مدخل العلوم القانونية : نظرية القانون
|
ملخص مدخل لدراسة القانون PDF |
مقدمة مدخل لدراسة القانون
تعد العلاقة بين القانون والمجتمع علاقة جدلية،
فلا يتصور مجتمع بلا قانون، ولا قانون بلا مجتمع، سواء على المستوى الداخلي أو
الدولي، وعليه يعد القانون ظاهرة وضرورة اجتماعية في ذات الوقت خصوصا أن الانسان
اجتماعي بطبعه يستحيل عليه أن يعيش وحيدا، فبفضل الجماعة يستطيع الانسان اشباع
رغباته، لكن الطبيعة الأنانية لهذا الاخير تدفعه إلى التصارع والتطاحن مع الآخرين
من اجل السلطة والمال.
ومن
أجل الحفاظ على العلاقات الاجتماعية والسلم والأمن كان لا بد من القانون، هذا
الاخير يفرض باستخدام القوة البدنية أو الوسائل الرمزية، الفرض يكون بالإجبار
والقهر أما الإعمال فيكون بالإيحاء والتشجيع والثناء ويعتبر القانون أهم وسيلة
لضبط المجتمع الانساني لعدة عوامل منها محدودية تأثير الوسائل الأخرى مثل الأعراف
ورأي الناس و خصوصا في المجتمعات ذات التركيبة البشرية المعقدة.
فالقانون باعتباره منظومة كلية من القواعد المختلفة التي تهم جوانب التنظيم الاجتماعي يكون قادرا على ضبط سلوكيات الناس بعنصري الإجبار والجزاء، اللذان يعتبران جوهر القانون.
شاهد ايضا :
لمن يريد التحميل ما عليه الا الضغط على رابط التحميل في اعلى هذه الجملة ولمن يود القراءة دون تحميل فالملخص بالكامل امام حضراتكم.
الإنسان من المخلوقات الاجتماعية التي لا يمكن أن تعيش وحدها بطريقة طبيعية، فالعلاقات البشرية قديمة قدم الزمان، وعندما زاد عدد الناس احتاجت هذه العلاقات إلى مبادئ وقوانين تحكمها للمحافظة عليها بشكلها السليم ممن يحاولون السيطرة على جميع الأمور والاستيلاء على مقتنياٌت الآخرين، لذلك كان لا بد من وجود القانون في المجتمع.
هذا القانون عبارة عن مجموعة القواعد والأنظمة التي تطبّق على جميع أفراد المجتمع؛ لصون حقوقهم والمحافظة عليها، لذلك ترتبط القوانين بتطبيق العقوبة في حال مخالفتها أو عصيانها.
وظيفة القانون
يعمل القانون على تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد
في سعيهم لإشباع حاجاتهم بما يحقق العدل ويمنع سيطرة القوي على الضعيف ، كما يسعى
إلى الى التوفيق بين المصالح الخاصة والعامة ، باعتبار الناس سواسية في الحقوق
والواجبات كما يتدخل المشرع لتنظيم التوازن بين الأطراف المتعاقدة في
الالتزامات التعاقدية ، تجدر الإشارة إلى أن وظيفة القانون تتحدد حسب الاتجاهات
السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية السائدة في المجتمع ، فهناك فرق في وظيفة
القانون باعتبار كل من المذهب الفردي و المذهب الاشتراكي.
فالمذهب الفردي يجعل من
الفرد محور المجتمع و غاية في حد ذاته فمصالح الفرد سابقة على مصالح المجتمع ،
وعليه فللفرد هنا حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية وله حق الابداع والسير و
الانتاج ووظيفة الدولة هو تسهيل سلطان الإرادة وحماية المتعاقدين ولا يجوز إلغاؤه
أو تعديله إلا باتفاق الأطراف بينما في المذهب الاشتراكي تعتبر الجماعة أساس
المجتمع ولا يعترف بحقوق الفرد ونظرية تحقيق العدالة مختلفة كما يحرم الفرد
من وسائل الانتاج كما أن حيز الملكية الفردية ضيق جدا.
لهذا تتجه التشريعات الحديثة إلى إقامة التوازن
بين المذهبين.
تأثر القانون بالمجتمع
تعتبر القوانين من أهم الوسائل التي يمكن من
خلالها مكافحة الفوضى والحد منها في أي مجتمع كان ، و القوانين أساسا لا تأتي من فراغ ، وإنما
من خلال ما يحكم المجتمعات من عادات ، و تقاليد ، وثقافة ، وتعاليم دينية ، وغير
ذلك ؛ فكل هذه الأمور تسهم في إثراء القوانين ، وفي جعلها أقرب إلى الأفراد الذين
تتشكل منهم المجتمعات ، فهم بذلك يصيرون أكثر تقبلا لها.
أهمية القانون بالنسبة
للمجتمع
1
- حفظ الاستقرار في المجتمع ، وحمايته من حالة الفوضى التي قد
تحدث نتيجة لتصرّفات بعض الأفراد العشوائية غير المضبوطة ،
والتي لا تراعي إلا المصالح الشخصية بغض النظر عن مدى تضرر الآخرين . في هذا
السياق ، فإن القانون هو صمام الأمان لحفظ حياة الناس ، و أعراضهم ، و أموالهم ،
وممتلكاتهم .
2 - توفير البيئة المناسبة للقيام بالأنشطة
الاقتصادية ، و الاجتماعية ، و الثقافية ، والسياحية المختلفة
، والت تعتبر درجات على سلم نهضة المجتمعات ، و ارتقائها .
3 - فضّ النزاعات التي
قد تحدث بين الأفراد ، أو بين المؤسسات ، أو بين الأفراد و المؤسسات ، و بطريقة
تحفظ حقوق الجميع ، ولا تضيعٌّها.
4 - تنظيم الشؤون
الحياتية المختلفة للأفراد ، و تنظيم عمليتي نيل الحقوق ، وتأدية الواجبات .
5 - الحفاظ على الممتلكات العامة ، و الثروات
المهمّة من الضياع ، و السرقة ، و النهب ، وأنواع الاعتداءات المختلفة ، و
التي قد تنتج عن سوء تصرف بعض أفراد المجتمع.
المقصود بالمدخل لدراسة القانون الوضعي
أولا المقصود بالقانون
الوضعي :
القانون الوضعي هو مجموعة من القواعد القانونية النافذة في إقليم
دولة معينة فالقانون الوضعي المغربي هو مجموعة القواعد المطبقة حاليا فوق التراب
المغربي ، الصادرة عن الجهات المختصة والسارية المفعول في المغرب ويبقي القانون
الوضعي جزءا من علم القانون ، وتكون محددة سابقا بحيث يتمكن الأفراد من تنظيم
سلوكهم وفق تلك القواعد . وهذه القواعد تتضمن سلفا بعض القواعد الدينية كما الحال
في مدونة الأحوال الشخصية ، و كما نعرف القانون الطبيعي
هو القواعد والمبادئ المثاليةٌ الأبديةٌ التي يستهدي بها القانون
الوضعي وكلما قرب منها يكون مثاليا وأقرب إلى الكمال . و يتمثل القانون
الوضعي في الدستور و القوانين التنظيمية و الاعراف باعتباره قاعدة قانونية غير
مكتوبة لشعور الناس بقوة إلزاميتها.
المقصود بالمدخل لدراسة
القانون الوضعي
دائما يتم التمهيد لمقدمة لدراسة موضوع معين ، والقانون الوضعي له مدخل
لدراسة القانون أو علم اصول القانون أو مقدمة القانون .
وباعتبار أن القاعدة
القانونية تسعى إلى تنظيم حقوق الأفراد والواجبات الملقاة عليهم سواء بعضهم بعضا
أو اتجاه السلطات العامة ، فالقانون هو الذي ينشئ الحقوق وينظمها ويبين مداها
ونطاقها وبذلك تظهر العلاقة الوثيقة بين الحق والقانون ، فالحق سلطة يمنحها
القانون للفرد تخول له القيام بأعمال معينة مشروعة لمصلحة يحميها القانون .
هنا
يتضح أن الحق هو المضمون والمحتوى ويبقى القانون الإطار الذي يحتضنه و يحميه.
المبحث الاول : تعريف القاعدة القانونية وبيان خصائصها وتقسيماتها وأنواعها
القانون
يشكل مجموعة من القواعد الملزمة التى تؤطر سلوك الأفراد وتوفق بين مصالحهم ويتحدد
في الزمان والمكان ويطلق عليه القانون الوضعي ، وهو مجموعة من القواعد القانونية
التي تخص بلدا معينا في زمن معين . والقاعدة القانونية هي قاعدة سلوكية ، عامة
ومجردة ، اجتماعية ، مقترنة بالجزاء.
المطلب الاول : تعريف القانون
القانون هو مجموعة من القواعد القانونية و القاعدة
القانونية هي الوحدة التي يتكون منها القانون في مجموعه ، أو هي حكم عام ينظم
الحياة العملية للأفراد و الجماعات و تقرر العقاب المناسب على من يخالفها .
و تعتبر القاعدة القانونية مصدرا
للالتزام ، فالقانون ينشى مجموعة من الالتزامات ، إلى جانب العمل غير المشروع و
الاثراء بلا سبب ، ويعرف الفقه القاعدة القانونيةٌ على أنها
" مبدأ قانوني غائي يستهدف تنظيم السلوك الانساني و توجيهه توجيها عاما
وملزما وفق نظام اجتماعي يتوافق مع الغايات و الاهداف المترسبة في الضمير الجماعي
" .
المطلب الثاني : خصائص القاعدة القانونية
انطلاقا من التعريف السابق فالقاعدة القانونية هي
قاعدة اجتماعية ، عامة ومجردة ، سلوكية ، ملزمة
أولا : القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية
القانون ظاهرة اجتماعيةٌ ، لها علاقة مباشرة
بالمجتمع و تنظيمٌ الحقوق والواجبات ،رغم أنه حاليا تم احتكاره من طرف الدولة
نظرا للتطور السياسي المعاصر ، حيث أن القاعدة القانونية وجدت قبل الدولة في
القبائل والعشائر ، كما أنها تعبر عن مراحل التطور المجتمعي ، فالقاعدة القانونية
في الدول الرأسمالية ليست نفسها في الدول الاشتراكية ، وهي ليست نفسها في الدول
الاسلامية ، و القانون من العلوم الاجتماعية ، فهو يتأثر بالعنصر البشري والسياسة
المتبعة في المجتمع ، عند دراسة القاعدة القانونية لا بد من فهم العلوم ذات الصلة
بالمجتمع مثل الاقتصاد والدين والسياسة وغيرها .
القانون يهدف إلى تنظيم السلوك الانساني وتوجيهه
توجيها عاما و ملزما ، فيترتب عن ذلك نتيجتين أولهما أن الافراد لا يمكن أن يعيشوا
إلا ضمن مجتمع معين وثانيهما أن وجود قانون يفترض وجود بيئة اجتماعية سابقة عليه ،
ولا نكون في حاجة للقاعدة القانونية إلا في ظل الجماعة حيث تظهر الحاجة إلى تنظيم
العلاقات الاجتماعية أما في حالة انعدام جماعة فلا
ضرورة للقانون ولا وجود له هذه الطبيعة الاجتماعية
للقاعدة القانونية تجعل منها مرنة تختلف من مجتمع لأخر ومن زمن الأخر لذلك نجد
المشرع يتدخل باستمرار لتعديل القانون بما يتلاءم مع التطورات الحاصلة على مستوى سيادة على أفرادها
ويكون لها القدرة على إجبارهم على الخضوع لأحكام القانون ، ولا يمكن تصور سيادة
قانون دون وجود دولة وسلطة عامة.
ثانيا: القاعدة القانونية قاعدة عامة ومجردة
يعني ذلك أنها تسري على جميعٌ الاشخاص المخاطبينٌ بها وعلى جميعٌ الوقائع التي تدخل في مضمونها ، فهي أولا لا تتوجه باوامرها ونواهيهٌا إلى شخص معينٌ بالذات ولا تعالج واقعة بعينٌها ، ثانيا كونها عامة لا يعٌني ذلك أنها تسري على كل الاشخاص في المجتمع بل ينصرف حكمها إلى طائفة معينٌة ما دامي تٌوجه إلى أفراد هذه الطائفة بصفاتهم لا بذواتهم مثال ذلك القواعد القانونيةٌ الخاصة بالمحامين أو الموثقين ، بل قد تسري على شخص واحد كرئيس الحكومة ومع ذلك فهي تخاطبه بصفته لا بذاته فتحدد صفاته وتنظم طريقة أداء مهامه.
فالعبر إذن بعموم الصفة لا بخصوص
الذات كذلك الأمر بالنسبة للوقائع ، فالقاعدة القانونية لا تتعلق بواقعة بذاتها
لكنها تطبق إذا توافرت شروط تطبيقها .
