت، فإن النظام السياسي هو
الذي يقرر ماذا كان ينبغي أن نبني من مصدات وأين تبني وأي من ضحايا الفيضان ينبغي
مساعدته، نعم الفيضان حدث
طبيعي ولكن تأثيره على المجتمع يسيطر عليه بدرجة كبيرة النظام
السياسي. وحقا فإن السياسة تشمل كل تلك القرارات التي تتعلق بكيفية صنع القوانين
التي تحكم الحياة المشتركة، هذه القوانين يمكن أن تتخذ بطريقة ديموقراطية أو
استبدادية، ويمكن أن تدعم السلام أو تشجع العنف، ومهما كانت تلك القوانين فإن
السياسة ترتكز على الاعتراف بأن حياتنا مشتركة طالما أننا نعيش في أماكن عامة
مشتركة مثل أقاليم الدولة.
باختصار فعندما ندرس السياسة سنرى أنها تمس كل
شيء كما يقول عالم السياسة روبرت دال.
يمكن أن نتحدث أيضا عن فوائد أخرى لدراسة علم السياسة وهي :
1)
الإعداد العلمي والمهني لشغر الوظائف العليا في الدولة
2) تنمية المهارات السياسية للأفراد وبالذات تلك
المتصلة بصنع القرار ومهارات التفاوض
وفن التعامل مع الناس. تلك المهارات مهمة للأفراد بغض النظر عن
الحقل الذي سيعملون
فيه عند التخرج.
3)
التمييز بين السياسة كعلم وفن ومبادئ وأخلاق وبين السلوك السياسي الذي قد يتطلب
الإصلاح.
الفصل الأول :
موضوع علم السياسة وذاتيته
سؤال الماهية يبحث في الحقيقة الشمولية للشيء ، أما سؤال
الذاتية فيبحث في حقيقة الشيء واقعيا عند عرضه على
البحث العلمي.
وباعتبار علم السياسة مهووس بتأكيد علميته ، يطرح سؤال الذاتية
والماهية والمطلوب عدم تغليب أحد المفهومين على الأخر.
الرصد
المفاهيمي لمفردات علم السياسة
أولا : تعريف العلم
العلم هو نشاط معرفي
خاص ، يقتسم مجمل أصناف المعرفة العلمية ، كمعرفة منظمة وموضوعية تنسج بين الظواهر
علاقات كونية ضرورية ومنتظمة تسمح بتنبأ النتائج والتحكم فيها عن طريق التجربة
العلمية ، فالمعرفة العلمية إذن معرفة منظمة ثم موضوعية ،
منظمة بمعنی أنها تننتظم فيها معلومات الباحث العلمي وفق إطار مفاهيمي منسق ومنتظم
يساعد على الاقتراب من الظاهرة ، وموضوعية حيث أنها تخضع للمنهج العلمي والتجربة
التي لا دخل للباحث فيها.
ثانيا : تعريف السياسة
عرفها قاموس ليتره الصادر سنة 1870 بأنها علم حكم الدول ،
وعرفها قاموس روبير الصادر سنة 1962 بأنها فن حكم المجتمعات الإنسانية ، وعرفها
قاموس کاسل بأنها الظاهرة التي ترتبط بالحكم والادارة ، أما قاموس لسان العرب فقد
عرفها بأنها القيام بالأمر وما يصلحه . وإذا ما عدنا إلى مفهوم السياسة فنجد أنها
تعني في اللغة ساس يسوس أي يتصرف في معالجة الأمور ، فالمعنى الحرفي بالعربية
لكلمة سياسة تستخدم للحيوان بمعنی روض و درب ، وللإنسان تستخدم بمعنی تولی امور
الناس بما يصلح دنياهم وأخراهم. أما في الإنجليزية فكلمة politics
مشتقة من لفظ polis
والذي كان يطلق على المدينة الدولة city-state عند اليونان ، وقد تطورت الكلمة فيما بعد وأصبحت
تطلق على فن الحكم وإدارة أمور الدولة داخليا وخارجيا.
أما تعريفها كعلم فهي مصطلح علمي معقد له تعريفات عديدة تتضمن
جوانب كثيرة، أهمها:
-
العلاقات الاجتماعية التي تشمل السلطة والحكم، كالعلاقة بين الحاكم والمحكوم،
وعلاقة الدولة بجيرانها، والعلاقة بين الحكومة والأحزاب السياسية، والعلاقة بين
الأحزاب السياسية...
-
الدراسات المتعلقة بالحكومة والمكونات السياسية الأخرى للدولة كالأحزاب السياسية
والنظام السياسي والدستور والعلاقات الدولية...
-
الوظيفة المتعلقة بالحكم و الشؤون السياسية، كالرئيس أو الوزير أو النائب...
-وجهات النظر المتعلقة بالمسائل السياسية.
لكن يمكن الحديث عن أربعة تصورات أساسية لمطلح سياسة:
اليونان ويرتبط بكلمة polis أي دولة المدينة ، يعاب على هذا
التصور أنه يعتبر السياسة
فنا وليس علما وبشكل يغرقه في مجال القيم والأحكام السياسية.
التصور الذي يعتبر السياسة نشاطا إداريا مرتبطا
بتسيير المجتمع ، وهو تصور يعود إلى
أرسطو الذي اعتقد بعدم قدرة البشر على إدراك الحياة الفاضلة إلا
في إطار مجتمع سياسي منظم يقترب من عالم المثل ،
بمعنى أن السياسة هي القدرة على تحقيق السعادة .
يعاب على هذا التصور النظرة الفلسفية المفرطة والمثالية
والشكلانية المخالفة للواقع. التصور الذي يعتبر السياسة آلية لحل
النزاعات بالتوفيق والتراضي بدل العنف والقوة ،
وهي نظرة أقرب إلى الصواب كون هذا المنحى لم يظهر إلا في
المجتمعات الحديثة
المنظمة والتي اختارت السياسة كشكل من أشكال التنظيم المجتمعي
المتحضر.
-
تصور يعتبر السياسة نظاما سياسيا يعمل بشكل تلقائي ونسقي من
أجل إحلال الانسجام
والاستقرار وفق آليات التفاعل الموضوعية بين مطالب محيط النظام
السياسي ومركزه .
ونشير هنا إلى فهم هانز مورجنتاو للسياسة حيث ينظر إليها كما هي
متجلية في الواقع ، فيعتبرها مجموعة من الوقائع الاجتماعية تخضع لقوانين موضوعية ،
ولعل هذا المنطق ينسجم إلى حد ما مع فهم أغلب الدارسين لعلم السياسة الذين درسوها
كوقائع اجتماعية بعيدا عن الطوباوية المثالية.
هذا الإصرار على الطابع العلمي للسياسة عند هانز يمليه أمران،
أولهما أن الوقائع الاجتماعية و السياسية تحكمها قواعد علمية وتخضع لقوانين معينة
تحكمها ، والثاني يتمثل في كون هذه القوانين الموضوعية التي تخضع لها السياسة تجد
جذورها في الطبيعة الإنسانية ، الأمر الذي يولد واقعا
استنتاجيا يتمثل في كون دراسة السياسة هي بشكل أو بآخر دراسة للإنسان نفسه ، ما
دام أن هذا الانسان يشكل هدف و موضوع دراسة السياسة ، لذلك يمكن اعتبار علم
السياسة علما إنسانيا بالدرجة الأولى ، ولكي نفهم السياسة يجب أن نفهم الإنسان وسلوكياته ، والإنسان
مخلوق غير كامل ، فهو إنسان خائف ، فيحرص على السلطة من أجل السيطرة على الآخرين
لاتقاء خطرهم ، والسياسة حسب هانز تحمل أثر السلطة أي الصراع من أجل السلطة ومزيد
منها ، وما دام الأمر كذلك فعلم السياسة هو علم دراسة السلطة ، فهي أهم خاصية
للإنسان ككائن سياسي ، مع فارق بسيط حيث يعتبرها البعض ليست دراسة للسلطة بل دراسة
للدولة.
إذن هناك اتجاهين رئيسين في تعريف علم السياسة .
الاتجاه الأول : يعرفها بأنها
"علم الدولة" أي ذلك العلم الذي يدرس الدولة : مفهومها ، تنظيمها
مؤسساتها ، تشكيلاتها ، ممارساتها ، وسياساتها .
الاتجاه الثاني : يعرفها بأنها "علم
السلطة" أي ذلك العلم الذي يدرس السلطة باعتبارها مفهومة العلاقات مبنية على
أساس التفاوت والاختلاف والصراع ، مما يتطلب وجود حقوق وواجبات والتزامات و
اختلافات الأمر الذي يفرض وجود سلطة.
جدلية السلطة والدولة
يخلط عامة الناس بين السلطة والدولة ، حيث
يعتقدون أن السلطة هي الدولة ، لكن الحقيقة أن هناك فرقا شاسعا بين المفهومين ،
فالدولة لها أركان ثابتة دائمة أما السلطة فهي زائلة ومتحركة.
الدولة تقوم على ثوابت ثلاثة ، الارض والشعب و قانون أساسي ينظم السلوكيات
والعلاقات ، بينما تكون السلطة الادارة القانونية للدولة ، أي أن السلطة
ما هي إلا آلة تسير أمور الدولة بموجب الدستور
والقوانين التي تسن من البرلمان.
أولا : السياسة كعلم لدراسة السلطة
الانطباع المبدئي لدى الإنسان العادي هو أن السياسة هي السلطة السياسية ، والسلطة توجد
فعلا دائما في قلب السياسي ، لكن لا يمكن فهمها إلا بوصفها معطى واقعي من خلال العلاقات التي تنسجها السلطة بين من يتولونها
ومجموع البنية السياسية والمجتمعية التي تمارس في إطارهما هذه السلطة . و ترتبط
هذه المدرسة ارتباطا عضويا بالمدرسة الحديثة ويمثل التعريف الذي تقدمه إضافة الى
تلك المدرسة من حيث الوضوح وتضييق مجال الدراسة. فيقول على أنها عملية صنع القرار.
حيث تركز هذه المدرسة على :
1- خطوات صنع القرار، 2- المؤسسات المعنية بصنع
القرار ، 3- دور القادة واختياراتهم ، 4- نوع القرارات المتخذة.
-
المستوى القانوني في فهم السلطة
أ- السلطة كآلية تنفيذ لصلاحيات قانونية أسندت
إلى أصحابها بشكل قانوني .
ب- تزاوج مفهوم السلطة مع مفهوم الشرعية .