القاعدة القانونية إذن توجه خطابها بصفة عامة
وليست لشخص محدد بعينه ، أو واقعة معينة ، لكنها توجه إلى أشخاص و وقائع متى توفرت
الشروط و الاوصاف المحددة في الواقعة القانونية لهذا يتم تحديد مضمون القاعدة
القانونية طبقا لمعطيات مجردة ، فالتجريد هو الذي يضفي على القاعدة القانونية وصف
العمومية لتواجه حالات غير متناهية.
و العمومية والتجريد وجهان لعملة واحدة فالقاعدة
تبدأ مجردة وتصبح عامة عند تطبيقها ، فالقاعدة القانونية تتكون من الفرض والحكم
فمتى توفر الفرض وقع الحكم ، التجريد يتعلق بالفرض والعمومية تتعلق بالحكم ،
فالحكم يكون عاما لأن الفرض كان مجردا ، لكن بعض القوانين قد تتعلق بالأطباء أو
الشغالين ، ومع ذلك ينطبق عليها العمومية والتجريد لأنها موجهة ليس لذواتهم بل
لصفتهم كذلك الأمر لرئيس الدولة أو رئيس الوزراء.
التجريد والعمومية تتضمن صفة الدوام و الاستمرار
لكن هذا لا يمنع من صدور قواعد قانونية محددة بزمان ومكان مؤقت لظروف استثنائية
حصار أو نكبة ، كما يمكن صدور قواعد قانونية بأماكن مخصصة مثل تنمية أقاليم الجنوب
فرغم طابعها المحلي فلا ينفي عنها صفة العمومية والعمومية تعنى ان القاعدة القانونية تسرى على
الكافة من حيث الاشخاص والوقائع فهى تسري على كل الاشخاص دون تمييز كما انها تسري
على كل الوقائع التي تنظمها أو تحكمها تلك القاعدة ، أما التجريد فيعني ان القاعدة
القانونية يشترط ان تكون واضحة لا لبس فيها ولا غموض ومستوفية لشروطها فلا تحتاج
الى ما يفسرها او يكملها ، فالعمومية والتجريد فى القاعدة القانونية هما أمران
مكملان لبعضهما البعض، و بدون احداهما تفقد القاعدة القانونية مفهومها الصحيح ،
ذلك ان العمومية امر ينظم القاعدة من حيث السريان سواء من حيث سريان القاعدة على
الاشخاص جميعا ومن حيث الوقائع جميعها فلا يصح ان تسري القاعدة على فرد دون الاخر
ممن تنطبق عليهم ، كما لا يجوز ان تطبق على واقعة دون الاخرى ممن تسرى عليها
القاعدة ، والتجريد هنا مكمل للمفهوم الصحيح للقاعدة القانونية من حيث امكانية القواعد
القانونية وقدرتها على ان تسري على جميع الافراد وجميع الوقائع . ذلك لان القاعدة
القانونية لابد ان تكون كافية بذاتها للتطبيق على كافة الافراد والوقائع التى
تحكمها دون ان تكون فى حاجة الى ما يكملها من نصوص اخرى ، ودون ان تكون فى حاجة
الى من يفسرها ، فلا يجوز ان تكون غامضة أو مبهمة بحيث تحتاج الى تفسير ما شابها
من غموض أو لحقها من لبس يجعل من تطبيقها على الافراد او الوقائع امرا مستحيلا.
ثالثا : القاعدة القانونية قاعدة سلوك
تتوجه القاعدة القانونية بأحكامها
ومقتضياتها إلى سلوك الأفراد ، وخصوصا السلوك الخارجي للفرد ، فهي قاعدة سلوكية ،
لا تتجه إلى نواياه ومشاعره وخواطره مثل الكراهية والحقد رغم أنها مخالفة للأخلاق
والمثل العليا.
فالقانون يبقى بعيدا عنها لكنه يتدخل عندما
تصبح وقائع مادية . لكن عامل النية يحضر عند اصدار الجزاء سواء تخفيفا أو تشديدا ،
فالقانون الجنائي مثلا يعتد بالنية وكذلك القانون المدني حيث ينص قانون الالتزامات
والعقود المغربي على ضرورة التحلي بحسن النية.
رابعا : القاعدة القانونية قاعدة ملزمة
تقوم على الجزاء الذي يناط بالسلطة العامة في
المجتمع توقيعه على من يخالف أحكامها ، فالسلطة التشريعية تضع
القاعدة القانونيةٌ و السلطة التنفيذية تسهر على فرض احترامها من
خلال ايقاع الجزاء والعقوبة على من خالفها ، فانضباط الافراد واستقرار المجتمع لا
يتصور خارج إطار القاعدة الملزمة .
غير أن هذا الجزاء لا
يعني أن المخاطبين بها يخضعون لها خوفا من العقاب بل يكون ذلك بمحض إرادتهم وذلك
راجع إلى تطابق القاعدة القانونية مع قواعد الدين و الاخلاق ، وكذلك مع احساس
المخاطب بها بضرورة احترامها من أجل عيش أمن داخل المجتمع.
أ - تعريف الجزاء
القاعدة القانونية عبارة عن خطاب موجه
للأفراد يتضمن تكليفا أو أمرا أو نهيا يترتب عن
مخالفته تدخل السلطة من أجل توقيع الجزاء على المخالفين ،
لهذا كان الإجبار أهم عنصر يميز القاعدة القانونية عن القواعد الأخرى مثل
الدين والأخلاق ، فالجزاء وسيلة للضغط على إرادة الأفراد من أجل احترام مضامين
القاعدة القانونية ، هذا الحزم يعتبر نوعا من الضرر المادي توقعه الدولة بواسطة
المحاكم على من يخالف القانون .
الجزاء هو الأثر المترتب على مخالفة القاعدة
القانونية ، والغرض منه هو الضغط على إرادة الأفراد حتى يمثلوا لأوامر
القانون و نواهيه ، لأنه إذا كان القانون يهدف إلى كفالة الأمن والاستقرار في
المجتمع ، فإن هذا الغرض لن يتحقق إذا تركنا للأفراد حرية احترام القاعدة
القانونية أو عدم احترامها . فلولا الجزاء لكانت القاعدة القانونية عبارة عن نصائح وإرشادات غير
ملزمة ، لكن هذا لا يعني أن الناس لا يحترمون القاعدة القانونية إلا لتوفر الجزاء
، بل إن الكثير من الناس يمتثل لها شعورا منهم بأهمية سيادة القانون داخل المجتمع
، فذلك من مصلحة الجميع ، فالجزاء ينقل القاعدة القانونية من مرحلة السكون إلى
مرحلة الحركة عندما يتم مخالفة أحكامها .
ب - تطور الجزاء
حتى يصل الجزاء إلى الصورة التي هو عليها الآن ،
مر بالعديد من المراحل عبر العصور المختلفة فقد عرفت المجتمعات البشريةٌ الأولى مرحلة كان الجزاء متروكا
بيد الأفراد ، حيث ينتقم كل فرد لنفسه بنفسه ، و تشد أزره أسرته أو عشيرته ، ولهذا تميزت
هذه المرحلة بالصراع الدموي حيث كان الانتقام الفردي يمارس بغير حدود ، وكانت
الغلبة في النهاية للأقوى بغض النظر عن كونه صاحب حق أم لا .
حاليا حلت محل ذلك
الجزاءات الحديثة التي أصبح الأسر فيها معقودا بيد السلطة العامة ، فأصبحت الدولة
هي وحدها صاحبة الحق في توقيع الجزاء على كل من ينتهك حرمة القانون .
فظهرت المحاكم التي يلجأ إليها المعتدى عليه بما يكفل حصوله على حقوقه
الضائعة في إطار من الشرعية ، وبما يضمن إنزال الجزاء المناسب على المعتدي ، فلم
يعد من حق الأفراد سوى اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقوقهم ، ولم يعد في استطاعتهم
أن يقيموا العدل بأنفسهم ، إلا في حالات استثنائية يحددها القانون علي سبيل الحصر
. و يمكن أن نذكر منها حالة الدفاع الشرعي التي تجيز لمن وقع
عليه تهديد في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال أن يدفع بنفسه هذا الاعتداء
بالقدر والوسيلة المناسبة لرد الاعتداء ، نظراً لاستحالة تدخل السلطة العامة في
الوقت المناسب .
ج - خصائص الجزاء
السلطة العامة تحتكر توقيع الجزاء نظرا لما تتوفر
عليه من وسائل مادية ومعنوية وحفاظا على النظام العام من الفوضى ، إلا فى
استثناءات قليلة تجعل الافراد يمارسون القضاء الخاص أو العدالة الخاصة وهي حالات
ضيقة ومحددة بنص القانون :
1
- الدفاع الشرعي الفصل 124 من القانون الجنائي " لا جناية ولا جنحة إذا كانت الجريمٌة استلزمتها ضرورة الدفاع عن
النفس بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء
2 - الحق في الحبس وهو حبس مستحق للمدين من
طرف الدائن حتى يسدد
3 - الدفع بعدم التنفيذ وهو الامتناع عن تنفيذ
التزام ما دام الطرف الأخر لم يلتزم
4 - قطع جذور الأشجار الممتدة من أرض الجار أو
الاستفادة من ثمارها
5- التحكيم ، وهو اتفاق طرفين على جهة
معينة للتحكيم في حالة نزاع محتمل ويكتب ويوقع .
د - أنواع الجزاء
يختلف حسب نوع و صفة القاعدة القانونية
اولا - الجزاء الجنائي :
وهو أقسى أنواع الجزاء باعتباره يتعلق بقواعد
القانون الجنائي وتأتي قسوة هذا الجزاء لأنه يفرض لمصلحة المجتمع والمصلحة العامة
، و ينٌدرج من الإعدام إلى السجن الحبس الاعتقال
أو الإقامة الجبرية والغرامات المالية أو المصادرة أو التجريد من الحقوق المدنية
والسياسية وهو يتقرر حسب خطورة الفعل الجرمي المرتكب ، و الجزاء الجنائي توقعه الدولة
تأکیدا لسلطانها وتحقيقا لهدفها العام الذي تسعى إلى تحقيقه وهو حماية الأمن
والنظام داخل المجتمع. وينبني على ذلك نتيجة هامة وهي أن المختص بالمطالبة الجزاء
على مرتكبي الجرائم ليس هم المجني عليهم وإنما النيابة العامة باعتبارها الهيئة
التي تمثل المجتمع ، و تسمى هذه المطالبة بالدعوى العمومية .
ثانيا - الجزاء المدني :
يقع عند الاعتداء على ملك خاص و تؤطره قواعد
القانون المدني
1 - التنفيذ العيني : وهو إلزام المدين
بتنفيذ ما التزم به عندما يكون ذلك ممكنا مثل تسليم وديعة إلى المودع أو تسليم طفل
إلى حاضنه الشرعي
2- التنفيذ بمقابل : في حالة العجز عن
التسديد يتم التعويض نقدا بما يعادل ما لحق الدائن من خسارة أو ما فاته من کسب
3- الفسخ : عندما يخل أحد الطرفين
بالبنود المتفق عليها يتم الفسخ
4- البطلان : يتم البطلان إما بسبب عدم
وجود تراضي بين الطرفين أو سبب غير مشروع للعقد ( كراء بيت من أجل دعارة العقد
يعتبر باطلا)
5- الإبطال : يتطلب العقد لتكوينه
أركانا أساسية هي التراضي والمحل والسبب وأن يكون خاليا من عيوب الإرادة أو الغلط
أو الغبن أو التدليس أو الإكراه وفي حالة غياب أحد هذه الأركان يتم الإبطال مع
الأثر الرجعي ويعتبر العقد كأن لم يكن .
ثالثا - الجزاء الاداري
أو التأديبي :
الذي يوقع على موظفي الدولة والعاملين بها
نتيجة مخالفتهم لقواعد العمل الوظيفي . والغرض من الجزاء الإداري هو ضمان حسن سير
العمل بالمرافق العامة في الدولة ، وحسن تأدية موظفي الدولة لأعمالهم بوجه عام .
فالموظف يخضع لقوانين الوظيفة العمومية ولكل مهنة هيئات مهنية توقع العقوبة على
المخالفين حيث يختلف العقاب حسب درجة الخطأ من إنذار توبيخ اقتطاع
وقف فصل نقل حرمان من معاش .
المطلب الثالث : تمييز القواعد القانونية عن قواعد السلوك
الاجتماعية الاخرى
القاعدة
القانونية تهدف إلى ضبط سلوك الفرد داخل المجتمع ، لكن ليست القاعدة القانونية
وحدها التي تهدف إلى تنظيم العلاقات الاجتماعية بل هناك قواعد اجتماعية أخرى تحكم
بدورها سلوك الأفراد هي قواعد المجاملات والعادات والأخلاق والدين .
أولا : التمييز بين
القاعدة القانونية وقواعد العادات والمجاملات
قواعد المجاملات والعادات شرع الناس على
اتباعها وأصبحت سارية وتعطي مظهرا اجتماعيا للمجتمع لكنها غير مكتوبة وتصدر بعفوية
عكس القاعدة القانونية التي تكون مكتوبة وصادرة عن جهات مختصة ، كما أن الجزاء في
القاعدة القانونية يكون ماديا ملموسا بينما هنا نجد الجزاء عبارة عن استنكار الناس
واحتقارهم لمن خالف هذه القواعد وتجميد العلاقات الاجتماعية معه ، لكن يمكن
أن ترتقي إلى القاعدة القانونية عندما يرى المشرع
ضرورة لذلك مثل منع التدخين بالأماكن العمومية .
ثانيا : التمييز بين القاعدة القانونية
وقواعد الأخلاق
يقٌصد بالأخلاق مجموعة المبادئ المستقرة في
ضمير الأفراد عن الخير والشر في عصر من العصور حيثٌ تكون المثل
العليا التي يعتبرها غالبية الأفراد قواعد سلوك ملزمة عليهم احترامها وإلا استحقوا
سخط المجتمع و ازدرائه .
وفي الواقع ان التمييز بين القواعد
والقواعد الأخلاقية لم تتضح معالمه إلا منذ القرن الثامن عشر ، ففي المجتمعات
القديمة كان هناك تداخل و مزج لدرجة الوصول إلى وحدة المفاهيم والقواعد . وبالرغم
من هذا التداخل بين قواعد القانون وقواعد الأخلاق فقد حاول بعض فقهاء القرن الثامن
عشر أمثال الفيلسوفان الألمانيان " توماسيوس " و " كانت
" بيان الأسس التي يقوم عليها التمييز بينهما . ويلاحظ أن هذه الأسس التي
اعتمدها هؤلاء الفقهاء إنما تستند إلى معيار اختلاف الغاية التي تستهدف الوصول
إليها كل من قواعد القانون وقواعد الأخلاق.
فقواعد
الأخلاق ترتبط بوجدان الافراد وضمائرهم وتهدف إلى تحقيق الطمأنينة الذاتية والسلامة
الداخلية للإنسان للوصول به إلى مرحلة الكمال الفردي لذلك يقال عن القانون
بأنه نظام اجتماعي .
و تمثل الأخلاق قيما سامية ومثلا عليا وهي قواعد
سلوكية تهدف إلى تنظيم العلاقات الاجتماعية وهي تتشابه مع القاعدة القانونية من
حيث العمومية والتجريد و الإلزام لكنها تخلف مع القاعدة القانونية من حيث التنظيم
والوضوح ، فالقاعدة القانونية واضحة مضبوطة مكتوبة بينما القاعدة الأخلاقية مشتتة وغير
مضبوطة بدقة ، القاعدة القانونية لا
تضبط النواياٌ بينٌما الأخلاق تركز بشكل اساسي على مكامن النفس ونواياٌها ، ويبقى أهم
اختلاف هو الجزاء حيث أن الجزاء في قواعد الأخلاق يكون تأنيب الضمير واحتقار
الناس بينما يكون في القاعدة القانونية جزاء ملموسا ماديا ، و تبقى دائرة الأخلاق أكبر من
دائرة القاعدة القانونية في تأطير علاقات الناس ، فالأخلاق لا تقتصر على بيان
واجبات الفرد نحو ربه أو نفسه بل تتعدى ذلك إلى بيان واجباته نحو غيره من الافراد
بينما لا تعنى القاعدة القانونية إلا بعلاقة الفرد مع غيره من الافراد دونما اهتمام
بواجباته نحو نفسه أو خالقه .
يتضح هنا أن هناك دائرة خاصة بالأخلاق وأخرى
بالقانون وأخرى مشتركة بينهما .
-
النطاق
الخاص بالأخلاق : فعل الخير والامتناع عن
الشر التحلي بالمروءة والشهامة
- النطاق الخاص بالقاعدة القانونية : المصلحة الاجتماعية (
المرور ، التحفيظ ، الضريبة..)
-
النطاق المشترك : هو قواعد الاعتداء على الغير واحترام العهود .
1 - من حيث نطاق كل منهما :
إن الأخلاق أوسع نطاقا من القانون ، فقواعد
الأخلاق تعنى ببيان واجبات الفرد سواء تجاه خالقه ، أو تجاه نفسه ، أو تجاه غيره
من الأفراد ، أما قواعد القانونية فالأصل أنها لا تهتم إلا بأعمال وتصرفات الأفراد
ذات التأثير المباشر على حياة المجتمع ، أي تقتصر فقط على بيان واجب الشخص تجاه
الغير .
2 - من حيث الشدة :
تعتبر القواعد الأخلاقية أكثر تشددا من
القواعد القانونية ، فإذا كانت القواعد القانونية ترمي في إطار تنظيم المجتمع
واستمراره لمراعاة مبدأ المصلحة والنفع العام فإنها ستقبل في كثير من الأحيان
بأمور لا يمكن للقواعد الأخلاقية أن تقبلها طالما أنها تهدف إلى السمو بالفرد
والوصول به إلى الكمال .
3 - من حيث المؤيد أو
الجزاء :
يترتب على مخالفة كل من قواعد القانون
وقواعد الأخلاق جزاء ، إلا أن طبيعة هذا الجزاء مختلفة ، فالجزاء بالنسبة للقاعدة
القانونية جزاء مادي محسوس تتولى السلطة العامة توقيعه جبرا بما تملكه من وسائل
الإكراه و القسر ، وهذا بخلاف الجزاء في القاعدة الأخلاقية ، حيث يقتصر المؤيد أو
الجزاء على مجرد تأنيب الضمير والوجدان الفردي أو استنكار الضمير الجماعي العام
دون تدخل من السلطة العامة.
وتجدر الإشارة أن القواعد الأخلاقية يتبناها
المشرع في شكل قاعدة قانونية عندما يكون الأمر ضروريا ، مثال : الوشاية الكاذبة ،
التزوير ، شهادة الزور ، كما أن المشرع يحيط فكرة الأخلاق و الآداب الحميدة بسياج
مهم من الحماية ويفرض احترامها بقواعد قانونية مؤيدة بقوة الجزاء المادي ليجبر الافراد على
الالتزام بمضمونها .
ثالثا : التمييز بين
القاعدة القانونية وقواعد الدين
يقصد بقواعد الدين مجموعة من الأوامر التي
أنزلها الله سبحانه وتعالى في القرآن والسنة وهي أوامر ونواهي مقترنة بالجزاء عند
مخالفتها سواء الجزاء الدنيوي أو الأخروي ، وهي قواعد تسعى إلى تنظيم سلوك الفرد
مع خالقه وتتمحور غالبا في العبادات لكنها تنظم أيضا العديد من الأمور الاجتماعية
والمالية .
و الدين هو المبادئ و الاحكام التي شرعها الله
سبحانه وتعالى وأنزلها على رسله وقاموا بتبليغها للناس اما القانون فهو مجموعة
القواعد المكتوبة التي سنها المشرع ( البرلمان مثلا ) و التي تنظم سلوك الافراد في
المجتمع ، وتكون ملزمة ومقترنة بجزاء توقعه السلطة العامة على من يخالفه
. قواعد الدينٌ وقواعد القانون وقواعد الاخلاق تتشابه ي فيما
بينها من حيث صفة العمومية والتجريد و الجزاء ومن حيث المصدر ومن حيث النطاق .
الدينٌ أكثر شمولاً من القانون ، إذ
يدخل في مضمونه القواعد التي تحدد علاقة الإنسان نحو خالقه ، أو نحو نفسه ، أو نحو
غيره من الأشخاص .
بينما يقتصر القانون بصورة أساسية على
قواعد المعاملات. إلا أن هذا لا يعني أن قواعد القانون لا تمتد أحيانا لتشمل بعض
شؤون العبادات ( علاقة الإنسان بخالقه ) فالقانون يكفل ممارسة الشعائر الدينية ، و
يمنع أي اعتداء عليها .
1 - الاختلاف من حيث الجزاء
الجزاء في القاعدة الدينية جزاء مزدوج دنيوي
وأخروي ، فالله سبحانه يوقع الجزاء في الآخرة بينما
ولي الأمر يوقعه في الدنيا ، بينما في القاعدة
القانونية فهو جزاء مادي دنيوي فقط . على أنه قد يقوم المشرع
بصياغة مجموعة من القواعد الدينية في قواعد قانونية تصبح هذه القواعد ملزمة
بالجزاء ولكن ليس باعتبارها قواعد دينية بل باعتبارها قواعد قانونية. و مثال ذلك
بعض مسائل الأحوال الشخصية من زواج و طلاق و عدة و نفقة و نسب و ميراث و غيرها من
المسائل المتعلقة بالأسرة . و في هذا الخصوص تتطابق القواعد القانونية مع الأحكام الدينية و لا يختلف
الجزاء في كليهما ، إلا أنه لا يطبق باعتباره جزاء دينٌياٌ بل بوصفه جزاءا لمخالفة نصوص القانون .
2 - من حيث المصدر
القواعد الدينية مصدر سماوي بينما القاعدة
القانونية من صنع البشر ووضع البشر حيث تتكفل السلطة التشريعية بسن القوانين
وتتكفل السلطة التنفيذية بتنفيذها .
3 - من حيثٌ النطاق
قواعد الدينٌ أوسع نطاقا من القاعدة القانونية
وذلك لسعة دائرة الدين وضيق دائرة القانون ، فقواعد القانون لا تهتم إلا بتنظيمٌ فئات معينٌة من الروابط الاجتماعية ،
بينما قواعد الدين تشارك قواعد القانون في تنظيم الروابط الاجتماعية بين الافراد
تنظيما موضوعيا كما في قواعد المعاملات والعبادات و الاخلاق والمروءة و قواعد
الأحوال الشخصية.
القواعد الدينية لها تأثير كبير على القوانين
الوضعية في الدول الاسلامية بحيث تعتبر مصدرا من مصادر القانون مثال ذلك تحريم
الربا بين المسلمين وهو ما نصت عليه المادة 876 من قانون الالتزامات والعقود ، كما
أخد المشرع المغربي بقاعدة الكتابة كوسيلة للإثبات بناء على قوله تعالى : "
وإن تداينتم بدين فاكتبوه "
4 - من حيث الاهتمامات
الدين يهتم بالنوايا و المقاصد. أما القانون فيهتم
أساساً بالسلوك الخارجي فهو لا يعتد بالنوايا في ذاتها ، إلا إذا ظهرت إلى حيز
الوجود في شكل سلوك رتب أثارا قانونية معينة .
5 - من حيث الأهداف
تهدف قواعد الدين إلى الرقي بالإنسان و
تربيته تربية مثالية نقية ، لذلك فهي تأمر بالمحبة و التراحم و التعاطف و تقديم
المساعدة عند الشدائد و عدم الكذب أياً كان نوعه أو نتيجته . أما القانون فيهدف
إلى إقامة النظام في المجتمع و تحقيق العدل و المساواة وفقا لمعايير واقعية ، فعلى
سبيل المثال القانون يحارب السلوك المعين إذا بلغ حداً من الخطورة
يهدد النظام العام في المجتمع .
المطلب الرابع : أنواع وتقسيمات القاعدة القانونية
في تصنيف القاعدة القانونيةٌ نتطرق إلى فروع القانون
الوضعي وتقسيم قواعده ، فالقاعدة القانونيةٌ ليست على نوع واحد
بل تختلف بالعلاقات التي تنظمها فهي تنقسم من حيث الشكل والصورة إلى قواعد مكتوبة
التشريع وقواعد غير مكتوبة العرف ، كما تنقسم إلى قواعد موضوعية وأخرى شكلية
فالموضوعية توضح الحقوق والالتزامات أما الشكلية فهي ترسم الطريق للوصول الى هذه
الحقوق بإتباع اجراءات محددة ، فالقانون المدني مثلا قانون موضوع يهتم بالحقوق
بينما قانون المسطرة المدنية هو قانون شكلي يهتم بشكليات الدعوى للوصول إلى الحق.
أولا : القاعدة القانونية من حيثٌ صفة المخاطبين بها
أ - التمييز بين القانون العام و قواعد القانون الخاص
التمييزٌ بيينٌهما نتيجٌة عارضة لسلسلة من الوقائع و
الاحداث التي عند تجميعٌها ساهمت في ظهور هذا
التصنيف أصبح كلاسيكيا ، و يرده البعض إلى عهد الرومان فيما يرجعه
آخرون إلى الصراع بين المذهبين الليبرالي والاشتراكي .