فالمفهوم الأول يشير
إلى الأهلية القانونية التي تسمح لمن يمسك بالسلطة أن يمارس صلاحيات معينة بناء
على آليات قانونية . بينما المفهوم الثاني يشير إلى الأهلية السياسية للشخص في
ممارسة السلطة بناء على ما يملكه من أحقية أو رصيد معنوي کالكاريزما أو المشروعية
التاريخية أو المشروعية الدينية أو غيرها حسب نوع الايديولوجيا السائدة المبررة
للسلطة
-
المستوى العلمي في فهم السلطة
يمكن الاستعانة هنا بنموذج بایشلر الذي يقارب
هنا السلطة من خلال ثلاث حقول دلالية :
أ- الحقل الدلالي الأول : يقارب السلطة
من جانب القوة كمنطق موضوعي للسلطة ، فالسلطة ترتبط بالقوة وكأنها شرط أساسي
للدلالة على وجودها . وهنا نجد صاحب قوة ماسكا بالسلطة ومهددا باستعمالها بينما
هناك عنصر الخوف من جانب من تمارس عليه السلطة .
ب- الحقل الدلالي الثاني : يقارب السلطة
من جانبها التأثيري، فنكون بصدد کاریزما قوية تمارس تأثيرا على طرف آخر يتميز
بالرضا والقبول ، وهنا نتحدث عن الحرمان كجزاء لمن يخرج عن طوع السلطة أو يتمرد
ضدها .
ت- الحقل الدلالي الثالث : يقارب السلطة
من جانبها السياسي ، فتستمد السلطة قوتها من الشرعية القانونية ، بينما الخاضع
يتميز بالموافقة ، والجزاء المترتب عن الانشقاق هو الإقصاء .
إذن لكل شكل من أشكال هذه السلط منطقها الخاص وقد يتم الجمع بين
هذه الأشكال الثلاث ، وفي جميع الأحوال فإن طبيعة السلطة يمكن حصرها في ثلاث أشكال اساسية :
1-
السلطة الرادعة : القائمة على العقاب على من لا يطيع
2-
السلطة المكافئة : التي توزع الموارد توزيعا سلطويا
3-
السلطة المقنعة : فتعتمد على الاقناع وهي الاقوى تأثيرا
-
المستوى الواقعي في فهم السلطة
نتحدث هنا تعني مراقبة أفراد من قبل شخص واحد ، فهي علاقة نفسية
بين طرفين تتم عن
طريق توجيه الأوامر أو التهديد باستعمال العنف أو امتثالا
لشخصية لها كاريزما معينة ، بمعنی أن ممارسة السلطة هنا تتم
كأنها ظاهرة اجتماعية سيكولوجية ترتبط بممارسة التأثير على الآخرين وإخضاعهم طوعا أو كرها ، لكن هذه الممارسة تتم بناء حيازة
صاحب السلطة المصادر التأثير والإخضاع والتي
توجد على مستويين ،
الأول مستوى مادي ويختزل مختلف عناصر القوة من وسائل الردع والإكراه المادي ، والمستوى الثاني هو مستوى الإقناع ، فبعد عملية التهديد و عملية الإقناع تحصل علاقة سلطة وعليه فالسلطة في هذا المستوى الواقعي تمارس
عبر أوامر تنفذ في مجال ترابي معين ومحدد عن طريق نظام إداري يحتكر أدوات العنف .
ثانيا :
السياسة كعلم لدراسة الدولة
هذا القول يسمح به اعتراف رواد نظرية السلطة
الذين يعترفون بأن السلطة تبلغ في الدولة أبهى صورها ، فالسلطة في إطار دولة تكون
في أقوى تمظهراتها .
وأغلب النظريات التي تقول بأن السياسة هل علم دراسة الدولة
تستند إلى الفلسفة الأرسطية وبالضبط كتاب السياسة لأرسطو ، فالسياسي هو كل من له
علاقة بالدولة ، وأغلب النظريات الحديثة لم تحمل جديدا خارجا عن تصورات أرسطو
للدولة المدينة التي لم يكن إي إدراك للسياسة خارج نطاقها ، هكذا ظهرت الدولة
الليبيرالية التي عرضت دولة المدينة عند اليونان ، وأصبحت الدولة القومية أرقي شكل
من التفكير السياسي عرفه الإنسان الأوروبي خلال القرن 16م.
صحيح أن الرأي الذي ينتصر
للدولة كموضوع الدراسة علم السياسة له ما يسنده في التاريخ والواقع ، وصحيح أن
المجتمع الدولي نفسه لا يقر بوجود سلطة سياسية إلا داخل دولة منظمة ذات سيادة وضمن
حدود إقليم معين ، لكن هذا لا يجب أن ينسينا أن السلطة سابقة على الدولة ، وأن
الإقرار بالسياسة كعلم للدولة دون احتمال وجود عناصر أخرى تقلص من غلوائه سيحيد
بنا إلى إقصاء تلك المظاهر السياسية للحياة
المجتمعية التي عرفتها البشرية لمجرد غياب الحس تقوم بوظائف الدولة كالحكومة والبرلمان ومؤسسة
الرئاسة.
ذاتية علم السياسة
إذا كانت الدراسة العلمية للظاهرة السياسية لا
تستقيم منهجيا دون تحريرها من المعيارية والاخلاق والايديولوجيا فإن مبدأ النسبية
والقطع مع الأحكام المطلقة يفرض تعريض مجمل تساؤلاتنا عن حدود التداخل بين مختلف
العلوم الاجتماعية و العلوم السياسية.
أولا : علاقة علم السياسة بالفلسفة السياسية
هناك فرق كبير بين علم السياسة والفلسفة
السياسية، فعلم السياسة علم وصفي تحليلي يقوم فيه عالم السياسة بوصف النظم
السياسية المختلفة وتحليل الفروقات بينها في ضوء ما يعرفه عن الحكومات وأنواعها
وسلطات الدولة المختلفة و علاقتها ببعضها البعض؛ فهذا نظام سياسي رئاسي وهذا نظام
برلماني وهذا نظام يجمع بين هذا وذاك. فباختلاف بيئات البشر وتجاربهم في إنشاء
مدنهم وتطورها تختلف طبيعة النظام السياسي لكل منها ، فبعضها تعود على الحكم
الملكي وبعضها يميل إلى الحكم الرئاسي الديمقراطي ، وبعضها يفضل حكم القلة
والأخرون يفضلون حكم الفرد وإن كانت الأغلبية من البشر تفضل حكم الشعب بالشعب
للشعب.
فعالم السياسة وظيفته تحليل هذه النظم السياسية
كما صنعها أصحابها ويقارن بينها محاولا الوصول إلى أكثر الصيغ ملاءمة للارتقاء
بحياة البشر، عالم السياسة يصف ، يحلل و يفسر . أما فيلسوف السياسة فهو يتجاوز
الوصف والتحليل والتفسير إلى رسم صورة لما ينبغي أن يكون عليه حال الدولة.
إنه يحاول وضع مثال للدولة ولنظامها السياسي
بصرف النظر عن ما يجري في الواقع وإن كان يضعه في اعتباره حين التحليل ووضع
المثال.
إن علم السياسة يختلف عن فلسفة السياسة اختلاف العلم عن الفلسفة
عموما؛ فالعلم دراسة وصفية تجريبية بينما الفلسفة دراسة معيارية، العلم دراسة لما
هو كائن، والفلسفة تصور لما ينبغي أن يكون العلم يدرس الجزئيات والفلسفة دراسة
للكليات. نتائج العلم تتسم بالضبط والدقة وهناك معايير لقياسها والتأكد من صحتها ،
بينما لا يملك الفيلسوف إلا الحجج العقلية التي يمكن أن يؤكد من خلالها صدق
تصوراته.
ومع ذلك فإن المذاهب الفلسفية حتى في فلسفة السياسة تعلو فوق
الزمان والمكان ويمكن أن يستفاد بها في أي عصر لأنها وبحسب طبيعتها تركز على ما هو
جوهري في حياة الإنسان السياسية؛ فما من إنسان إلا ويرغب في أن يعيش حياته
السياسية والاجتماعية شاعرا بالحرية ومتمتعة بالعدالة وهذا
هو حلم الفلاسفة في أي مجتمع سياسي مثالي ينشدونه.
إن الفلاسفة لا يقدمون في
الفلسفة السياسية مذاهب مغلقة ، بل يقدمون تصورات للدولة المثالية وللحكومة
المثالية وصور العدالة وكيفية تحققها في المجتمع سياسية واقتصادية واجتماعية ، هذه
التصورات قابلة للحوار والنقاش والتعديل حسب ظروف كل مجتمع سياسي. والحقيقة التي
ينبغي أن نؤكد عليها هنا أن الفلسفة السياسية طوال تاريخها ولدى كل ممثليها عبر
العصور لم تتطور إلا عبر عاملين اثنين ، هما الرؤية النقدية التي يقدمها الفيلسوف
اللاحق على سابقيه، والظروف المستجدة في كل عصر على كافة الأصعدة العلمية
والسياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى جانب المبادئ الفكرية السائدة في هذا العصر
أو ذاك.
المعرفة الفلسفية إذن لا تلتزم بمنهج الملاحظة والتجريب والحياد
والموضوعية ، بينما العلم يحترم هذه المبادئ ويقوم عليها.
مفهوم القطيعة الإبستمولوجية
هو مفهوم محوري في الفلسفة الباشلارية نسبة إلى الفيلسوف
الفرنسي باشلار ، المعروف بفلسفة القطيعة الابستيمولوجية ، وقد اهتدى إلى بلورة
هذا المفهوم عبر تحليله للمعرفة العلمية مستنتجا منها أنها معرفة متأثرة باللاشعور
والكبت وغيرها من الاعتبارات النفسية . ومن أجل تخليص المعرفة العلمية من هذه
العوارض النفسية حاول باشلار أن يتخذ موقفا وسطا بين العقلانية المثالية الغارقة
في التأمل و الأنساق الفلسفية والمبادئ القبلية وبين
التجريبية المثالية الغارقة في الحس والواقع والمناهج العلمية ، وعليه سما باشلار
فلسفته بالعقلانية التطبيقية التي عنون بها كتابة سنة 1948 ، هذه الفلسفة تقوم على
التوفيق بين العقل والتجربة ، وراج منذئذ مفهوم
القطيعة الإبيستيمولوجية.
هنا نلاحظ الفرق الجوهري بين الفلسفة السياسية وعلم السياسة
والتي يمكن إجمالها في :
-
على مستوى الموضوع : الفلسفة السياسية لا تعالج فقط الواقع السياسي بل
تتطرق إلى
الأخلاق والعرف إضافة إلى أنها تقدم ما يسمى ما وراء النظرية أو
نظرية النظرية .
-
على مستوى المجال : الفلسفة السياسية تنبري لبناء نظريات استكشافية
شاملة في السياسة ولا تتطرق الى
شرح اسباب واقعة سياسية معينة .
- على
مستوى المعايير : العلم يتصف بالثبات أما الفلسفة فلا ، فالفلسفة
كالفكر القانوني
عندما يكون بدون اجتهاد قضائي يعطيه دلالاته التطبيقية العملية.