و اذا ما رجعنا إلى الوقائع
و الاحداث التي دفعت إلى تقسيم قواعد القانون إلى خاصة وأخرى عامة نجد أن هناك :
الحدث الأول : المتمثل في وجود سلطة
سياسية وإدارية داخل المجتمع ، حيث أن تثبيت السلطة داخل إطار الدولة والتي كان
نطاق تدخلها محددا بوضوح ساهم في تكريس التمييز بين القانون العام والقانون الخاص
.
الحدث الثاني : هو تنظيمٌ القضاء الفرنسي على أساس
ازدواجية القضاء أي وجود قضاء إداري يفصل في المنازعات الادارية ويقاضي
الادارة معتمدا في ذلك على قواعد القانون الاداري ، ثم وجود قضاء عادي يفصل بين
الخواص .
الحدث الثالث : تدريس العلوم القانونية في الجامعات ، حيث درجت الجامعات على تقسيم المواد بناء على القانون
المدني أو القانون الاداري أو التجاري ، ثم سرعان ما أصبح لكل من القانون العام
والخاص فقهاؤه المتخصصون .
هكذا يمكن القول أن هذا التقسيم موروث عن القانون
الفرنسي .
ب - أهمية تقسيم
القانون إلى عام وخاص
1 - يضمن القانون العام للسلطات العديد من
الامتيازات التي لا يتيحها القانون الخاص ؛ حيث يتيح للدولة اللجوء إلى بعض
الوسائل لتحقيق المصلحة العامة ، مثل: فرض الضرائب ، أو الخدمة العسكرية وغيرها.
2.
يعطي الدولة الحق في تعديل أو إلغاء العقود الإداريّة ، بما يتناسب مع المصلحة
العامة ، حيث يتم أي تعديل في الشروط بموافقة الطرفين ، أو المطالبة بتعويض وإلغاء
العقد
3. يهدف القانون العام إلى المصلحة العامة ، بينما
يهدف القانون الخاص لتحقيق الأهداف الخاصة ، ولذلك يتمّ النظر في المنازعات التي
تكون الدولة طرفا فيها من اختصاص القضاء الإداري ، بينما تكون الدعاوي بين الخواص
من اختصاص القضاء العادي .
ج - معيار التمييز بين القانون العام والقانون الخاص
1 : المعيار المستند إلى الغاية التي تستهدفها القاعدة القانونية ) المعياٌر الوظيفي (
المعيار الوظيفي أو المعيار المستند إلى الغاية أو
المصلحة معيار قديم يجد جذوره في القانون الروماني ، فالقانون العام يسعى إلى
تحقيق المصلحة العامة بينما يسعى القانون الخاص إلى تحقيق المصلحة الخاصة ، لكن
هذا التعريف يبقى تعريفا منتقدا حيث أن قوانين الزواج والطلاق مصلحة عامة للمجتمع
، كما أنه لا توجد حدود فاصلة واضحة بين المصلحة العامة والخاصة
2 : معيار القواعد الآمرة
والقواعد المكملة
قواعد القانون العام قواعد آمرة في حين قواعد القانون
الخاص مكملة ، فالقواعد الآمرة هي التي لا يجوز للأشخاص الاتفاق علي
مخالفتها بينما يمكن ذلك في القواعد المكملة ، لكن هذا المعيار غير دقيق على
اعتبار أن قواعد القانون الخاص بدورها آمرة مثل قواعد تنظيم الزواج
والطلاق و الارث .
3 : معيار الدولة كطرف فى
العلاقة محل التنظيم
بهذا المعيار يمكن القول أن قواعد القانون
العام تنظم العلاقات القانونية التي تكون فيها الدولة أو أحد هيئاتها طرفا فيها ،
في حين تنظم قواعد القانون الخاص العلاقات القانونية بين الأشخاص سواء طبيعيين أو
معنويين مثل الجمعيات والشركات .
4 : معيار الدولة بوصفها صاحبة
السيادة فى العلاقة
هذا المعيار يبقى سليما لأنه يضع نصب عينيه
اتساع دائرة اهتمامات الدولة ومجال تدخلها ذلك أنها يمكن أن تتعاقد بوصفها شخصا
عاديا عندما تهدف إلى اشباع حاجة خاصة مستعملة تقنيات القانون الخاص وتكون هناك
مساواة وبينها وبين المتعاقد ، هذه العلاقة يحكمها القانون الخاص ، أما عندما تريد
الدولة إشباع رغبة عامة فإنها تستعمل وسائل غير عادية باعتبارها صاحبة السيادة
والسلطان فتستعمل امتيازاتها و إمكانياتها التي يسخرها لها القانون وتكون في موقع
السيطرة والتحكم بدل المساواة مع المتعاقد مثل نزع ملكية خاصة من أجل منفعة عامة وهنا
تخضع لقواعد القانون العام .
5 : المعيار المستند إلى
جزاءات القواعد القانونية وطرق التنفيذ ( المعيار الشكلي
)
هو فارق تقني يتجلى في كون قواعد
القانون الخاص لا بد من تأييدها بالقضاء لتمكين أصحابها من
حقوقهم ، بينٌما قواعد القانون العام فيتٌم تنفيذٌها
من غيرٌ تدخل القضاء .
يبٌقى أن أفضل معياٌر للتفرقة بينٌ القانون
العام والخاص هو الذي يجعل من القانون العام الذي يحكم العلاقات المتصلة بحق
السيادة أو بتنظيم السلطة مثل القانون الدستوري ، أما العلاقات القانونية غير
المتصلة بهذا الحق فيحكمها القانون الخاص حتى لو كانت الدولة طرفا في العلاقة
القانونية ما دامت لا تظهر بوصفها وحدة سياسية أو بصفتها سلطة عامة .
القانون العام : مجموعة القواعد القانونية
التي تنظم السلطات العامة في الدولة وتحكم العلاقات القانونية التي تكون الدولة
طرفا فيها باعتبارها صاحبة سيادة وسلطان ونفوذ .
القانون الخاص : مجموعة القواعد
القانونية التي تنظم العلاقات بين اشخاص القانون الخاص أو بين هؤلاء وبين الدولة
لكن ليس باعتبارها صاحبة سيادة و سلطان بل باعتبارها شخصا قانونيا معنويا عاديا
يتصرف كما يتصرف الاشخاص العاديون .
د - نتائج التفرقة بين قواعد القانون العام والخاص
1 / قواعد القانون
العام أغلبها قواعد آمرة لا يجوز الخروج عليها أو الاتفاق على مخالفتها ، أما
قواعد القانون الخاص فتمتاز بأنها تكاد تكون في أغلبها قواعد مكملة يجوز الاتفاق
على استبعاد حکمها بحکم مخالف
2
/ يخول القانون العام لأجهزة الدولة و للادارة امتيازات وسلطات بغرض
تحقيق المصلحة العامة ، لكن لا يعني ذلك التضحية بحقوق الافراد وحرياتهم ،
فهذه السلط والامتيازات ليست مطلقة بل ان الادارة تخضع في تصرفاتها للقانون الذي
يحدد هذه الامتيازات بدقة ، و يحق للافراد مقاضاة الادارة في حالة مخالفتها لضوابط
القانون .
3 / لا يجوز التصرف في
الاموال العامة أو تملكها أو حيازتها أو الحجز عليها أو الاعتداء عليها بأي طريق
آخر ، فالمشرع عمل على تقرير حماية خاصة للمال العام ضد كل تعطيل أاعتداء أو إضرار
بمنافعه العامة بواسطة قوانين جنائية صارمة ، هذه الاموال العامة تخضع لأحكام خاصة و
متميزة بحيث تتمتع بحماية أكثر من تلك الحماية المقررة للأموال الخاصة ، وتعتبر
ديوانا ممتازة بالاسبقية عند تزاحمها مع ديون خاصة
" الأموال العامة لا تكتسب بالتقادم
ولا يمكن الحجز عليها " .
4 / احداث جهة قضائية مستقلة
عن القضاء العادي للنظر في المنازعات التي تكون الدولة او أحد اشخاص القانون العام
طرفا فيها وهي المحاكم الادارية .
ثانياٌ : القاعدة القانونية من حيث الالزام فيها
تهدف القاعدة القانونيةٌ إلى تنظيم مصالح
الافراد داخل المجتمع ، وبما أن هذه المصالح
مختلفة فضروري أن تختلف القاعدة القانونيةٌ ، و
يمكن تقسيم القاعدة القانونية من حيث قوتها الإلزامية إلى قواعد أمرة ، و قواعد
مكملة .
أ - القواعد الآمرة
هي التي لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفة
أحكامها أو التهرب من مضمونها وكل اتفاق على ذلك يعد باطلا ، على اعتبار أن
القاعدة الآمرة تنظم مصالح أساسية وجوهرية بالنسبة لكيان المجتمع واستمراره ،
بكل بساطة هي القواعد التي لا تترك أي خيار للمخاطبين بها ، فهي قواعد واجبة
الاتباع في جميع الأحوال وهي تمثل الإرادة العليا للمجتمع في نشاط ما على نحو ما .
وعليه فالقواعد التي تمنع الجرائم كالضرب والقتل والسرقة والنصب هي قواعد آمرة
فأغلب قواعد
القانون الجنائي هي قواعد آمرة وكذلك
قوانين الأحوال الشخصية لا يجوز الاتفاق على مخالفتها وكذلك نظام الضرائب ونجد مثل
هذه القواعد أيضا في القانون المدني والاجتماعي .
من
الأمثلة على القواعد الآمرة الفصل 393 من القانون الجنائي المغربي الذي
ورد فيه القتل العمد مع سبق الإصرار أو الترصد يعاقب عليه بالإعدام " ،
والمادة 10 من مدونة الشغل التي تمنع تسخيرٌ الأجراء لأداء
الشغل قهرا أو جبرا.
ب - القواعد المكملة أو
المفسرة
هي تلك القواعد التي يجوز الاتفاق على مخالفة
مضمونها ويكون اتفاقهم صحيحا نظرا لتعلقها
بمصالحهم الخاصة بعبارة أخرى هي
تلك القواعد التي تطبق على الأفراد ما لم يتفقوا على مخالفتها نظرا لعدم اتصالها
بمقومات المجتمع أو كيانه السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي بل ترتبط فقط
بمصالح الأطراف المتعاقدة والعقد قانون المتعاقدين . و من الأمثلة على القواعد
المكملة ما نصت عليه مجموعة من فصول قانون الالتزامات والعقود ، مثل الفصل 493
الذي ورد به أنه : " بمجرد تمام العقد ، يتحمل المشتري الضرائب وغيرها من
الأعباء التي يتحملها الشيء المبيع ما لم يشترط غير ذلك ، ويقع على عاتقه أيضا مصروفات
حفظ المبيع وجني ثماره وعلاوة على ذلك يتحمل المشتري تبعة هلاك المبيع ، ولو قبل
حصول التسليم ، مالم يتفق على غير ذلك . "
وقد أطلق البعض على هذه القواعد تسمية
القواعد المقررة لأن القاعدة تقرر أن إرادة الأفراد قد اتجهت افتراضا إلى اعتماد
الأحكام الواردة فيها ، بينما يصفها آخرون بالقواعد المفسرة لأنها تفسر إرادة
المتعاقدين في حالة إغفالهم الاتفاق على مسألة معينة .
القواعد المكملة تكون ملزمة فقط إذا لم يتفق
الطرفان على مخالفتها أو كانا على جهل بها .
ج - معايير التمييز بين
القواعد الأمرة والمكملة
قوة الإلزام في القاعدة القانونيةٌ تعود إلى نوعيةٌ المصالح التي تنظمها ، وعلى هذا المعيٌار تنقسم
القواعد القانونيةٌ ، فهناك معياٌر مادي أو لفظي وآخر معنوي أو موضوعي .
1 : المعيار اللفظي أو المادي
نجد هذا في ألفاظ النص القانوني وعباراته فإذا جاءت القاعدة القانونيةٌ على صيغة أمر أو نهي فإننا
نكون أمام قاعدة آمرة ، أما إذا كانت تجيزٌ الإنفاق
على مخالفتها فنحن أمام قاعدة مكملة .
وهذا المعياٌر واضح وحاسم فلا مجال للاجتهاد مع وجود النص .
أولا
- الألفاظ الدالة على الصفة الآمرة :
إذا استعمل المشرع ألفاظا تدل على الأمر أو
النهي ، نكون أمام قاعدة آمرة كما هو الشأن بالنسبة لألفاظ " باطلة " و" لا يجٌوز " و " يسال "، و" كل شرط مخالف لذلك
يكٌون عديمٌ الأثر ".
ثانيا
- الألفاظ الدالة على الصفة المكملة :
تعتبر القاعدة القانونيةٌ مكملة إذا كانت الألفاظ التي استعملها
المشرع لمخاطبة الملزمينٌ بأحكامها تفيد جواز اتفاق الأفراد على مخالفة أحكامها مثل " ما لم يمنح
هذا الحق بمقتضى الاتفاق " ، و" ما لم يشترط غيرٌ ذلك "، و"ما لم يقٌضي الاتفاق بخلافه " "
يمكن يجوز " .
2 : المعياٌر الموضوع أو المعنوي
قد لا تسعف العبارات للتعرف على القاعدة القانونيةٌ هل هي آمرة أم مكملة ، فانداك نلتجئ إلى المضمون فإذا تعلقت بالنظام العام أو الاداب والأخلاق العامة كنا أمام قاعدة آمرة ، فالقاعدة الآمرة وفق هذا المعياٌر ليسٌت بالنظر لألفاظها وعباراتها ، وإنما بالنظر لموضوعها فهي تحمل موضوعا له علاقة مباشرة بالنظام العام. ويقصد بالنظام العام مجموع المصالح الأساسيةٌ لمجتمع ما ، سواء كانت هذه المصالح سياٌسيةٌ أو اخلاقيةٌ أو اقصاديٌة أو اجتماعية. فكل قاعدة تحمل بينٌ طياٌتها موضوعا له صلة بالمصلحة الأساسيةٌ للمجتمع في الجانب الاخلاقي أو الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي تعتبر قاعدة آمرة . والنظام العام اصطلاح فضفاض صٌعب تحديدٌه خاصة أمام عدم وضوح ما يسٌمى بالمصالح العلياٌ ، وعدم ثبات المصلحة العامة وتغيرٌها من زمن إلى زمن. كما تتأثر فكرة النظام العام بالاتجاه الفلسفي السائد ف الدولة اشتراكي أم لبرالي، وأمام هذه المتغيرٌات وجب بالتبعية أن يكٌون معياٌر النظام العام معياٌرا مرنا يسٌتوعب الكثيرٌ أمام سعة مدلوله.
المبحث الثاني : فروع القانون الوضعي
المطلب الاول : فروع القانون العام
القانون
العام هو الذي يحكم العلاقات الداخلية أو الخارجية التي تكون الدولة طرفا فيها
بوصفها صاحبة السيادة والسلطان .
الفقرة الأولى : القانون العام الخارجي أو القانون الدولي العام
هو مجموعة من القواعد التي تنظم علاقة الدول بعضها
ببعض وتحدد الحقوق والواجبات لكل منها في حالة السلم أو الحرب وكذا علاقة الدول مع
المنظمات العالمية .
يتضح أن أشخاص القانون العام هي الدول والمنظمات
الدولية لذلك يتكفل القانون الدولي العام بتوضيح مقومات الدول وشروط اكتساب
الشخصية الدولية وحقوقها وواجباتها مثل حق المساواة والسيادة كما يوضح أشكالها
ومقومات المنظمات الدولية و الاقليمية من حيث التأسيس والاختصاص والمكونات.
باختصار القانون الدولي العام ينظم علاقات الدول
في حالة السلم مثل التبادل الدبلوماسي والتعاون الاقتصادي والثقافي و ايضا في حالة
الحرب مثل كيفية انهاء الحرب والمفاوضات وتبادل الاسرى والتعويضات على المعتدي ،
بقي أن نشير إلى أن قواعد القانون الدولي عبارة عن أعراف درجت الدول على اتباعها
مع الشعور بإلزاميتها ، كما أن هناك اتفاقيات موضوعة بين الدول المعنية بالإضافة
الى المبادئ العامة و ايضا قرارات محكمة العدل الدولية .
الفقرة الثانية :
القانون العام الداخلي
وهو مجموعة من القواعد التي تحدد كيان
الدولة وتسعى إلى تنظيم علاقتها بالمجتمع وعلاقات الهيئات العامة ببعضها وعلاقاتها
مع الافراد .
يضم القانون العام الداخلي القانون الدستوري
القانون الاداري القانون المالي .
1 - القانون الدستوري :
هو مجموعة من
القواعد القانونيةٌ التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم فيها و
العلاقة بين سلطات الدولة الثلاث التشريعية و التنفيذية والقضائية واختصاصاتها
وعلاقة هذه السلطات مع أفراد المجتمع.
و القانون الدستوري يوضح شكل الدولة ، هل هي دولة
بسيطة مثل المغرب أم دولة مركبة مثل الولايات المتحدة ، كما ينظم نظام الحكم فيها
هل هو ملكي أم جمهوري ، أما السلطات الثلاث فالتشريع من اختصاص السلطة التشريعية
وتنفيذ القانون وتنظيم المرافق العامة من اختصاص الحكومة أما تطبيق القانون فهو من
اختصاص القضاء ، حيث ينظم القانون الدستوري علاقة هذه السلط فيما بينها خاصة فصل
السلطات ، حسب ما إذا كان الدستور مرنا أو جامدا ، كما يوضح
القانون الدستوري الحريات الأساسية للمواطنين مثل الحق في الشغل والتربية والتجوال
والمراسلات والتجمع والتحزب وغيرها من الحقوق الاساسية .
2 - القانون الإداري
هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم نشاط
السلطة التنفيذية المتمثل في النشاط الإداري
وتوضح كيفية أدائها لوظيفتها وعلاقتها بالمواطنين
، فهو يهتم بتنظيم الجهاز الإداري وتحديد
الخدمات العامة التي تتولاها الدولة وتسيير
المرافق العامة وتنفيذ الخدمات الاجتماعية الاساسية كما ينظم العلاقات بين
الإدارة المركزية والإدارات المحلية في الأقاليم ويتم ذلك بأسلوبين :
أ - أسلوب المركزية :
حيث تحتكر السلطة الإدارية المركزية بالعاصمة بحيث
يجب على الإدارات الإقليمية اللجوء إلى الإدارة المركزية في كل شؤونها للحصول على
التوجيهات الضرورية خصوصا مثل الأمن والدفاع.
ب - أسلوب اللامركزيةٌ :
و بمقتضاه تتوفر الإدارات المحلية على
سلطات واسعة من أجل تدبير شؤونها ذلك أن الإدارة المركزية تتخلى عن اختصاصاتها
للإدارة المحلية خصوصا في المرافق العامة مثل التعليم و الصحة .
يعمل القانون الإداري على تنظيم العلاقة بين
الدولة وموظفيها والعلاقة بين الدولة والمواطن ، من حيث الحقوق والواجبات وفض
النزاعات بين الأفراد والدولة وتنظيم القضاء الإداري .
3 - الفانون المالي :
يتولى القانون المالي تنظيم الجانب المالي
للدولة ، حيث له صلة بعلم المالية العامة وذلك بتوضيح الموارد مثل الضرائب والرسوم
وكيفية استخلاصها وطريقة إنفاقها وميادين الإنفاق كما يحدد الميزانية السنوية
للدولة ويراقبها في مسألة تنفيذها .
يصدر القانون المالي سنويا من البرلمان وفق شروط
القانون التنظيمي .
المطلب الثاني : فروع القانون الخاص
ويقصد بالقانون الخاص مجموعة القواعد القانونية
التي تحكم العلاقة بين الأفراد ، أو بينهم وبين
الدولة حين تتدخل بوصفها شخصا عاديا وليس بوصفها
صاحبة سيادة ، ومن أهم فروع القانون الخاص نجد القانون المدني ، القانون التجاري ،
قانون الشغل ، القانون البحري ، القانون الجوي .
الفقرة الأولى :
القانون المدني
يعد اصل القانون الخاص ، أما الفروع الأخرى
كالقانون التجاري و قانون الشغل فهي منبثقة عنه وذلك نظرا لأن حاجة
الناس اقتضت وجود أحكام وقواعد مستقلة عن القانون المدني . فهو إذن يهتم بتنظيم
الروابط الخاصة بين الأفراد سواء تعلق الأمر بالأحوال الشخصية أو المعاملات
المالية.
1
- روابط الأحوال الشخصية : ويقصد بها القضايا المتعلقة الأسرة من زواج وطلاق وإرث و
النسب .
2 - روابط الأحوال العينية : ويطلق عليها المعاملات المالية
.
القانون المدني هو أحد أهم فروع القانون الخاص و
العلاقات التي تنشأ بين أشخاص لا يظهر أيهم بصفته صاحب سيادة . والقانون المدني هو
القانون الذي ينظم الروابط القانونية المالية فيما عدا ما يتعلق منها بالتجارة .
وهو بهذا التعريف ينظم نوعين من العلاقات الخاصة للأفراد : المعاملات المالية ،
والأحوال الشخصية ، لكن في المغرب استقلت مدونة الاسرة بتنظيم الاحوال الشخصية
وبقي القانون المدني ينظم فقط العلاقات المالية بين الافراد وليس التجار.
هذه المعاملات المالية تنقسم الى قسمين :
حقوق شخصية أو ما يصطلح عليه التزامات ، وهي رابطة بین دائن بمدین قد يكون مصدرها
العقد أو الإرادة أو الفعل غير المشروع أو الفعل النافع أو القانون .
ثم الحقوق العينية وهي سلطة مباشرة لشخص معين
على شيء معين وتشمل حق الملكية وسلطاته الثلاثة من الاستعمال والاستغلال والتصرف ،
والحقوق المتفرعة عن الملكية . كالانتفاع والاستعمال والسكنى وحق الحكر ، كما تشمل
أيضاً الحقوق العينية التبعية لحق الشخص كالرهن الرسمي والرهن الحيازي وحق
الامتياز .
الفقرة الثانيةٌ : القانون التجاري
انبثق من القانون المدني ، موطنه هو الوسط التجاري ، فهو إذن فرع من فروع القانون الخاص
يضٌم مجموعة من المبادئ القانونية التي
تهم الأنشطة التجارية والتجار وهو قانون تبادل
الثروات وخلقها وتوزيٌعها في حينٌ يبقى
القانون المدني هو قانون المحافظة على الأموال والثروات ، و القانون التجاري
يوضح حقوق التاجر والتزاماته وينظم الاصل التجاري وكذا الأوراق التجارية مثل الشيك
والتوصيل والسندات وينظم السمسرة والوكالة بالعمولة و الائتمان التجاري وعقود
النقل والعقود بنكية كما يهتم بالمقاولات التي تعاني مشاكل مالية ويتميز عن
القانون المدني بالسرعة و الائتمان .
الفقرة الثالثة : قانون الشغل
و يعٌرف بالقانون الاجتماعي وهي
القواعد القانونية التي تنظم علاقات العمل الفردية والجماعية بين المشغلين ومن
يعملون تحت إمرتهم مقابل أجر وكذلك القواعد التي تحكم الضمان الاجتماعي . نشأ هذا
القانون تحت كنف القانون المدني كجزء من قانون الالتزامات والعقود تحت مصطلح إجارة
الخدمة ، وهو يهتم بتنظيم عقد العمل الفردي والجماعي ، حيث يحدد ساعات العمل وحق
الراحة الاسبوعية والسنوية المؤدى عنها ويحدد الحد الأدنى للأجور ، كما يعمل على
فرض ضمانات على إنهاء عقد العمل بصفة تعسفية وحماية النساء والأطفال من الاستغلال
، حيث يضع شروطا لتشغيلهم ، كما يفرض التأمين لصالح العمال ضد حوادث الشغل
والأمراض ، وفي الأخير ينٌظم النقابات العمالية ودورها في انشاء اتفاقيات
الشغل الجماعية ، وقد عرف هذا القانون عدة تحسينات وتعديلات أخرها قانون
65.99 .
الفقرة الرابعة :
القانون البحري
محوره هو السفينة ، نشاطها ، دورها في الملاحة ،
بيعها ، شحنها ، التأمين عليها ، وأنشطتها سواء نقل الاشخاص أو البضائع ، كما ينظم
دور البحارة ومالك السف نٌة والربان ، ويقنن التصادم البحري وتعويض
الخسائر ، صدر سنة 1919 .
الفقرة الخامسة :
القانون الجوي
محوره هو الطائرة ، فهو الملاحة الجوية
واستعمال المركبات الجوية وحركتها ، نلكيتها
رهنها بيعها الحجز عليها ، نقل البضائع أو الأشخاص
وكذلك التصادم الجوي و التأمين والتعويض و قانونية التحليق في المجال الجوي أخر
تعديل كان سنة 1970 .