ثانيا : علاقة علم السياسية بالموضوعية العلمية
الموضوعية العلمية التي يروم علم السياسة تحقيقها تصطدم
بالتأثيرات الاجتماعية المتقلبة وبالاسقاطات الذاتية للباحث ، ولا يمكن التجرد
منها بشكل مطلق لتحقيق النقاء العلمي الموضوعي في دراسة الظاهرة السياسية ، والتأثيرات الاجتماعية ترتبط بأخلاق المجتمع والسلوكات السائدة فيه لذلك
يصعب التخلص منها ، كما أن الظاهرة السياسية تستبعد الأخلاق وتقلص من رأي علماء
السياسيين المحايدين ، فلا تجد إلا الاستقطاب السياسي ، فتصبح السياسة لعبة ، لا
تتدخل فيها سوى البنيات السياسية والمؤسسات والاشخاص السياسية ، بحيث يكون الكل
فاقدا لخصائصه الذاتية النوعية ، أما الدراسة للظاهرة السياسية العلمية الموضوعية
فيجب قبل دراستها تشييئها ودراستها على اعتبار أنها أشياء من الأشياء وتجريدها ما أمكن.
ثالثا : علاقة علم السياسة بالأحكام السياسية العامة
الأحكام هي القيم العامة التي على أساسها تقع ردود الأفعال ، و وجود الأحكام في النشاط
هذه الأحكام ، حيث يتطلب الأمر تصنيف جميع القيم الممكنة التي
يتحرك الإنسان على ضوئها.
وتصنيف الأحكام عملية ممكنة في إطار تبويبها في الحقول العامة
كحقل الديمقراطية أو حقل التقدم ، مع أن الإنسان يمكنه أن يعتنق عددا لا يستهان به
من الأحكام والقيم في نفس الوقت ، كما أن تحديد القيم هي مسألة نسبية وقابلة
للتغيير لدى الأفراد والاحزاب والانظمة السياسية.
رابعا : علاقة علم السياسة وعلم الاقتصاد
هناك علاقة وطيدة بين علمي السياسة والاقتصاد
ناتجة عن التداخل الواضح بين الأوضاع السياسية والاقتصادية ، حيث يوجد تأثير
متبادل بينهما ، فمثلا نجد أن هناك علاقة ارتباط بين كيفية توزيع الدخل (وضع
اقتصادي والاستقرار السياسي داخل المجتمع (وضع سياسي). كذلك نجد أن الثورات الكبرى كالثورة الفرنسية
(1789) والثورة الروسية (1917) جاءت على إثر أوضاع اقتصادية غير صحية (انتشار
الفقر والجوع وعدم عدالة التوزیع). أيضا نجد أن المحرك الأساسي للاستعمار (الذي هو
ظاهرة سياسية) كان سعي القوى الاستعمارية الأوربية إلى الحصول على مصادر رخيصة للمواد الخام ، وفتح أسواق جديدة لتصريف منتجاتها
الفائضة) عوامل
اقتصادية) ، كذلك فموضوعات الثروة والدخل وأوضاع الطبقة العاملة وسياسات توزيع
الدخل والضرائب كلها موضوعات اقتصادية لكنها محل اهتمام علم السياسة في ذات الوقت
، كما أن السياسات الاقتصادية توضع من جانب الساسة.
خامسا : العلاقة بين علم السياسة وعلم الاجتماع
هناك ارتباط قوي بين علمي السياسة والاجتماع ، ويرجع ذلك إلى
الارتباط القوي بين الأوضاع الاجتماعية والأوضاع السياسية للمجتمع ، فمثلا البناء
الاجتماعي السليم للمجتمع (طبقة غنية قليلة العدد _ طبقة وسطى ضخمة _ طبقة فقيرة قليلة العدد) ينعكس إيجابيا على الاستقرار
السياسي للمجتمع والعكس صحيح ، فالتفاوت الطبقي الحاد (تضخم الطبقة الفقيرة وتآكل
الطبقة الوسطى) يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي للمجتمع. كذلك هناك موضوع مثل
التنشئة السياسية للفرد هو محل اهتمام مشترك العلمي السياسة والاجتماع ، فالتنشئة
السياسية هي العملية التي من خلالها يكتسب الفرد معارفه وتوجهاته وآرائه وأفكاره
السياسية ، وهي عملية تراكمية تتم خلال سنوات عديدة من عمر الفرد ومن خلال مجموعة
من المؤسسات الاجتماعية مثل الأسرة والمدرسة ودار العبادة والحزب والجامعة وغيرها.
سادسا : العلاقة بين علم السياسية والأنثروبولوجيا
يعرف الأنثربولوجيا بعلم الإنسان ، وهو يهتم بدراسة الأجناس
البشرية وتطورها ، لذلك فهو يرتبط بعلم السياسة نظرا لأن الاختلاف بين الأجناس على
مر الأزمان كان محركا للصراع السياسي ، من هنا فإن دراسة الأقليات والجماعات
العرقية هو محل اهتمام مشترك العلمي السياسة والأنثربولوجيا ، وكذلك الحال بالنسبة
لموضوع التفرقة العنصرية (مثل حالة جنوب أفريقيا حيث استعلاء الأقلية الأوربية
البيضاء على الأغلبية السوداء) فهو موضوع طالما انصب عليه اهتمام علماء السياسة
كما تناولته الأبحاث الأنثربولوجية.
سابعا : العلاقة بين علم السياسة والتاريخ
يقدم التاريخ العالم السياسة سجلا غنيا بالمعلومات والبيانات
الخاصة بالواقع السياسي يمكن الإفادة منها في صياغة قواعد علمية عامة تستخدم في
فهم وتحليل وتفسير ذلك الواقع ، ومن هنا فالارتباط قوي بين علم السياسة والتاريخ
فلا غنى لكليهما عن الآخر ، ولعل خير تعبير عن ذلك مقولة " علم السياسة بلا
تاريخ كنبات بلا جذور والتاريخ بدون علم السياسة كنبات بلا ثمر"|
ثامنا : العلاقة بين علم السياسة والقانون
- وجود فرع
رئيسي من فروع علم
السياسة يعتمد
في دراسته
على المنهج
القانوني
وهو القانون الدستوري .
- القانون الدولي كذلك يعتبر
فرعا مشتركا بين المعارف السياسية والقانونية ، حيث ينصب
على دراسة العلاقات السياسية الدولية بمنهج قانوني .
- موضوع نظرية الدولة هو أيضا من الموضوعات المشتركة التي يهتم
بها علماء السياسة وفقهاء القانون
، باعتبار أن الدولة هي مجتمع سياسي يسوده القانون .
- موضوع شرعية السلطة والتي تعني مدى دستورية السلطة، أي مدى
التزامها بالقانون
فهي شرعية طالما التزمت بالقانون والعكس صحيح.
تاسعا : العلاقة بين علم السياسة وعلم النفس
يعتبر علم النفس كذلك
من العلوم التي تتداخل معرفيا مع علم السياسة ، وهناك فرع مشترك بين العلمين يعرف
بعلم النفس السياسي ، وهو يهتم بدراسة تأثير العوامل النفسية على السلوك السياسي
للأفراد. فمثلا يقال إن العصبيين (نفسيا) لا يطيقون الجور السياسي ودائما ما يتصف
سلوكهم السياسي بالتهور. وقد حاول البعض تفسير السلوك السياسي لبعض القادة
التاريخيين استنادا إلي ظروفهم النفسية ، فمثلا يقال إن السلوك التوسعي العدواني
لكل من نابليون وهتلر وموسوليني يرجع إلى عقدة نفسية لديهم أساسها لأنهم كانوا
قصار القامة، وبالتالي حسب هذا الرأي فقد انعكست هذه العقدة على سلوكهم السياسي
عندما أصبحوا قادة لدولهم ، فشرعوا في غزو
الشعوب الأخرى لإثبات ذواتهم والتخلص من مركب النقص.
الفصل الثاني :
علم السياسة كممارسة علمية مضطردة
أصبحت الجامعات تعترف بعلم السياسة كعلم أو فرع من العلوم
الاجتماعية والإنسانية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وترسخ هذا الاعتراف بإنشاء كل
من المدرسة الحرة للعلوم السياسية في باريس عام 1872 ومدرسة لندن لعلم الاقتصاد
والسياسية ، وقد تأكدت أهمية هذا العلم باعتماده كمادة للتدريس في الجامعات
الأوروبية بصفة عامة والجامعات الأميركية بصفة خاصة.
وقد أدى وجود عوامل عديدة
للإهتمام بعلم السياسة ، اقترن ذلك الاهتمام بالمزيد من الاتجاه نحو الدراسة
الاستقرائية لمختلف الظواهر السياسية كالأحزاب السياسية والرأي العام وجماعات
الضغط والمصالح وغيرها خاصة في الولايات المتحدة حيث غلبت فيها النزعة المنهجية
لدراسة الوقائع والجزئيات إلى درجة أحدثت تطور منهجية جديدة جعل علماء السياسة
فيها يتبنون نظريات جديدة.
التأصيل التاريخي للممارسة العلمية في علم السياسة
أدت القطيعة الابستمولوجية بين الأخلاق
والواقع إلى ظهور علم السياسة الحديث ، والتيعرفت استعمال أدوات البحث العلمي في
التحليل السياسي ، مع دور كبير للفلاسفة السياسيين وعلماء الاجتماع والسياسة الذين
ساهموا في علموية السياسية ، ويمكن الحديث بمناسبة تاريخ العلوم السياسية عن
مرحلتين أساسيتين :
أولا :
مرحلة مخاض علم السياسة
تمتد هذه المرحلة من
القرن السابع إلى بداية القرن التاسع عشر ، هي مرحلة طويلة استغرقتها مرحلة مخاض
علم السياسة ، وتأسست فيها أغلب النظريات السياسية المفضية إلى علم السياسية ،
وكذا المناهج العلمية الأكثر رجاحة وموضوعية في الإلمام بالظاهرة السياسية .
ميز هذه المرحلة الميول نحو التفكير الفلسفي و هيمنة القيم
المعيارية على دراسة الفكر السياسي والاستظلال بالفكر السياسي اليوناني وغلبة
الميتافيزيقية التي سيطرت على أغلب التنظيرات السياسية ، بمعنى غلبة الطرح الفلسفي
والأخلاقي ، ويمكن الحديث هنا عن مفكرين مهمين للفكر السياسي في هذه المرحلة هما
أرسطو و ميكيافيلي .
أرسطو : المعلم الأول
يمكن اعتبار أرسطو الرائد الأول المدشن لعلم السياسة ، وقد
اعتمد منهج الملاحظة والاستقراء انطلاقا من الدولة الواقعية أمامه ، وقد حاول في
كتابه السياسة أن يصنف ستة أنواع من الحكومات والحكم عليها من وجهة نظر أخلاقية
تقترب من المثالية متأثرا في ذلك بأستاذه أفلاطون ،
هكذا اعتمد أرسطو نظرة إجرائية للمجتمع كإجراء أولي للدولة المثالية واهتم بأدق
التفاصيل في دراسة هيكل المجتمع وطريقة توزيع الثروة ونوع السياسة العامة التي
يتبعها النظام السياسي ، لكنه لم يفصل بين ما هو أخلاقي وما هو سياسي .