المطلب الثالث : فروع القانون المختلطة
الفقرة الأولى :
القانون الدولي الخاص
القواعد القانونية التي تحكم الروابط الخاصة ذات
العنصر الأجنبي ، وهو يتناول قانون الجنسية والموطن ومركز الأجانب كما يقوم بتحديد
الاختصاص القضائي لمحاكم الدولة وهو قانون داخلي ، وإحالة القضايا المشوبة بعنصر
أجنبي إلى محكمة مختصة عند تداخل المشاكل بين جنسيات ثم الحسم في القانون الواجب
التطبيق هل القانون الوطني أم القانون الاجنبي ، وتسمى أحكام القانون الدولي الخاص
بقواعد تنازع الاختصاص القضائي أو قواعد تنازع أو قواعد الاسناد لأنها تقابل بين
قوانين دول مختلفة وتفاضل بينها أيها لها أحقية التطبيق .
إذن
قواعد القانون الدولي الخاص لا تضع حلولا مباشرة للنزاعات المشوبة بعلاقات ذات طرف
أجنبي بل هي فقط تحدد المحاكم المختصة والقانون الواجب التطبيق .
وعلى هذا النحو فالقانون الدولي الخاص يضم نوعين
من القواعد ، قواعد تنازع الاختصاص القضائي أو تنازع القوانين وتنتمي للقانون الخاص
، أما قواعد الجنسية فتدخل في نطاق القانون العام لأنها تنظم علاقة الفرد بالدولة
من حيث تمتعه بجنسيتها وتبين وضعية الاجنبي داخل الدولة
التي يوجد بها وتحدد حقوقه و واجباته اتجاه دولة
الاقامة.
الفقرة الثانية : القانون الجنائي
ويضم قواعد موضوعية وأخرى إجرائية ، فالقانون
الجنائي بالمفهوم الموضوعي يحدد أفعالا يعتبرها جرائم ويضع لها عقوبات وينضوي تحت
هذا المفهوم القانون الجنائي العام والخاص ، وعليه القانون الجنائي يقوم بتحديد
أفعال يعتبرها جرائم ثم يضع لها عقوبات ويحدد شروط المسؤولية الجنائية وأسباب
الإعفاء وظروف التشديد أو التخفيف . وهو يهدف إلى حماية الأفراد وحرياتهم ويرتكز
على مبدأ جوهري وأساسي وهو مبدأ الشرعية : لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.
أ -
القسم العام من القانون الجنائي الموضوعي :
يتناول التنظيم النظرية العامة للجريمة
والمجرم و العقوبة بصفة عامة فالجريمة هي كل عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي
و يعاقب بمقتضاه وتنقسم الجريمة إلى جنايات وجنح و مخالفات ، كما أن الجريمة لها
ثلاثة أركان الركن القانوني وهو النص القانوني يحدد الجريمة و عقوبتها ، الركن
المادي وهو العمل الاجرامي ، الركن المعنوي وهو ضرورة توفر إرادة الفاعل وإدراكه
وتمييزه أي وجود قصد جنائي.
ب - القسم الخاص من
القانون الجنائي
:
يتناول التنظيم كل جريمة على حدة وتعداد
الجرائم المختلفة فهناك الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي ، وجرائم
الأشخاص كالقتل والضرب والجرح والتسمم وغيرها .
ج - القانون الإجرائي : أي المسطرة الجنائيةٌ
يوضح الإجراءات عند ارتكاب جريمة معينة
مثل البحث و التدقيقٌ و المحاكمة و
تنفيذٌ العقوبة . القانون الجديد للمسطرة الجنائية صدر في
أكتوبر 2003
يبقى أن نشيرٌ إلى أن القانون الجنائي هو قانون عام
لأنه يتعلق بالمصالح الأساسية لكيان المجتمع على اعتبار أن الجريمة رغم كونها
تستهدف الأفراد لكنها تمثل اعتداء على المجتمع الشيء الذي يبرر تدخل النيابة
العامة فى مختلف مراحل الدعوى العمومية ، لكنه من الناحية العملية يدرس ضمن
مواد القانون الخاص ويدرسه أساتذة القانون الخاص .
الفقرة الثالثة : قانون المسطرة المدنية
يعرف بالقانون القضائي الخاص ، يشمل القواعد
القانونية التي تنظم المحاكم العادية واختصاصاتها وكيفية رفع الدعوى وطرق تنفيذ
الأحكام وكيفية الطعن فيها .
فهو ينظم الجهاز القضائي من حيث تكوين المحاكم و
اختصاصاتها ، وهو قانون إجرائي يهدف إلى وضع القانون الموضوعي موضع التنفيذ ، وهو
ينظم إجراءات سير العدالة ولا يمس موضوع الدعوى ، فمن جهة يتضمن القواعد المنظمة
للسلطة القضائية فيبين أنواع المحاكم وتشكيلاتها واختصاصاتها وشروط تنصيبٌ القضاة و
واجباتهم وحقوقهم ، ثم من جهة أخرى يحدد القواعد الخاصة بالإجراءات المسطرية
الواجب اتباعها لحماية الحقوق بحيثٌ يبٌينٌ شكليات رفع الدعوى
امام المحاكم المختصة وإجراءات اثبات الحق المدعی به و
کیفیة إبداء الدفوع وطرق الفصل في الدعوى المدنية وطرق الطعن في
الأحكام و مواعيدها ويبين إجراءات تنفيذ الحكم ، ويذهب الفقه الى اعتبار قانون
المسطرة المدنية من فروع القانون المختلط لكونه يجمع بين القواعد المنظمة للسلطة
القضائية وهي من القانون العام ثم القواعد المتعلقة بإجراءات التقاضي وتنفيذ
الأحكام والتي يمكن اعتبارها من القانون الخاص.
المبحث الثالث : مصادر القانون
نتكلم هنا من أين تأتي القاعدة القانونية ، المصدر
التاريخي ، فمثلا القانون الفرنسي والشريعة الاسلامية من مصادر القانون المغربي ،
والمصدر المادي أو الموضوعي وهو مجموعة من الحقائق الاقتصادية والسياسية
والاجتماعية والدينية التي استقت منها القاعدة القانونية مضمونها ومادتها مثل
الموقع الجغرافي وانفتاحه على البحر يساهم في نشوء قانون بحري ، أما المصدر الرسمي
أو الشكلي فيقصد به الشكلية المتبعة لإخراج القاعدة القانونية حيز التنفيذ
واكتسابها قوة الالزام يعني هو الطريق المعتمد الذي يكسب القاعدة
القانونية صفة الالزام .
يمٌكن أن نعتبر المصادر التفسيرٌية مصدرا للقاعدة القانونيةٌ حيث
يرجع القاضي إلى أشغال البرلمان أثناء مناقشة النص القانوني و ايضا الى
الكتابات الفقهية واجتهادات المحاكم .
هناك مصادر رسمية ومصادر تفسيرية .
المطلب الاول : المصادر الأصلية للقاعدة القانونية
المصادر الاصلية هي اساس القاعدة القانونية وهي
التشريع ، العرف ، مبادئ الشريعة ، ثم مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة .
الفرع الأول : التشريع
أولا : المقصود التشريع
المقصود بالتشريع لدى الفقهاء هو :
" ذلك القانون المكتوب الصادر عن السلطة المختصة بإصداره في الدولة " أو
" وضع القواعد القانونية بواسطة السلطة العامة المختصة بذلك في صورة مكتوبة ،
أو " هي قيام السلطة المختصة بصياغة القاعدة القانونية صياغة مكتوبة وإعطائها
قوة الإلزام في العمل " تتمحور التعريفات الفقهية للتشريع حول ثلاثة
عناصر متكاملة : موضوع والجهة أو السلطة المختصة بوضعه . كما أن التشريع يطلق عليه
اسم القانون المكتوب لأنه يتٌضمن قواعد قانونية مدونة على شكل
وثيقة مكتوبة.
و أصبح التشريع يحتل الصدارة في مصادر بعد تراجع
دور العرف والسوابق القضائية وذلك بسبب ظهور الدولة في صورتها الحديثة حيث أصبحت
تحتكر إصدار القوانين في مختلف المجالات نظرا لقصور العرف عن مواكبة العلاقات
الانسانية لأنه يحتاج الزمن طويل كي يتبلور ويعتد به وشعور الناس بالزاميته ،
نتحدث هنا عن النظام القانوني الروماني الجرماني والتي يتبع المغرب بينما
في النظام القانون الانجلوسكسوني المعروف باسم كومن لاو فهو
يعتبر القضاء المصدر الاساسي للقاعدة القانونية ثم السوابق القضائية.
و التشريع هو مجموعة القواعد العامة المجردة
الملزمة الصادرة عن السلطة العامة المختصة
في الدولة التي تبيحٌ أو تحظر أو تنظم حق أو مجموعة
حقوق . بعبارة آخری هو کل قاعدة قانونية تصدر عن السلطة المختصة في
وثيقة مكتوبة. وتتدرج أنواع التشريعات في أهميتها وقوتها حسب الدور الذي تلعبه في
تنظيم الحياة الاجتماعية ؛ ومن مظاهر هذا التدرج خضوع البعض
منها للبعض الآخر .
يتٌرتب على تدرج التشريعات في
القوة ، وجوب تقيد كل صورة من صور التشريع بالصورة التي تعلوها
، فالتشريع الأساسي أو الدستور يعلو على كل من التشريع العادي الصادر
عن البرلمان والتشريع الفرعي الصادر عن الحكومة ، والتشريع العادي يعلو على
التشريع الفرعي .
و السلطة المختصة في الأصل بسن التشريع هي
البرلمان ، و التشريع قابل للإلغاء أو النسخ بحيث يمكن ازالته ووقف العمل به برفع
قوته الملزمة بالنسبة للمستقبل ويكون الإلغاء صراحة أو ضمنيا.
الفقرة الأولى ماهية : التشريع
التشريع يدل في الاصل على مصدر و أصول الشرع
المستند فيها إلى أحكام الشريعة الإسلامية ، ويطلق مصطلح الشريعة لدى الفقهاء على
كافة الأحكام الشرعية التي فرضها الله عز وجل على عباده من خلال أحد رسله ، وسميت
هذه الأحكام بالشريعة لاستقامتها وصحتها ودقتها ، حيث لا مجال للخطأ فيها
، واشتق مصطلح التشريع من الفعل شرع بمعني قام بإنشاء الشريعة ، ويعني
العمل على سن القواعد وبيان الأحكام والنظم وهذا ما جاء جليا في قوله تعالي
"شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا .
"
فالأصل أن من شرع هو الله سبحانه وتعالى ، لكنه في العصر الحديث يعني وضع صيغة
مكتوبة وفق إجراءات مسطرية منصوص عليها في الدستور
بواسطة سلطة عامة خٌولها الدستور هذا الحق .
الفقرة الثانية : تعريف التشريع
يقصد بالتشريع كل قاعدة مكتوبة صادرة عن السلطات
العامة المختصة وفقا لنصوص الدستور ، وهو القاعدة القانونية الصادرة عن البرلمان
وهو التشريع العادي . وله تعريف آخر يقصد به القواعد القانونية التي تضعها سلطة
مختصة يمنحها الدستور هذه الصلاحية كالتشريع الضريبي مثلا أو التشريع العقاري .
الفقرة الثالثة : أهمية التشريع
التشريعٌ هو أهم المصادر الرسميةٌ للقانون و إن كان العرف هو أقدم مصادر
ه، حيثٌ كان في المرتبة الأولى كمصدر للقانون وقتا طويلا أما
التشريع فكان تواجده ضئيلا أو شبه منعدم إلا أنه في خضم التطورات التي وقعت
للمجتمعات وتقدم البشرية و اتساع نطاق العلاقات الاجتماعية وكثرتها وتشابكها و
رسوخ فكرة الدولة أدى بالتشريع إلى أخذ الصدارة باعتباره مصدرا سريعا من حيث الوضع
والصياغة يستطيع أن يقوم بالدور الذي يلعبه العرف وأكثر دقة وفاعلية.
الفقرة الرابعة : خصائص التشريع
- شكل مكتوب مما يسهل الرجوع إليه ويكون واضحا كما
يسهل إثبات وجوده واطلاع الناس
عليه لنشره في الجريدٌة الرسميةٌ .
- العموميةٌ والتجريدٌ : وهي
نفس خصائص القاعدة القانونية فالتشريع الذي يصدر لشركة معينة لتنقيب عن النفط لا
يعتبر تشريعا نظرا لانتفاء صفة التجريد والعمومية لكن من حيث الشكل يمكن اعتباره
قانونا لصدوره وفق الشكلية و الطرق المتبعة .
- يحقق الوحدة التشريعية للدولة لأنه يصدر
عن جهة مخولة بنصوص الدستور حيث يسهل وضعه وتعديله و الغاؤه .
- يصدر عن سلطة عامة مختصة فالتشريع لا
يتكون تلقائيا دون تدخل إرادة بصيرة واعية بل تتولى وضعه وصياغته سلطة عامة مختصة
في الدولة .