ميكيافيلي : المعلم الثاني
نيكولا ميكيافيلي هو المعلم الثاني في مرحلة المخاض لنشوء علم
السياسة المعاصر ، وقد اعتبرت أفكاره ثورة في التفكير السياسي ، ذلك أنه اعتمد
لأول مرة بعد أرسطو طريقة الاستقراء العلمي الحديث المبنية على الملاحظة والالتزام
بالمنهج الموضوعي القاطع مع الأخلاقيات الدينية والمثالية الفلسفية ، وهو ما دونه
في كتابه الأمير سنة 1573 ، وخرج فيه عن المألوف في عالم السياسة فكان بذلك إمام
الواقعية السياسية في العصور الحديثة . كتابه الأمير عبارة عن نصائح موجهة للأمير
يتعين عليه مراعاتها ضمانا للقوة ، فقد فصل ميكيافيلي بين الأخلاق والسياسة ، مع التركيز على ضرورة تحلي الأمير باليقظة والفطنة تجاه
الأخطار التي تحيط به وتهدده من الداخل والخارج، مع ضرورة التكيف مع جميع الأوضاع وبالخصوص أن لا يكون طيبا دائما ، فيختار الوقت الذي يكون
فيه طيبا والوقت الذي لا يكون فيه كذلك ، فيري ميكيافيلي أن عالم السياسة لا مجال
للأخلاق فيه ، ولا مجال لاعتبارات الفضيلة و الطيبوبة ، لأن الطبيعة البشرية فاسدة وماكرة ، والسلطة السياسية قوة
يتم امتلاكها لأجل إقامة الدولة ، فالدولة قوة ، عليها أن تدافع عن نفسها بكل
الوسائل ، واستمرارها رهین فقط بالقوة . لكن يمكن القول أن كتاب الأمير عبارة عن
نصائح ولا ينتمي إلى منهج العلم التجريبي ، فميكيافيلي بدأ واقعيا وانتهى لا علميا
، قدم إسهامات في فن السياسة وليس علم السياسة .
ابن خلدون : مؤسس علم الاجتماع
هو ذروة الفكر العقلاني
في علم الاجتماع السياسي الحديث ، وذروة الفكر العقلاني في الفكر السياسي العربي
الاسلامي ، والذي لم يكتب له الاستمرارية في التنظير وتطوير أصوله الفكرية
والسياسية على غرار الفكر السياسي الغربي المسيحي الذي له تاریخ متسلسل متطور
وممارسة
علمية وتنظيرية مطورة لذاتها وممتدة إلى عصرنا الحالي . يجعل
ابن خلدون السياسة موضوعا لعلم نظري، ويقسمها إلى ثلاثة أقسام القسم الأول موضوعه
تحديد العلاقة بين السلطان والرعية، والقسم الثاني يحدد تصرف الحكومة نحو الأفراد
فيما يتعلق بالمسائل العامة ويتعلق بالتشريع ، والقسم الثالث يختص بنظام الخلافة، وضرورتها وأساسها من الدين والعقل . ويربط ابن خلدون بين السياسة
والأخلاق، فيرى أن الأخلاق تكسب الدولة القوة، و أن زوال الأخلاق سبب لضعف الدولة
وانهيارها ، لذا ربط ابن خلدون بين الظلم وخراب الدول حيث يقول : " فإن الملك
إذا كان قاهرا باطشا بالعقوبات، منقبا عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم شملهم الخوف
والذل ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة فتخلقوا بما فسدت بصائرهم وأخلاقهم،
وربما خذلوه في مواطن الحرب والمدافعات وفسدت الحماية بفساد النيات، وربما اجتمعوا
على قتله ، لذلك تفسد الدولة ويخرب السياج).
أما السياسيات فيقسمها ابن خلدون إلى أربعة أنواع ،
أولا : سياسة دينية مستمدة من
الشرع ، منزلة من عند الله وهي نافعة في الدنيا والآخرة. ثانيا : سياسة
عقلية تتمثل في القوانين المفروضة من " العقلاء وأكابر الدولة و بصائرها
" وهي النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار.
ثالثا : سياسة طبيعية، وهي حمل
الكانية على مقتضى الغرض .
رابعا : سياسة مدينة " وهذه
المدينة الفاضلة عندهم نادرة أو بعيدة الوقوع، وإنما يتكلمون عنها على جهة الفرض
والتقدير، ويسمون المجتمع الذي يحصل فيه ما يسمى من ذلك بالمدينة الفاضلة
والقوانين المراعاة في ذلك بسياسة المدينة" ويبدو جليا تأثر ابن خلدون بفلسفة
أرسطو وعقلانيته ، وواقعيته ساهمت كثيرا في بلورة تفكيره ، كما سمحت له أن يصل إلى
مجال التنظير للمجتمع وللسياسة والعمل السياسي ، لكن ابن خلدون ظل وفيا لما يجب أن يكون عليه النظام السياسي في الدول
الاسلامية ، فهو يفضل نظام الخلافة ، و يرى فيها أفضل نظام سياسي ، ويعرفها بأنها
: " حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالح الناس الأخروية والدنيوية،
وهي في الحقيقة نيابة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا " ، ويلخص
ابن خلدون شروط الخلافة في:1/ الإجماع، وهذا راجع إلى اختيار أهل الحل والعقد ،2/ العلم
، 3/ العدالة 4/ الكفاية وسلامة الحواس والأعضاء مما يؤثر في الرأي والعمل، 5/
النسب القرشي و ذكر ابن خلدون أن هذا الشرط قد اختلف عليها وإذا أردنا تحديد
العناصر الأساسية المتحكمة في التنظير الخلدوني ، يمكننا حصرها في ثلاث معطيات
أساسية :
1-
المعطي الأول : ينبعث من الرفض المبدئي للطوباويات والمثاليات
العدمية التي ميزت الفكر الأفلاطوني .
2- المعطى الثاني : يكمن في
استعمال العقل المجرد ، أي دراسة الواقع دراسة عقلانية و موضوعية .
3- المعطى الثالث : تنظيم المجال
السياسي بإعمال العقل ، هذا التنظيم يحكمه عنصران ، عنصر الطبيعة وعنصر القاعدة ، والطبيعة عند المفكرين هي قوة
الإرادة لا قوة التأمل ، يقول ابن خلدون " السلطان مالك الرعية ، القائم على
أمورهم ، والحاكم بمقتضى الطبيعة البشرية .
ويبقى أهم ما أتی به ابن خلدون في العلوم السياسية هو
مبدأ " العلية الطبيعية " وهو الأمر الذي قاده إلى دراسة علم الاجتماع ،
والاعراض عن السياسة ، أي الأعراض عن ما يجب أن يكون ، والاهتمام بما هو واقع ،
فالسياسة عنده تخضع لقوانين المجتمع وهي المسؤولة عن
قيام المجتمع، ويسميها طبائع العمران .
فكر ابن خلدون لم تكتشفه أوروبا إلى مع
مطلع القرن 19 حيث ترجم بعض مؤلفاته دي ساسي ، أما الفكر الاسلامي فلم يستفد من
منهجه العلمي في تفسير الظواهر الاجتماعية والسياسية .
واقعية بودين
هو فقيه قانوني وسياسي
فرنسي مشهور ، وأحد البارزين في تأسيس الفكر السياسي المعاصر ، شكلت نظرياته في منهجية علم السياسة المعاصر تأثيرا مماثلا لما شكلته نظريات أرسطو
في السياسة لدى اليونان ، بل يمكن اعتبار أن بودين قد بلور الفكر الواقعي وأعاد له
التوازن المفتقد في واقعية ميكيافيلي المنفلتة من أي عقال قانوني أو أخلاقي ، وإذا
كان ميكافيلي قد برر للملكية الاستبدادية وفصل
ما هو أخلاقي عن ما هو سياسي ، فإن علم السياسة عند بودين يمدد لفكرة الاستبداد
ويجد مبررا شرعيا لها يتمثل في تخليص فرنسا من الخلافات الدينية التي كادت أن تعصف
بوحدة البلاد . ورغم أن بودين يرجع بالسياسة إلى أخلاقيات أرسطو ، لكنه استطاع
كفقيه قانوني أن يخلط ما بين التحليلات القانونية الميتافيزيقية بالتحليلات
الاجتماعية ، وأن يبلور نظرية أساسية في المعرفة السياسية هي نظرية سيادة الدولة ،
هاته النظرية جعل منها حجر الزاوية في كيان الدولة وقبلها النابض ، وقال بأن
الدولة لا يمكن أن تستتب إلا عن طريق نظام ملكي مستبد . بودين يرى أن الدولة أصلها
هو استعمال القوة وممارسة العنف ، لكنه يتساءل كيف يمكن أن تكون هذه الدولة جامعة
بين منطق القوة ومنطق الحق ، وهنا يقول بأن هلاك الدولة بأمرين : استبداد الحاكم
واستبداد الشعب ، فاستبداد الحاكم نموذجه فكر ميكافيلي ، حيث تستبعد الأخلاق من الحق السياسي وعلى رأسها العدالة
فتنهار الدولة ، ثم استبداد الشعب واستهتاره بالدولة .
مونتسكيو
فیلسوف فرنسي عاش في القرن 17 ، وهو صاحب نظرية فصل السلطات
الذي تعتمدها غالبية الأنظمة السياسية حاليا في كتابه روح القوانين شرح الفرق بين
ثلاثة أنواع من أنظمة الحكم :
1- الملكية : يرث
الحاكم فيه السلطة.
2- الديكتاتورية : يحكم
الحاكم فيه وحده دون حدود قانونية ويثبت حكمه بواسطة الإرهاب .
3- الجمهورية : نظام يحكم فيه الشعب أو ممثلوه. پری مونتسكيو أن نظام الحكم الأمثل هو النظام الجمهوري.
وقد ادعى أن على كل نظام حكم أن يصبو إلى ضمان حرية الإنسان ومن
أجل ذلك يجب الفصل بين السلطات والحفاظ على التوازن بينها ، هذه السلط هي "
السلطة التنفيذية. السلطة التشريعية السلطة القضائية."
حصلت نظرية مونتسكيو على العديد من المؤيدين في أوروبا وأثرت
مبادئها على دستور الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى دساتير العديد من الأنظمة
الديموقراطية في عصرنا ، كما ساهم كتابه روح القوانين في التأكيد على مبدأ الشرعية
الذي سيشكل أساس الدولة الغربية الحديثة إضافة إلى صرامة منهجه العلمي الذي يقترب
من منطق البحث العلمي ، أما طرحه الأخلاقي فهو موجود لكنه طرح نسبي إذا ما قورن
بالطرح الموضوعي.
وتبقى نظرية مونتسكيو عن الحرية هي أعظم نتاجاته و أكثر أفكاره
خصوبة و ثراء. ومن ثم فقد احتلت مكانة سامية في نسقه السياسي و الفلسفي. و لعل
السبب في ذلك هو ما كانت تعانيه فرنسا في ذاك الوقت من الخضوع تحت نير الحكم
الاستبدادي المطلق، فكان مونتسكيو يريد أن يخلص بلاده من هذا
الاستبداد الذي كان يعتبره مرض النظم السياسية الذي يهددها بالفناء.