الفقرة الخامسة : عيوب التشريع
* يفتقد للتلقائية حيث يصدر من جهة مختصة ربما لا
تكون على دراية بالعرف السائد وبالتالي لا
يعبر عن حاجات الجماعة ولا يراعي خصوصيتها .
• جامد وصلب ، بما انه يعتمد على عملية التقنين
وكذلك سهولة تعديله التي تخل باستقرار المعاملات وتزيد من صعوبة الأفراد في
الإطلاع على القوانين مما يؤدي إلى فقدان الثقة بالقانون .
• يتحول في بعض الأحيان إلى وسيلة تحكمية في يد
الدولة تجعله يخدم مصالحها الخاصة
عوض خدمة المصالح العامة ، كما أنه صٌدر أحياٌنا تحت ضغوط
سياسية .
الفقرة السادسة : مزايا التشريع
· تدوين التشريع في وثيقٌة رسمية : أي صورة مكتوبة ذات عبارات
و ألفاظ محددة حيث
تصاغ قواعده القانونية صياغة محكمة وبذلك تبدوا هذه القواعد
لأفراد المجتمع واضحة لا تثير أي منازعات بينٌهم ، فيعرف كل فرد ما له من حقوق و ما عليه من واجبات
، حيث يسود الأمن و والاستقرار في المعاملات وذلك بالرجوع إلى نصوصه عند
الحاجة .
• التشريع قانون مكتوب والذي يعتمد في
قواعده علي طريقة التقنين .
• وحدة القانون داخل الدولة : إذ انه عامل مهم في
تحقيق الوحدة الوطنية وذلك بإلزام جميع
أفرادالمجتمع بتطبيقه والسير وفقه .
• سهولة إصداره / تعديله / إلغائه : مما يجعله
يستجيب لتطور العلاقات سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية وغيرها وذلك في سن قواعد
مكتوبة تتلاءم وأوضاع المجتمع الجديد .
ثانيا : أنواع التشريع
الفقرة الاولى :
التشريع الأساسي
يأتي الدستور على هرم التشريعات في الدولة
باعتباره اسمى القوانين وأعلاها لأنه يوضح الأسس الجوهرية لكيان الدولة ونظامها
وتوزيع السلطات فيها وبيان الحقوق ، هذا في مفهومه الموضوعي أما المفهوم الشكلي
فهو الوثيقة السامية التي تصدر عن السلطات المختصة ويستفتى عليها الشعب. ويمكن أن
نميز بين دستور مكتوب مثل المغربي وآخر عرفي مثل البريطاني وآخر مرن يمكن تعديله
وآخر صلب أو جامد لا يمكن تعديله الدستور المغربي من الدساتير الجامدة "
للملك ولرئيس الحكومة ولمجلس النواب والمجلس المستشارين حق اتخاذ المبادرة قصد
مراجعة الدستور ، وللملك أن يعرضه مباشرة على الاستفتاء ويعدله البرلمان بتصويت
ثلث . " لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الاسلامي
وبالنظام الملكي للدولة والحريات والحقوق الاساسية المنصوص عليها في هذا الدستور
" دستور 2011.
الدستور هو التشريع التأسيسي للدولة و قمة
التشريعات فيها و يتميز بالسمو والثبات ويصدر عن سلطة عليا وهي الجمعية التأسيسية
حيث يضم مجموعة القواعد التي تتضمنها الوثيقة الأساسية ، والتي تحدد شكل الدولة ،
نظام الحكم فيها ، السلطات العامة والعلاقات بينها ، وتحدد الحقوق والحريات
الأساسية للأفراد وواجباتهم ، و منه تستمد كافة القوانين الأخرى مقتضياتها وتوجهاتها
مستوحية مبادئه و أحكامه التي لا يجوز لأي قانون
مخالفتها .
الفقرة الثانية : الاتفاقيات الدولية
كل اتفاق دولي يبرم بين دول و يجري عليه القانون
الدولي . فالمعاهدة الدولية هي مجموعة من القواعد القانونية المشكلة لاتفاق مبرم
بين مجموعة من الدول أو بينها وبين منظمة دولية بهدف تحكيمها كقانون واجب التطبيق
في العلاقات المتبادلة بينهما .
نميز بين المعاهدات الثنائية أو الاتفاقيات
المتعددة الاطراف أو الاقليمية أو العالمية .
وهناك أولوية للاتفاقية الدولية على القانون
الداخلي و نصت على ذلك معاهدة فيينا حيث جاء في الفصل 27 منها "لا يجوز أن
يستند أحد الأطراف إلى قانونه الداخلي لتبرير عدم تنفيذ معاهدة ما ". لذلك
فالاتفاقية الدولية عندما يصادق عليها ثم تنشر في الجريدة الرسمية تصبح جزءا من
القانون الوطني الداخلي .
الفقرة الثالثة : التشريع العادي ، أو القانون بالمعنى الضيق
وهو القانون الصادر عن السلطة التشريعية :
البرلمان . بنص الفصل 70 من الدستور .
1 - القاعدة العامة
التشريع العادي هو مجموعة القواعد القانونية التي
تضعها السلطة التشريعية (البرلمان)، وفقا للإجراءات التي نص عليها الدستور قصد
تنظيم العلاقات بين الأفراد أو بينهم وبين الدولة في جميع المجالات الاجتماعية
المختلفة .
و التشريع العادي قد يتخذ صورة تقنيات أو
مدونات تشتمل على تنظيم كامل لفرع معين من فروع القانون مثل تقنين المعاملات
المدنية و تقنين العقوبات وقد يتخذ صورة تشريعات متفرقة و يأتي في المرتبة الثانية
بعد الدستور .
وتعتبر السلطة التشريعية في كل دولة هي صاحبة الاختصاص الأصيل في
وضع التشريع ومع ذلك فإن الدساتير جرت علي إشراك رئيس الدولة في وضع التشريع سواء
عن طريق ما تعطيه إياه من حق اقتراح التشريعات أو الاعتراض عليها .
يختص التشريع بالميادين التالية : الحقوق والحريات
، نظام الأسرة والحالة المدنية ، العفو العام التنظيم
القضائي ، المسطرة المدنية ، نظام السجون ، نظام الوظيفة العمومية ، نظام الجماعات
، النظام الضريبي ، نظام الجمارك ، التعمير وإعداد التراب الوطني ، الخوصصة
والتأميم ، قانون المالية ومعاهدات التجارة ، الحرب والسلم ، تأسيس النقابات
والجمعيات ...
يتضح أن اختصاصات البرلمان في ميدان القانون
العادي محددة إذ لا يجوز تجاوزها وفي حالة الخلاف بين البرلمان والحكومة ينبغي
اللجوء إلى المحكمة الدستورية .
يقترح مشاريع القوانين الحكومة أو أعضاء
البرلمان ، حيث توضع في مكتب مجلس النواب أما مشاريع القوانين المتعلقة بالجماعات
الترابية أو التنمية الجهوية فتوضع بمكتب مجلس المستشارين ، فيضع مكتب المجلس جدول
أعماله ويخصص يوم واحد في الشهر على الأقل لدراسة مقترحات القوانين ومن بينها
المقدمة من قبل المعارضة لكن في الدستور الجديد تم تقليص صلاحيات مجلس المستشارين
في مجال مراقبة الحكومة والتشريع ويبقى مجلس النواب صاحب المكانة السامية ويصوت
على المقترحات كما تم الغاء اللجنة المشتركة بين الغرفتين للفصل في النزاعات
بينهما .
2 - الاستثناء
يمكن للحكومة أو الملك سن التشريعات ، فبالنسبة
للحكومة هناك حالتان ، حالة الاذن من طرف مجلس النواب ويطلق عليها أيضا حالة التفويض الارادي ، حيث يسمح للبرلمان بتفويض الحكومة بإصدار القوانين لكنه يجب
عرضها على البرلمان قبل سريانها للمصادقة عليها في أجل محدد .
ثانيا حالة الضرورة أو العطلة
البرلمانية .
3 - التشريع من طرف الملك
هناك عدة حالات يتدخل فيها السلك للتشريع :
الحالة الاولى : عند حل البرلمان أو أحد
مجلسيه وفي انتظار إجراء انتخابات جديدة .
الحالة الثانية : عند إعلان حالة الاستثناء
وكانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات
الدستورية .
الحالة الثالثة : يحق للملك باعتباره أمير
المؤمنين وحامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية وضع التشريع
العادي حيث يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين والمخولة له
حصريا بواسطة ظهائر .
الحالة الرابعة : وباعتبار الملك
رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها يسهر
على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي
وحقوق وحريات المواطنين والجماعات حيث يمارس الملك هذه المهام بمقتضى ظهائر
من خلال السلطات المخولة له بنص الدستور .
الفقرة الرابعة : التشريع الفرعي أو المجال التنظيمي
وٌ يأتي في المرتبة الثالثة و يقصد به
اللوائح التي تختص السلطة التنفيذية بوضعها في حدود يبنيه الدستور حيث تفصل أحكامه
دون أي تعديل أو إضافة و يكون اختصاص السلطة التنفيذية للتشريع الفرعي
اختصاصا أصليا لا استثنائيا وتتشكل هذه اللوائح من نصوص مرتبة من الأعلى إلى
الأدنى وفقا للتدرج الداخلي للسلطة التنفيذية .
والتشريع
الفرعي هو مختلف القرارات الادارية والتنظيمية الصادرة عن السلطة
التنفيذية الحكومة بما أن البرلمان لا يمكن أن يحيط بمختلف
التفاصيل ذات الطابع التقني .
ويمارس التشريع الفرعي رئيس الحكومة ويمكن أن يفوض
أحد الوزراء وهو على ثلاثة أنواع التشريع التنفيذي و التنظيمي و الضبطي .
1 - التشريع التنفيذي :
ويطلق عليه
لوائح تنفيذٌيةٌ تهدف إلى تنفيذٌ القوانين الصادرة عن البرلمان ووضعها
موضع التنفيذ ذلك أن هذه القوانين تكون
عامة حيثٌ تتكفل اللوائح التنفيذٌية بتوضيح التفاصيل
والجزئيات وذلك نتيجة اتصال الحكومة مع الواقع .
2 - التشريع التنظيمي :
وهي اللوائح التي تنظم المرافق العامة مثل مرفق
العدالة والصحة والتعليمٌ وإدارة المصالح الحكومية و
اسناد التشريع إلى الحكومة عادي حيثٌ أنها المكلفة بتسيير
المصالح الحكومية .
3
- التشريع الضبطي :
هي لوائح تضعها السلطة التنفيذية بهدف
المحافظة على الأمن العام و المحافظة على الصحة العامة و مثال ذلك لوائح تنظيم
المرور و اللوائح الخاصة بالمجالات المقلقة للراحة أو المضرة بالصحة و اللوائح
الخاصة بمراقبة الأغذية و الباعة المتجولين .
ولا بد أن نفرق بين القوانين التنظيمية والتشريع
التنظيمي ، القوانين التنظيمية مجموعة من القواعد القانونية المنبثقة من الدستور
والمكملة له وهي تفصل ما أجمله الدستور . فالقوانين التنظيمية أسمى من
القانون العادي وأدنى من الدستور ولا يمكن إصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية
بعد تشريعها الا بعد مرورها وجوبا على المحكمة الدستورية للنظر في مدى مطابقتها
للدستور ، خلاصة القول الفنون التنظيمي مثل القانون العادي يصدر عن البرلمان عكس
للتشريع الفرعي الذي يصدر عن
الحكومة .
ثالثا : اقرار التشريع
يقصد به سن التشريع و المصادقة عليه ثم إصداره من
قبل السلطات المختصة حيث تقوم هذه الاخيرة بوضع القانون عن طريق صياغة قواعده بشكل
يتضمن الدقة و الوضوح في المعاني وفقا للإجراءات المقررة وهذا ما يعرف بسنه .
الفقرة الاولى : سن التشريع الأساسي
ان لوضع الدستور أهمية بالغة بما انه يعد
الركيزة الأساسية لبناء الدولة ولذلك فهو يختلف عن التشريع العادي سواء من حيث
وضعه أو تعديله وتختلف الدول في إصداره حسب ظروفها السياسية
ونميز حالتين :
أ - حالة الأوضاع غير
الديمقراطية
حيث يتم وضع الدستور حسب إحدى الطريقتين :
•
المنحة : وهنا يصدر الدستور عن الحاكم ولا يملك الشعب الا الموافقة أو
الرفض .
• العقد : حيث يتعاقد الحاكم
مع هيئة تمثيلية ينتخبها الشعب (مجلس تأسيسي ) فيضع احدهما مشروع الدستور ويعرض
على الطرف الأخر للموافقة عليه .