و يتسائل مونتسكيو عن مفهوم الحرية السياسية لأن كلمة الحرية
تحتوي على معان كثيرة ، فليست الحرية السياسية أن يفعل الإنسان ما يريد و لكن أن يستطيع الفرد أن يفعل ما يريد في حدود ما
يسمح به القانون، ولا يجبر على فعل ما لا يرغب به ، أو فعل ما هو ممنوع. فالحرية
عند مونتسكيو مستمدة من سلطة القانون. و التي تعني حرية الشعب، و لأن الحرية هي الحق في أن يفعل الإنسان كل شيء في حدود ما تسمح به القوانين ، و لكي يحصل الإنسان على الحرية السياسية يجب أن تتخذ الحكومة شكلا لا يخاف في
ظله المواطن الحر من هذه الحكومة .
و لكن كيف يمكن المحافظة على هذه الحرية ؟ يرى مونتسكيو أن
السبيل الوحيد الذي يضمن المحافظة على الحرية هو ضرورة الفصل بين السلطات. وقد كان
مونتسكيو متأثرا بالفكر و الواقع الانجليزي ، فلقد میز لوك بين السلطات و جاء
مونتسكيو فأخرج فكرة جون لوك عن التمييز بين السلطات تخريجا جديدا.
ثانيا :
مرحلة نشوء علم السياسة
تبتدئ هذه المرحلة من
منتصف القرن 19 ، واتسمت بمحاولات مفكرين
بارزين أمثال طوكفيل و أوغست كانت و کارس مارکس بناء نظرية متكاملة حول الظاهرة
السياسية . ألكسيس دي طوكفيل
ألكسيس دي توكفيل (1805
- 1859 م) هو مؤرخ ومنظر سياسي فرنسي. اهتم بالسياسة في بعدها التاريخي ، و أشهر
آثاره كتابه " الديمقراطية الأمريكية "| طوكفيل سوسيولوجي الحرية
والديمقراطية معا، وعلى الرغم من مواقفه السياسية واصطفافاته الإيديولوجية التي
أثارت ضده حفيظة مفكرين وسياسيين عاصروه ، فإنه فتح باب النقاش واسعة حول جدلية
الثورة والديمقراطية ، بنوع من المسافة النقدية أكسبته بعدا وعمقا فكريين، وأعطت
لقراءته السوسيولوجية تماسك نظرية ومنهجية رايمون آرون
يعتبره سوسيولوجي المقارنة بامتياز، لأنه حاول أن ينسج أهم خيوط المجتمعات الحديثة
عن طريق مقارنة أنماطها، رغم انتمائها في نهاية المطاف إلى نفس النوع والجنس من
المجتمعات ، فتركيز طوكفيل على طبيعة النظم والمؤسسات السياسية جعله ينأى عن الإرث
الذي راكمته السوسيولوجية الفرنسية منذ أوغست
كونت التي انحصرت في البحث عن البنى الاجتماعية،
الشيء الذي جعل اسم طوكفيل، على حد تعبير آرون دائما، يبهت أمام لائحة باقي
المفكرين العظام، على الرغم من انتشاره الواسع في الولايات المتحدة الأمريكية،
والتي ألف حولها كتابة رصينة ما زال يسيل الكثير من المداد سماه "
الديمقراطية في أمريكا."
وعلى الرغم من الاستعمال الكثيف لكلمة "ديمقراطية" في
كتابات طوكفيل إلا أن القارئ لأعماله قلما يجد تعريفا لما يعنيه الكاتب بهذا
المفهوم.
ففكرة الديمقراطية عند
طوكفيل تجمع بين المساواة الاجتماعية وبين مسلسل التقريب بين المستويات المعيشية
للمواطنين. من هنا تصبح الحكومة الديمقراطية أكثر تعبيرا عن إرادات المواطنين
وأكثر تمثيلية لرغباتهم وطموحاتهم ما دامت مجتمع المساواة
بامتياز على حد تعبير رايمون آرون.
فطوكفيل لا يتحدث عن الديمقراطية في شقها السياسي فقط، بل هو
يربطها بنظام مجتمعي أشمل، معتبرة أن الديمقراطية هي تساوي الشروط، بحيث أن
المجتمع الديمقراطي لا يعرف تفاوتات وفروقات موروثة بين الطبقات والفئات، الشيء
الذي لا ينفي اختلاف القدرات العقلية والذهنية وتباين المستويات الاقتصادية
للأفراد والمجموعات.
إن المساواة الاجتماعية التي يتحدث عنها طوكفيل هي أن كل المهن
والوظائف وكل المستويات الاجتماعية والرمزية مفتوحة في وجه الجميع بدون استثناء ،
والمجتمع الديمقراطي بهذا المفهوم لا يبحث عن
القوة والنصر بقدر ما يبحث عن الرفاه والسلم. يتأسس هذا المجتمع على الحرية التي
لا يمكنها أن تتعايش مع اللامساواة.
فالحرية تبدأ عند نهاية التعسف، حيث تبنى السلطة على مبدأ تطبيق
القوانين واحترامها، الشيء الذي من شأنه أن يشعر المواطنين والأفراد بالأمان. لكن ونظرا للإغراء القوي الذي تمارسه السلطة على الأفراد، كان لا بد أن
نجد السلطة بالسلطة عن طريق تنويع مصادر القرار وتوزيع الأدوار بين إدارات ومؤسسات
سياسية مختلفة ، تستمد قوتها من الشعب و تتأسس
على قاعدة حكم الشعب لنفسه. فالخطر الذي يمكن أن يتهدد الديمقراطية هو انشغال
الأغلبية بقضاياها الخاصة، وهو الشيء الذي يعطي الإمكانية لفئات قليلة للسيطرة على
تدبير الشأن العام وتوجيهه. يقول طوكفيل "لا يصعب إذن على الساحة الدولية أو
داخل مسارحنا، رؤية آراء متعددة ممثلة في ثلة قليلة من الرجال.
هؤلاء يتحدثون وحدهم باسم عامة غائبة أو غير آبهة. وحدهم
يتحركون وسط جمود الكل ويتمتعون حسب نزواتهم بكل شيء، يغيرون القوانين و يتسلطون حسب هواهم على الأخلاق.
كيف إذن يصيبنا الذهول ونحن نرى كيف يمكن لشعب كبير أن يسقط بين
أيادي ضعيفة لا تستحقه" من كتاب الديمقراطية الأمريكية. إذا كانت الحرية هي
الإطار الحقيقي الذي تعبأ فيه مختلف الإرادات من أجل تقوية دعائم المجتمع الديمقراطي، فإن السعي إلى
المساواة في شقها الاجتماعي هي الآلية التي تحمي هذا المجتمع من الأزمات
والصراعات.
فالاجتماعي حسب وجهة نظر طوكفيل هو الذي يحمي الاقتصادي
والسياسي. هذه الجدلية هي التي تضمن للمجتمع الديمقراطي توازنه وترسخ فيه ذلك
الإحساس بالرضا والاطمئنان. يقول طوكفيل "لا أحد يختلف عن الآخرين، ولا أحد
يمكن أن يمارس سلطة مستبدة عليهم. فالرجال سيصبحون أحرارا تماما لأنهم سيصبحون
متساوين بشكل تام، وسيصبحون متساوين لأنهم سيصبحون أحرارا.
نحو هذا النموذج المثالي ستنحو الشعوب نحو الديمقراطية " من كتاب
الديمقراطية الأمريكية.
تتمثل منهجية طوكفيل في تحليل الظاهرة السياسية على الملاحظة
ودراسة الحالة في
3 عناصر:
-
المعاينة المباشرة للوقائع بدل استخبار المؤلفات
- التحكم في الوقائع
بتسجيلها وقراءتها قراءة تركيبية لاستخراج القوانين المتحكمة فيها
-
ارتباط المنهج بمتطلبات دراسة الحالة وابتعاده عن التنظيم الشمولي .
من زاوية أخرى استطاع طوكفيل أن يقدم قراءة متميزة للدستور
الأمريكي وأن يدرس إلى أي حد سمح هذا الأخير بقيام نظام ديمقراطي مبني على الحرية
والليبرالية فالطبيعة الفيدرالية
للدولة الأمريكية ساهمت بشكل كبير في تثبيت دعائم الليبرالية بحيث يتميز هذا
النظام بجمعه بين محاسن الدول العظمى والصغرى يقول طوكفيل :
" ما أهمية أن يعيش شعب الرفاه والحرية إذا كان يخشي كل يوم أن يدمر أو أن
يستعمر؟ ما أهمية أن يكون صانع أو تاجرة إذا كان غيره يهيمن على البحار ويفرض
قوانينه على كل الأسواق؟ إن الأمم الصغيرة لیست بئيسة لأنها كذلك ولكن لأنها
ضعيفة، والأمم الكبيرة تعيش في رفاه ليس لأنها كبيرة ولكن لأنها قوية.
إن القوة بالنسبة للأمم هي أول شرط للسعادة والوجود، من هنا فإن
الشعوب الصغيرة تنتهي دائما بالتوحيد عن طريق العنف مع الشعوب الكبيرة أو عن طريق
التوحيد بعضها مع بعض، لا أعرف ظروفا أكثر بؤسا من حالة شعب لا يقدر لا على الوحدة
ولا على الاكتفاء".
أوغوست
کونت
أوغست كونت (1798 -
1857) عالم اجتماع وفيلسوف اجتماعي فرنسي، أعطى لعلم الاجتماع الاسم الذي يعرف به
الآن، أكد ضرورة بناء النظريات العلمية المبنية على الملاحظة، إلا أن كتاباته كانت
على جانب عظيم من التأمل الفلسفي، ويعد الأب الشرعي والمؤسس الفعلي للفلسفة الوضعية نظرية كونت في السياسة لا يمكن عزلها عن نظريته العامة في
الإنسان والمجتمع ، ولا عن الظروف التي أحاطت بظهورها في النصف الأول من القرن
التاسع عشر، إذ اتسمت هذه الفترة بحروب واضطرابات سياسية واجتماعية متعددة منها
الحروب النابليونية و الصراع بين الملكيين والجمهوريين ، بين الليبراليين
والمحافظين ، فضلا عن الصراع بين العمال وأرباب العمل.
كل ذلك قاد كونت إلى التفكير بوضع علم للإجتماع أو دين
للإنسانية ، يجنبها النزاعات السياسية ويحقق لها السلام الاجتماعي، يقول کونت
" إن هدف الفلسفة هو إعادة تنظيم المجتمع."
يرى كونت أن الفكر البشري قد مر خلال تطوره التاريخي من حالات
ثلاث : المرحلة اللاهوتية التي تعلل الأشياء والظواهر بكائنات وقوى غيبية، المرحلة
الميتافيزيقية التي تعتمد على الإدراك المجرد، ثم المرحلة الوضعية التي يتوقف فيها
الفكر عن تعليل الظواهر بالرجوع إلى المبادئ الأولى ويهتم باكتشاف قوانین علاقات
الأشياء عن طريق الملاحظة والتجربة الحسية.
ويعتبر كونت أن العلم الذي يتفق مع المرحلة الوضعية ويساعد على
فهم الإنسان ويستوعب جميع العلوم التي سبقته هو "علم الاجتماع."
و يرى كونت أنه إذا كانت الغاية هي تنظيم المجتمعات الحديثة على
قاعدة العلم فإن علم الاجتماع هو الذي يسهم في ذلك لأنه علم كلي، يدرس المجتمع
برمته في جميع مظاهره ومقوماته. | و الحقيقة الوضعية تنطلق من إعطاء الأولوية للكل
على الجزء لأن "الوحدة هي النمط الطبيعي للوجود
الإنساني"، وإن كل جزء من النظام الاجتماعي يؤثر على غيره من الأجزاء. وإن
هناك حالة من الترابط بين
النظام السياسي والمؤسسات السياسية من جهة وبين الحالة العامة للحضارة. لهذا فإن
كونت يخضع السياسة للأخلاق. فالأخلاق الوضعية تقوم على " تقديم الاجتماعي على
الفردي" أي على انتصار الإنسانية ودمج الفرد في المجتمع.
فلا شيء أكثر غرابة على فكر کونت من الحقوق الفردية يقول كونت
بهذا الصدد " إن الوضعية لا تقر حقا آخر غير حق القيام بالواجب ولا تقر واجبا
غير واجبات الكل تجاه الكل، لأنها تنطلق دائما من وجهة نظر اجتماعية ولا يمكن لها
أن تقبل بمفهوم الحق الفردي. فكل حق فردي هو عبثي بقدر ما هو غير أخلاقي" پری
کونت أنه يوجد بين الفرد والإنسانية جماعات وسيطة هي الأسرة والوطن.
ويعطي أهمية كبيرة للأسرة والمرأة على وجه الخصوص في التنشئة
الأخلاقية.
فالأسرة هي الوسيط بين الفرد والوطن والوطن هو همزة الوصل بين
الأسرة والإنسانية.
إلا أن فكر كونت لا يدعو إلى المساواة. بل إنه يؤمن بدور النخب
ويقيم تمييزا حادا بين الجماهير والاختصاصيين والحكام وينيط أمر تحديد الأهداف
والوسائل بالمختصين بالعلوم السياسية وحدهم، يقول كونت " الجماهير تطلب
والصحافيون يقترحون والحكام ينفذون. وما لم تكن هذه الوظائف متميزة فإن الالتباس والتعسف سیسودان المجتمع إلى درجة كبيرة". هكذا فإن
غاية السياسة عند كونت هي أن يصبح كل مواطن موظفا اجتماعيا خاضعا للسلطة بصورة
تامة يرى كونت أن على العلماء أن يرفعوا علم السياسة إلى مقام علوم الملاحظة ،
لكنه لم يستطع ذلك لا علميا ولا فكريا ، بسبب ارتباطه بفكرة وحدة علوم الاجتماع
وخوفه عليها من الشتات والتجزئة ، ورغم أنه لم يستطع في مؤلفه " نظام السياسة
الوضعية " تغليب الوضعية على الاخلاقية ، إلا أنه ساهم إسهاما ملحوظا في
تشييد وبناء علم السياسة المعاصر من خلال جانبين:
- الجانب الأول : تأكيده على
حلول الفكر الوضعي العقلاني والعلمي ، قاطعا مع عهد
الميتافيزيقية والتيوقراطية.
-الجانب الثاني : تأكيده إمكانية
دراسة الظواهر الاجتماعية والسياسية دراسة علمية
وإمكانية الاستفادة في ذلك من العلوم الطبيعية ومناهجها وآلياتها العلمية.
کارل مارکس
فيلسوف ألماني، واقتصادي، وعالم اجتماع، ومؤرخ، وصحفي واشتراكي ثوري
، عاش ما بين (1818م - 1883م). لعبت أفكاره دورا هاما في تأسيس علم الاجتماع وفي
تطوير الحركات الاشتراكية. واعتبر ماركس أحد أعظم الاقتصاديين في التاريخ. نشر
العديد من الكتب خلال حياته، أهمها بيان الحزب الشيوعي و رأس المال.
يمكن تلمس إسهامات ماركس في العلوم
السياسية من جانبين :
الجانب الأول : هو أنه حقق طفرة في الفكر
الاشتراكي الطوباوي المرتهن بمثاليات سان سيمون و روبرت
أوين ، على اعتبار أن الفكر الاشتراكي ظل حبيس نزعة مادية بدائية لا تعترف إلا
بشكل واحد من أشكال حركة المادة ، هي الحركة الميكانيكية التي يفسر بها كل شيء ،
الحياة والمجتمع والدولة ، مع نظرة ميتافيزيقية والاكتفاء بتفسير الظواهر من وجهة
نظر مادية ، هكذا فالتناول الموضوعي للوقائع السياسية في فكر مارکس شيء اساسي ومهم
حقق طفرة نوعية على مستوى الفكر السياسي.
الجانب الثاني : وهو الجانب
الأكثر علموية وإجرائية في دراسة العلوم السياسية يتمثل في إدخال العنصر الاقتصادي
في دراسة الظاهرة السياسية عن طريق مجموعة من المفاهيم الاقتصادية الجديدة كنمط
الانتاج وعلاقات الانتاج ، هذا بالاضافة إلى تمييزه بين مصطلحي البنية التحتية
والبنية الفوقية ، الذي أعطى صورة مدققة عن التداخلات والتأثيرات بين السياسة
والوقائع الاجتماعية ومن ثم تحقيق الانقلاب المعرفي في مجال العلوم الاجتماعية
التي اقتربت برمتها من الفكر الماركسي
.
ساد الفكر السياسي الماركسي طابع الثورة ، يقول ماركس في كتابه
«الإيديولوجيا الألمانية» : « إن السلطة
السياسية ليست إلا القوة المنظمة لطبقة في قمعها لطبقة أخرى» .... والسلطة
التنفيذية للدولة الحديثة ليست إلا لجنة الإدارة الشؤون المشتركة العامة
البورجوازية».
لذلك فإن المطالبة بإنشاء دولة اشتراكية عند ماركس هي من أجل
قهر الطبقة البورجوازية على يد الطبقة الاشتراكية و القضاء على النظام الرأسمالي.
يضيف مارکس « إن تحرير
الطبقة العاملة لا يمكن أن يتحقق من دون تدمير آلة سلطة الدولة التي خلقتها الطبقة
الحاكمة». الفكرة الماركسية بالقضاء على الدولة لم تكن فقط حكرا على ماركس ، بل هي وردت في واحد من أهم كتب لينين، «الدولة
والثورة». والالتقاء بين الفكر الماركسي والفكر اللينيني كان متمثلا في فكرة النظر
إلى الدولة كمنظم لفرض قهر الطبقة البرجوازية ضد
الطبقات الكادحة . لكن الفكر الماركسي والفوضوي افترقا في مسائل أخرى، منها دور
الحزب القائد، وحول ما إذا كان هناك ضرورة في
مرحلة اشتراكية انتقالية لإنشاء دولة اشتراكية للقضاء على البورجوازية والتمهيد
للمجتمع الشيوعي.
ويقول ماركس في « مقدمة المساهمة في نقد الاقتصاد السياسي» ما
يأتي: « إن نمط الإنتاج في العالم المادي هو الذي يقرر الطابع العام للمسيرة
السياسية والاجتماعية والروحية للحياة » تطورت فكرة أو نظرية الدولة في الفكر
الماركسي، بما فيه كتابات ماركس الأولى عند نقده الهيغل ، حين رأى أن وظيفة الدولة
هي « إعادة إنتاج حرب الفرد ضد الجميع في المجتمع المدني».
والكتابات الماركسية بعد مارکس لم تذهب منحى الحد من الرأسمالية
، بل تحدثت عن إمكانية تبلور قوة خاصة غير مستقلة عن مصالح الطبقة الحاكمة، محذرين
في نفس الوقت من خطر الدولة ، ليس فقط في جهازه القمعي العسكري فقط، بل في تشكيله
للوعي المهيمن ، من خلال شرعنة السيطرة على جسم المجتمع المدني.
يذهب الماركسيون بعيدا عندما يعتقدون أنه بعد مضي بعض الوقت بعد
تأسيس الاشتراكية ، سيقفز المجتمع إلى الأمام ويكون للجميع الكثير من الممتلكات
الشخصية، ولا يستطيع أحد استغلال شخص آخر لتحقيق مكاسبة خاصة به من خلال امتلاك
وسائل الإنتاج ، وهكذا دواليك. ستلغي الطبقات وينتهي المجتمع الطبقي و
تنتشر الشيوعية في جميع أنحاء العالم ، وتضمحل الدولة بعد أن يعفو عليها الزمن،
لأن الناس سيديرون حياتهم الخاصة دون الحاجة إلى حكومة أو قانون ، هكذا تتأسس
الشيوعية التي تنعدم فيها الدولة وتنعدم الملكية الخاصة وتختفي الطبقات.
ثالثا :
مرحلة إقرار وتنظيم علم السياسية
هذه المرحلة تبدأ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، حيث أدى
التقدم الحاصل في مجال الحريات السياسية رغبة الباحثين في الاستفادة من مناهج
البحث العلمي الحديثة في مجال العلوم الاجتماعية ، حيث تأسست مجموعة من مراكز
البحث والدراسات داخل مجموعة من الدول الغربية اهمها
الولايات المتحدة وأوروبا، حيث بادرت منظمة اليونيسكو إلى وضع برامج عملية التكوين
خبراء في العلوم السياسية ، نفس الأمر سارت عليه
فرنسا بعد الإصلاح الجامعي سنة 1945 حيث أسست معهد الدراسات السياسية ، توجت
بإدخال علم السياسة إلى التدريس في كليات الحقوق الفرنسية سنة 1954 ، نفس الخطوات
سيقتفيها النظام الجامعي المغربي حيث سيدخل مادة العلوم السياسية إلى التدريس في
الجامعات المغربية ابتداء من سنة 1982.
الفصل الثالث :
مناهج التنظير الحديث في علم السياسة المعاصر
نقصد بمناهج التنظير الحديثة مختلف المقاربات العلمية الحديثة
التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية واستفادت من التوجه العام الذي سار فيه تطور
العلوم الاجتماعية وتخلصها من رؤاها القديمة المعتمدة على الجانب المؤسساتي الشكلي
، والجديد في هذه الموجة هو تركيزها على دراسة سلوك الفاعلين السياسيين واهتمامها
بالتحليل العلمي الروابط الواقع السياسي . الواقعية السياسية انفتحت على تقنيات
عديدة للمنهج التجريبي من أجل اعطاء تفسير معقول للواقع السياسي ، ويبقى جوهر
مناهج التنظير في علم السياسية هو تركيزها على مفهوم النسق ، هذا المفهوم القديم
الحديث سيحدث انقلابا في المفاهيم السياسية وسيوظف في مختلف المناهج والنظريات
الحديثة في علم السياسة من سلوكية ووظيفية و بنيو- وظيفية .
مفهوم النسق
النسق ترجمة لكلمة SYSTEM وأحيانا تأخذ ترجمتها من الحقل الدستوري
بمفهوم Régime.
أما في الواقع فكلمة نسق لها مدلول فلسفي سابق على المدلول
السياسي ، فالنسق أو السيستم بمعناه العام يعني مجموعة العناصر المادية وغير
المادية التي تترابط ترابطا يجعلها تؤلف كلا منظما ، لأن النظام الفلسفي هو مجموعة
أفكار مترابطة منطقيا ، والتي تصبح موضع نظر من حيث ترابطها لا من حيث صحتها .
ومادام الترابط الترابط المنطقي لأفكار النظام الواحد لا يعتبر برهانا على الصحة ،
فقد أصبح العلماء يخشون المفكرين المنهجيين الذين ينشدون بناءا نظاميا نسقيا
لأفكارهم أكثر مما ينشدون الحقيقة.
ومهما يكن فإن مفهوم النسق أصبح يمثل نقطة الارتكاز التي يستند
إليها كل علماء السياسة التجريبيون ، بل والاستعاضة به عن مفهوم الدولة أيضا ،
كمركز اهتمام العلم السياسة . هكذا يقول دافيد ايستون " إنه يتعين على
الباحثين في العلوم السياسية التجنب النهائي لاستعمال لفظة الدولة " باعتبار
أن ذلك من مقتضيات استعمال المنهج العلمي التجريبي ، وعلى أساس أن علم السياسة لا
يهتم بنوع محدد من المؤسسات بل هو يهتم بالنشاط السياسي الذي مضمونه مجموعة سلوكيات يمارسها الفاعلون السياسيون
اتجاه بعضهم
البعض في إطار قانون
الفعل ورد
الفعل .
السوسيولوجيا الوظيفية
احتلت الوظيفة مكانا مرموقا في النظرية السوسيولوجية المعاصرة ،
حيث أننا لا نكاد نجد باحثا في علم الاجتماع والسياسة إلا وظهرت في أعماله
وتفسيراته خصائص هذا الاتجاه ، والذي هو إلى حد ما نوع من النسقية أو تطبيق
للنسقية في علم الاجتماع والسياسة .
أولا : الوظيفة المطلقة عند بروليسلاف مالينوفسكي
هو من أعلام الاتجاه الوظيفي في العصر الحديث ، ركزت وظيفته على
العمليات الديناميكية والحاجات والدوافع عند الافراد ، وما يميز وظيفة مالينوفسكي
أن وظيفيته وظيفية مطلقة ، باعتبار أنه يعتبر كل مجتمع بمثابة كل مندمج ، وكل عنصر
يساهم في تركيبة الكل . وهو دائما يطرح سؤال : ما هو مبرر وجود هذا العنصر المادي
؟ وما فائدته ؟ وما الذي يجعل منه عنصرا ضروريا ويعطيه مكانة داخل النسق الثقافي
أو السياسي للمجتمع ؟
هذه النظرة يعيبها أنها يمكن تطبيقها فقط على المجتمعات القديمة
المتضامنة.
ثانيا : الوظيفة النسبية عند روبرت ميرتون
ينتقد میرتون
مالینوفسكي ويقترح ثلاثة مفاهيم جديدة يمكن أن تعطي للتحليل الوظيفي طابعا إجرائيا
وهي :
-
المعادلات الوظيفية : فإذا كان كل عنصر يمكن أن تكون له عدة وظائف فإنه
يمكن أن
تنجز وظيفة واحدة عن طريق عناصر قابلة للتناوب فيما بينها.
- الوظائف المضادة : فإذا كانت
الوظائف هي تلك التي تساهم في تكييف وتقويم النظام فإن
الوظائف المضادة هي التي تعكس ذلك ، فهناك من العناصر الثقافية
الاجتماعية ما تترتب عنه نتائج وخيمة على سير النظام ، حيث بإمكان عقيدة سياسية أو
دينية أو اقتصادية أن تسبب كوارث اقتصادية أو سياسية.
-الوظائف الظاهرة والوظائف الخفية :
الأولى يعتبرها ميرتون وظائف مفهومة و متقبلة من أعضاء النظام ،
فهي أهداف معلن عنها أما الوظائف الخفية فهي النتائج الفعالة ، فهي نتائج وليس
اهداف ، لأنها تبرز عندما تكون مجرد هدف ولا تطرح للجمهور لكي يقبلها أو يرفضها ،
بل ملاحظتها لا تتأتى إلا عندما تبرز فعالیتها.
ثالثا : البنيوية عند تالکوت بارسونز
ترتكز هذه البنيوية على
تحليل مفهوم العمل الاجتماعي والنظام الاجتماعي ، مع محاولة إدماج علم السياسة في
نظريته العامة للعمل الاجتماعي .
ويرى بارسونر أن النسق الاجتماعي يتكون من مختلف التفاعلات داخل
المجتمع ، هذا الأخير يتكون أيضا من عدة أنظمة أو أنساق فرعية . وتتكون الانظمة
الثانوية داخل المجتمع عند بارسونز من أربعة أنظمة :
-
النسق الاقتصادي : هو مجموع الأنشطة المكونة للاقتصاد.
- النسق السياسي : يتجاوز مفهوم الدولة إلى مفهوم النظام
السياسي بمعنى كل اشكال اتخاذ القرار من نقابات وأحزاب وجماعات ضغط.
-
النسق الثقافي : يشير بذلك إلى الثقافية الاجتماعية والدوافع اللازمة للسلوك الاجتماعي.
- النسق القانوني : أن نظام القواعد
القانونية والمؤسسات المؤطرة للنسق الاجتماعي.
فبين هذه الأنساق الاربعة يحدث تفاعل وترابط ، فكل نسق يتفاعل
مع الانساق الاخرى عبر عمليتي التلقي والرد.
رابعا : النموذج النسقي عند دافيد ايستون
أقام أستون نظريته السياسية على فكرة النظام، و هي تعني بالنسبة
له "إن الحياة السياسية هي جسد من التفاعلات ذات الحدود الخاصة التي تحيطها
نظم اجتماعية تؤثر فيها بشكل مستمر"، فهو يعتبر أن النظام السياسي مثل
(العلبة السوداء)، و هو لا يهتم كثيرا بما يجري داخل العلبة، بل أن ما يعنيه هي
علاقات النظام مع بيئته الخارجية أو غير الاجتماعية، كالنظام البيئي، النظام
البيولوجي، النظم النفسية و النظم الدولية، و يركز أستون اهتمامه على العناصر والمؤثرات المحيطية التي تؤثر على النظام السياسي العلبة السوداء أو ما تسمى بالمدخلات ، و
على ما يصدر من ردود فعل بعد تلقيه هذه المؤثرات المخرجات ، فالتحليل النظمي في
نظره يهتم بهذه الحلقات المتتابعة من الأفعال وردود
الأفعال، ما بين المحيط و النظام السياسي و قدرة النظام على الحفاظ على توازنه و
التكيف مع ما يرد عليه من مؤثرات خارجية ليستوعبها و يكيفها بما لا يجعلها مخلة
بالنظام.
وحتى يحافظ النظام على توازنه فإنه يحتاج إلى توفيق بين نوعين
من المدخلات : المطالبات و التي تشكل عبئا على النظام إن زادت على الحد كمطالبة
العمال بزيادة الأجور أو بتحسين الضمان الاجتماعي، و هو في هذه العملية يحتاج إلى
مساندة كتعبير المواطنين عن مساندتهم للنظام في أية خطوة يقدم عليها للرد على
المطالب، و اعتمادا على المطالب و المساندة و التوازن بينها تصدر المخرجات عن
النظام و هذه إما تكون تشريعات جديدة تستجيب لكل أو بعض المطالب أو حملة إعلامية
لتوضيح الأمور و تبیان عدم شرعية المطالب أو المبالغة فيها أو القيام بتدابير
قمعية كالتحدي للنقابات العمالية أو حل حزب من الأحزاب أو منع المظاهرات و
الإضرابات إلخ....
و يرى أستون أن كل نظام يقوم بثلاث وظائف أساسية:
1-
وظيفة التعبير عن المطالب.
2- وظيفة ضبط المطالب.
3-
وظيفة تقليص او دمج المطالب.
لابد من إشارة هنا إلى دور العلماء الأمريكيين في وضع أسس هذا
المنهج، و هم بذلك كانوا متأثرين بطبيعة المجتمع الأمريكي الذي هو نظام مكون من
عدة ولايات، وكل ولاية تتكون من خليط من الأجناس و الألوان و
الديانات، و يحافظ النظام الأمريكي على توازنه بفعل علاقات التساند و التكيف سواء
بين الولايات بعضها البعض، أو بين الأجناس و الأعراق، و حفاظ النظام على توازنه
ووجوده لا يعني عدم حدوث اختلالات، بل المهم قدرة النظام على تمثل هذه الأختلالات
و استيعابها، و هو التصور الذي أخذ به حتى كبار رجال السياسة الأمريكيين، فنجد المستشار
الأسبق للأمن القومي بريجينسكي يقول: " في سبيل النظام تفضل الجريمة المنظمة
بشكل عام على العنف الفوضوي، و بذلك تصبح الجريمة المنظمة بشكل غير مباشر و غير
رسمي امتدادا للنظام" تحليل النظام السياسي من خلال بناء الوظيفة إذا كان تحلیل ايستون يؤخذ
عليه على أنه على درجة عالية من التجريد وتفتقر عناصره إلى التحديد الوظيفي ، فإن
تحلیل جابرييل ألموند أتي من أجل تبديد هذا القصور من خلال تحليله لبنيات النظام
السياسي ووظائفه ، وعليه تتحدد عناصر التحليل عند ألموند في عنصرين :
-
ضرورة النظر إلى النظام السياسي على أنه مجموعة من البني المتراصة والمتماسكة ، من
أجل الكشف عن دور
كل جزء في البناء الكلي للنظام ودرجة تماسكه مع باقي الأجزاء
- ضرورة النظر إلى النظام السياسي کشبكة من
الوظائف المتكاملة والموزعة بين أجزائه البنيوية فلا يوجد عنصر اعتباطي فكل عنصر له مهمة ويعمل
بتناغم مع باقي العناصر.
أولا : مستوى العلاقة مع
المحيط
يتعلق الأمر هنا بمقدرات النظام السياسي الضرورية لاستمراره
1)
مقدرة الضبط أو القدرة على التنظيم
2)
المقدرة الاستخراجية : أي مدى تعبئة الموارد المادية والبشرية المحيطة به لضمان
استمراره
3)
المقدرة التوزيعية : توزيع الموارد ، الأجور ، الخدمات التعليم والصحة
4)
المقدرة الجوابية : أي قدرة النظام على الرد على مطالب بيئته وضغوطها ، أي إيجاد
رد فعل مناسب على مختلف الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية من المحيط.
ثانيا : مستوى السير الداخلي للنظام السياسي
ويتعلق الأمر هنا بوظائف التحويل أي تحويل المدخلات إلى مخرجات
، وما يقتضيه ذلك من اتخاذ للقرارات ، وقد قسمها ألموند على مجموعتين وظائف محسوبة
على جانب المدخلات ووظائف تحسب على جانب المخرجات . وظائف الإبقاء على المدخلات هي
:
-
وظيفة التنشئة السياسية : كعملية التلقين المعايير الاجتماعية.
- وظيفة التوظيف السياسي : أي اختيار الهيئة
التي ستتولى الأدوار السياسية الرئيسية.
ثالثا : وظائف النظام على مستوى المخرجات
ويسميها ألموند وظائف التحويل ، وهي :
-
وظيفة التعبير عن المصالح : تمكن هذه الوظيفة الأفراد والجماعات من التعبير عن
طلباتهمممن بيده السلطة لاتخاذ القرار السياسي ، فهي الوظيفة الرابطة بين المجتمع
والنظام السياسي.
-وظيفة تجميع
المصالح : وهي وظيفة تهتم بتنظيم الربط بين المصالح التي يعبر عنها الأفراد وتعبر
عنها الجماعات ، وهي بطبيعة الحال متعددة ومتنوعة ، ويعتقد ألموند أن الأحزاب
تتكفل بوظيفة تجميع المطالب بالاضافة إلى هيئات أخرى كالنقابات وجماعات الضغط .
نذكر هنا وظيفة صياغة
القواعد، وظيفة تطبيق القواعد، وظيفة التواصل السياسي .
بنيات النسق السياسي
نقصد بالبنيات هنا المؤسسات ، فإذا كانت المقاربة الوظيفية قد
بينت لنا الوظائف الأساسية التي يقوم بها النظام السياسي كحتميات وظيفية لا يستقر
إلا في ظلها ، فإن هذا ليس سوى مدخلا للبحث في كيفية ممارسة الأنظمة السياسية
لوظائفها السياسية من خلال البنيات الفعلية والقانونية التي تؤمن هذا الأداء
الوظيفي ، أي المؤسسات السياسية.
صحيح أن المؤسسة السياسية في الفهم القانوني أو التحليل
المؤسساتي هي جهاز منظم على شكل هرم إداري يتمتع بسلطات معينة لتنفيذ وظائفه ،
وصحيح أيضا أنها تنظیمات قانونية دستورية ، لكن هذا الفهم ضيق ، فهو يبعد المؤسسة
السياسية عن طبيعتها التي وجدت من أجلها ، كما أنه ينكر على النظام السياسي دور
العنف ، وبالتالي فإن الحديث عن البنيات السياسية يتخطى المؤسسات الدستورية إلى
مؤسسات أخرى قد تكون فعلية ، وذات حضور مؤثر في ممارسة وظائف النظام السياسي .
المجموعات
تتراوح بين الهيئات العامة مثل المجموعات
الدينية أو القبلية وبين الهيئات الصغيرة ذات الأغراض المحدودة ، كرجال الاعمال
وجماعات المصالح ، هذه المجموعات مندمجة في العملية السياسية بدرجات متفاوتة ،
مباشرة أو بشكل غير مباشر ، سواء في ميدان المشاركة أو الضغط.
بنیات صنع القرار
قد تكون ممثلة في
شخص واحد ، مختص أو عضو في نظام سياسي ، معترف به في اللعبة السياسية أو غير معترف
به ، وقد تكون جمعية سياسية طبقا للدستور أو مجلس وطني يصنع القرار أو يشارك فيه.
بنيات تنفيذ القرار
الحكومة مثلا بالمفهوم الضيق، وإلا فهناك فهناك مؤسسات أخرى
تتكلف بتنفيذ القرارات الشرعية الملزمة للحكومة والمخاطبين بها على حد سواء، هذه
البنيات التنفيذية تختلف حسب طبيعة النظام السياسي تبعا لتفريعات الحكومة الوطنية
والمحلية ، كما تختلف حسب طبيعة النظام السياسي هل هو نظام دكتاتوري أو ديمقراطي.
وهنا يمكن التمييز بين 3 حكومات :
-حكومات تتمركز
فيها عملية صنع القرار في مؤسسة واحدة ، نجد هنا نظام الجمعية العامة.
-حكومات تستقل
كل مؤسسة فيها بصنع قراراتها وتتعاون فيما بينها لحفظ التوازن بينها.
-
حكومات تستقل فيها كل مؤسسة استقلالا تاما ، وهي الحكومات الرئاسية.
الإدارة
في جميع الحكومات توجد دواوين حكومية تقوم
بتصريف أعمال الحكومة ، تتخذ طابعا عقلانيا و متخصصا مع نظام بيروقراطي.
بنية التقاضي
في كل وحدة سياسية بنية منظمة تقوم بوظيفة
التقاضي بموجب القرارات أو وفق القانون.
الأحزاب السياسية
هي هيئات منظمة مفتوحة مبدئيا أمام كل أفراد الشعب بهدف الوصول
إلى السلطة ، أو لنقل إن الحزب هو جماعة من الأفراد تعمل بالوسائل المشروعة للوصول
إلى الحكم والاستيلاء على السلطة التنفيذ برنامج سياسي معين ، فالحزب تنظیم بنيوي
وظيفي عقائدي مصلحي له ارتباط بالسلطة و الانتخابات
والممارسة السياسية.
جماعات الضغط
حتى وإن كانت هذه الجماعات تنظیمات سياسية معترف بها أو غير
معترف بها ، فهي في عمق المشاركة السياسية عن طريق الضغط رغم ما قد يبدو عليها من
عدم مشاركتها السياسية المباشرة ، فالفعل السياسية يختلف عن المشاركة السياسية ،
بل إن من هذه الجماعات من تملك القوة السياسية ووسائل الضغط ما يجعلها مؤسسة
سياسية لكن غير رسمية وقد تتجاوز في قوتها الكثير من الأحزاب الرسمية.
هذه الجماعات السياسية لها تأثير واقعي على سياسة الدولة
الداخلية والخارجية ، وهي لا تسعى إلى السلطة ولا تشارك بشكل مباشر في اللعبة
السياسية لكنها تؤثر على السلطة من خارجها وتؤثر على القابضين عليها.
الفصل الرابع :
أزمة علم السياسة المعاصر
مصطلح أزمة من أكثر المصطلحات استعمالا في
الميدان الاجتماعي و السياسي ، لكن يجب الحذر من استعماله بشكل غير موضوعي في غياب
تشخیص علمي لمظاهر الأزمة.
أولا : أزمة التنظير في علم السياسة المعاصر
النظرية السياسية تعنى بمعالجة الظاهرة السياسية في مختلف
مستوياتها ، كما أنها تعني الدراسة النظرية للظاهرة السياسية بشكل عام اعتمادا على
منهج تجريبي ، فهي كلما كانت أي النظرية السياسية قادرة على معالجة الحياة
السياسية في شموليتها وتحليل عناصر بيئتها الاجتماعية ، كلما كانت موضوعية في
تفسير الواقع وأكثر صدقا في التنبؤ بمآلاته .
ثانيا : الأزمة النظرية في علم السياسة
إذا أردنا اليوم أن نقيم حصيلة للجهود النظرية والممارسة
العلمية المضطردة في إثبات علموية علم السياسة ، وتميز مجاله المعرفي عن باقي
العلوم الأخرى في ظل هذه الصياغات النظرية المتعددة التي تركز على الطابع
الميكانيكي للحياة السياسية ، مما يحبط المتحمسين للمسار التنظيري لعلم السياسة ،
هكذا ومع وجود مجموعة من الصعوبات الابستمولوجية
وحتى المنهجية في صياغة نظرية عامة للسياسة ،
يقر البعض بفشل النظرية في علم السياسية ، خصوصا مع وجود نظریات متضاربة تفتقد
الكثير منها للاجرائية العلمية المطلوبة.
وقد كان كلود برنارد محقا عندما قال " إذا
خضع الافتراض للطريقة الاختبارية أصبح نظرية ، وإذا خضع للمنطق وحده أصبح نظاما
".لذلك لا تقوى النظريات السياسية على التجربة.
ضرورة إعادة التقييم الايبستيمولوجي والتنظيمي
أولا : محاولات تصحيح مسار علم السياسة العام
عدم الاستمرار في العمل التنظيري لعلم السياسية بسبب محدودية
النظرية العامة للحياة السياسية هو خیار تهربي يحمل في ثناياه خطورة كبيرة على
التقدم في علم السياسية ، ومن أجل تصحيح وضع الأزمة داخل عالم السياسة ظهرت
برستويكا العلوم السياسية التي انطلقت من الولايات المتحدة من أجل تصحيح علم السياسة وتنقيحه وتخليصه من العيوب التي تحد من مردوديته
العلمية ، وتصعب عليه مأمورية التنظير للحياة السياسية.
ثانيا : من أجل تجاوز وضع الأزمة في علم السياسة المعاصر
أزمة علم السياسة إذن تكمن إذن في انحصار مردودية النظرية
العامة لهذا العلم و عدم استطاعته تحديث خطة العام في تقديم إجابات وحلول للمشاكل
المطروحة على منهجه وموضوعه ، وإذا كان أنصار العلوم السياسية يصرون على ضرورة
تخلي علم السياسة على تركيزه على الولايات المتحدة ليشمل قضايا عالم السياسة في
باقي بلدان العالم التي تعرف زخما من الأحداث
السياسية فإنه من المعيب أن لا تلقى هذه المبادرات مواكبة من طرف المفكرين وعلماء
السياسة في العالم العربي والإسلامي وهم كثر من
أجل المشاركة في العملية التصحيحية لمسار علم السياسة.
صحيح أن المناهج الرياضية جيدة ودقيقة وصالحة في دراسة الكثير
من ظواهر عالم السياسة ، لكن الغلو فيها وتعميمها على كل الظواهر السياسية يؤدي
إلى هدم موضوع علم السياسة بدل تشييده ، ومن ثم وجب إدماج مناهج جديدة متعددة غير
رياضية بالضرورة ومنسجمة مع موضوع البحث ، فهيمنة النظريات المستخدمة في مناهج علم السياسة المعاصر ويطبعه بطابع من
العدمية الفلسفية والتاريخية ويكبح الترابطات الوظيفية بين الظواهر السياسية
الأخرى ، وعليه فالمبادرة التصحيحية لعلم السياسة يجب أن تهتم بالمسائل المتصلة
بصنع السياسات العمومية والسياسات الخارجية وصناعة القرار ، مع الاستعانة بأدوات منهجية
متعددة الرؤى وبمفاهيم ملائمة وموضوعية تعكس
التعدد الثقافي والديني للجماعات البشرية.