ب - حالة الأوضاع
الديمقراطية
في المجتمعات الديمقراطية تكون سلطة وضع الدستور
خالصة للشعب ويتم ذلك عن طريق :
•
المجلس التأسيسي : أو الجمعية التأسيسية حيث يختار الشعب عددا من أفراده قصد تكوين لجنة
أو هينة تقوم بوضع دستور للدولة وبذالك يكون واجبا للنفاذ .
• الاستفتاء الشعبي : تقوم هيئة معينة من
طرف الحكومة القائمة بوضع نصوص دستورية على شكل مشروع دستور يعرض على الشعب ليبدي
رأيه فيه عن طريق الاستفتاء .
• الطريقة الخاصة : و هي انسب طريقة
للديمقراطية حيث تجمع بين الاثنين أي الجمعية
التأسيسية و الاستفتاء الشعبي باعتبار الشعب مصدرا
لكل سلطة في الدولة .
الفقرة الثانية : سن التشريع العادي
يمر وضع التشريع العادي في نوعين من الظروف
هما :
أ - الظروف العادية
تتميز بالمراحل التالية :
1 - مرحلة الاقتراح :وهي أولى المراحل التي يمر منها وضع التشريع العادي فهو يبدأ في صورة
اقتراح ويسمى مشروع قانون .
2 - مرحلة
الفحص : تحال مشروعات التشريعات المقترحة إلى اللجان المتخصصة بالهيئة
التشريعية لفحصها و إعداد تقارير بشأنها.
3 -
مرحلة الموافقة : تعرض مشروعات التشريعات
على الهيئة التشريعية للتصويت عليها وتتم الموافقة على هذه المشروعات عادة
بالأغلبية المطلقة أي بحصولها على تأييد أكثر من نصف أعضاء الهيئة التشريعية
الحاضرين .
4 - مرحلة الإصدار : هو عمل إجرائي يقصد به
قيام رئيس السلطة التنفيذية بالأمر بوضع التشريع الذي صادقت عليه السلطة التشريعية
موضع
التنفيذٌ. ويتٌم ذلك بموجب مرسوم تنفيذٌي يتضمن
الأمر لرجال السلطة التنفيذية
بالسهر على تنفيذٌ التشريع الجديد بوصفه قانونا من قوانينٌ الدولة
، و ذلك بتحديد تاريخ أحكامه.
5 - مرحلة النشر : هو إعلام كافة الأشخاص في المجتمع بصدوره عن طريقٌ نشره في الجريدٌة الرسمية.
حتى يمكن إلزامهم به تطبيقٌا لقاعدة لا تكليف إلا بمعلوم و لا يعٌذر أحد بجهله بالقانون إذ انه يتٌقرر نفاذ التشريع كقاعدة عامة دلك أن تاريخٌ نشر التشريعٌ في الجريدٌة الرسمية يعٌد هو التاريخٌ المحدد لنفاذه إلا إذا حدد الأمر بالنشر تاريخٌا لاحقا لذلك.
ب - الظروف الغير عادية
أي الظروف التي لا يمكن معها لمجلس الأمة إصدار
التشريعات اللازمة (لاستحالة انعقاده / لتعذر انعقاده / لصعوبة وبطء الإجراءات
العادية ) ، حيث يأخذ وضع التشريع العادي حالتين استئنائيتين هما :
1 - حالة الضرورة
تشريع الضرورة هو ما يصدر عن السلطة التنفيذية
ممثلة في رئيس الدولة من قرارات و أوامر
لمواجهة حالة من حالات الضرورة ( و هي الحالات
التي يتعين فيها سن التشريع العادي في غيبة السلطة التشريعية كحالة عطلة المجلس
التشريعي أو حالة حله ) مع اتخاذ كافة الضمانات اللازمة
لعرض ذلك التشريع علي المجلس التشريعي عند عودته
للعمل .
2 - حالة تشريع التفويض
هو تشريع عادي يصدر عن رئيس الدولة في موضوعات
بموجب تفويض محدد في القانون حيث أن بعض أنواع التشريع العادي تقتضي المصلحة
العامة الاستعجال في إصدارها أو تتطلب درجة من السرية ، كتشريعات الضرائب و الرسوم
و تشريعات التسليح و يكون لمدة محدودة .
رابعا : نفاذ التشريع
بعد صدور التشريع من الجهة المختصة يحتاج إلى
إجراءات قانونية لكي يصبح قابلا للتطبيق يطلق عليها نفاذ التشريع وهو من مرحلتين :
الاصدار والنشر .
الفقرة الأولى : مرحلة
الإصدار
وهو توجيه الملك أمرا إلى الحكومة لتنفيذ
القانون باعتباره صادرا من تشريعات الدولة و الاصدار هو شهادة الميلاد للقانون وهو
عمل تنفيذي وليس تشريعي من اختصاص الملك ويصدر الملك الأمر خلال الشهر التالي
من صدور القانون و الاصدار يهم الدستور و التشريع العادي والقانون التنظيمي الذي
يتطلب لوحده موافقة المحكمة الدستورية للتأكد من مطابقته للدستور .
الفقرة الثانية : مرحلة
النشر
وهو وصوله إلي علم المعنيين به ، ويكون
غالبا بالنشر في الجريدة الرسمية حتى لا يعذر أحد بجهله . ولا يصير القانون نافذا
حتى ينشر بالجريدة الرسمية ويجب أن ينشر خلال شهر من صدوره .
خامسا : الرقابة القضائية على صحة التشريعات
تتولاها المحكمة الدستورية ، حيث تعمل على مراقبة
القوانين وموافقتها للدستور كما تبث أيضا في صحة انتخاب أعضاء البرلمان وعمليات
الاستفتاء وتحال إليها القوانين التنظيمية قبل تنفيذها وكذلك النظام الداخلي لكل
من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل
تطبيقها لتبث في مطابقتها للدستور . و القوانين أو
التشريعات يعلو بعضها فوق بعض في الدرجة ، فالدستور هو الأعلى مرتبة يليه التشريع
العادي ثم التشريع الفرعي ، ولا يمكن لتشريع عادي أن يخالف تشريعا دستوريا كما لا
يمكن للمراسيم والقرارات التنظيمية أن تخالف قانونا عاديا أو قانونا تنظيميا .
تتحقق المخالفة أولا من حيث الشكل ثم من حيث المضمون .
من حيث الشكل :
تتحقق حين يوضع تشريع دون احترام المساطر و
الاجراءات المنصوص عليها في الدستور ، كان يتم وضعه عن طريق سلطة غير مختصة أو
تنفيذ التشريع دون نشر أو حصوله دون اغلبية برلمانية ، فيمكن حينها للمحاكم أن
تمتنع عن تنفيذه من تلقاء نفسها.
من ناحية الموضوع :
تتحقق المخالفة اذا تضمن التشريع الادنى قاعدة
تخالف في مضمونها أحكام التشريع الاعلى منه وتتعارض معه .
الفقرة الاولى : الرقابة على صحة التشريعٌات الفرعيةٌ
تتم بواسطة المحاكم للتأكد من عدم مخالفة هذه
التشريعات للتشريعات العادية أي القوانين و كذا الدستور سواء من حيث الشكل أو
المضمون ، حيث يتولى هذه المهمة كل من القضاء العادي و الاداري .
فالقضاء العادي يقوم بالرقابة عن طريق
غير مباشر وتظهر في صيغة الدفع بعدم الشرعية ، فتمتنع من تلقاء نفسها عن تطبيق
اللوائح أو القرارات المخالفة للقوانين العادية أو للدستور لأن عدم الشرعية متعلق
بالنظام العام ، ودور المحاكم يقف عند حدود الامتناع عن تطبيق القانون المعيب شكلا
أو مضمونا في النزاعات المعروضة عليها دون أن يصل الامر إلى إلغاء هذه اللوائح غير
الشرعية .
اما القضاء
الاداري عكس ذلك له رقابة مباشرة على اللوائح والقرارات غير الشرعية ، تتجلى
في دعوى الالغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة ، فالقاضي الاداري يحكم بإلغاء
اللائحة أو القرار الاداري المخالف للقانون أو الدستور اذا طلب منه صاحب المصلحة
ذلك خلال مدة محددة قانونا .
الفقرة الثانية : الرقابة على صحة التشريعات العادية أو مبدأ الرقابة على
دستورية القوانين
من حيث الشكل لا يوجد خلاف حول حق المحاكم في
الامتناع عن تطبيق القانون المعيب شكلا أما من حيث الموضوع فنتحدث عن دستورية
القوانين ، وهنا تتوقف المسألة على نوع الدستور هل هو دستور مرن أم جامد ، ففي
حالة الدستور المرن لا تثار أي مشكلة ، فيمكن تعديل الدستور المرن بواسطة قانون
عادي ، فالقانون العادي يعتبر تعديلا دستوريا ، أما في حالة الدستور الجامد فلا
يمكن تعديل الدستور بقانون عادي ، فالقاعدة الدنيا لا يمكنها تعديل القاعدة الاعلى
مرتبة وفي حالة التعارض تعتبر القاعدة الادنى مرتبة باطلة وغير مشروعة .
الفرع الثاني : العرف
هو اعتياد الناس على اتباع سلوك معين بخصوص مسألة
ما لمدة طويلة مع اعتقادهم بإلزاميته وأن مخالفته تستلزم جزاء ماديا .
فالعرف والقاعدة القانونية يختلفان من حيث أن
التشريع قاعدة مكتوبة صادرة عن سلطة تشريعية بينما العرف هو قاعدة قانونية غير
مكتوبة وصادرة عن تعامل الناس لا شعوريا واطراد سلوكهم بخصوص مسألة والعرف هو أول
مصدر للقاعدة القانونية من الناحية التاريخية حيث كان يتلاءم مع المجتمعات القديمة
قبل ظهور ما يعرف بالدولة والمجتمع السياسي حيث تولد مع العلاقات الاجتماعية .
وهو من المصادر الاحتياطية للقانون لكن لا يطبق
الا في حالة انعدام نص تشريعي بالنسبة للمعاملات المالية ، أما في مجال الأحوال
الشخصية فإن قواعد الدين تسبق العرف .
اولا : ارکان العرف
الفقرة الأولى : الركن
المادي للعرف
وهو
سلوك معين اقتضته حاجة العمل في الجماعة و اعتاده الناس لمدة طويلة فالركن المادي
هو الاعتياد على هذا السلوك وتواتر العمل به و اتباعه لكن بشروط :
- أن يكون عاما ومنتشرا على نطاق واسع اجتماعيا أو مهنيا .
- أن
يكون قديما حيث تواتر العمل به مدة طويلة .
-
يكون العمل به مضطردا مستمرا متكررا بانتظام غير منقطع .
- أن
يكون غير مخالف للنظام العام ( الثأر مثلا ) .
الفقرة الثانية : الركن
المعنوي للعرف
وهو شعور الجماعة
بالزاميته وكل خروج عليهٌ يتٌرتب عنه عقوبة ، ورسوخ
الاعتقاد لدى الناس بالزاميته كالزامية التشريع .
و نفرق هنا بين العرف والعادة الاتفاقية ، فهذه
الاخيرة لا تتوفر على الركن المعنوي فهي غير ملزمة كتقديم الهدايا في المناسبات
بينما تشترك مع العرف في الركن المادي وهو العمل بها مدة طويلة وبصفة اعتيادية
ومستمرة .
ثانيا : التمييز بين العرف والعادة الاتفاقية و اثاره
ما يهمنا هنا هو العادة المتعلقة بالمعاملات
المالية وهي تتوفر على ركن مادي فقط وهي تواتر الناس على اتباع سلوك دون شعور
بإلزاميته وتعرف بالعادة الاتفاقية مثل الإكراميات في المقاهي وعدم تحميل الناقل
مسؤولية تلف في البضاعة المنقولة .
ويطرح على القاضي إثبات العرف .
ثالثا : نطاق العرف في فروع القانون الوضعي
في القانون المدني يكون مكملا للقوانين و ايضا في
القانون التجاري و البري و البحري حيث يلعب العرف دورا مهما ايضا في المجال
البنكي الدولي والنقل البحري . ايضا بالنسبة للقانون الدولي فأغلب قواعده أعراف
دولية ، كما يوجد في القانون الدستوري أعراف دستورية وهي أعراف داخل مؤسسات الدولة
كتعيين الوزير الأول من خارج الأحزاب وتم خرقه في تعيين اليوسفي 98 لكن تم الغاء
هذا العرف وتعيين الوزير الأول من الحزب الذي يتصدر الانتخابات التشريعية .
حتى في القانون الاداري هناك أعراف
خصوصا في الأساليبٌ المعتمدة لتسييرٌ حركة عمل أو تنظيمٌ مرفق
عام وهذا الاستمرار في هذا الاسلوب
ينشئ قاعدة قانونيةٌ عرفيةٌ .
الفرع الثالث : مبادئ الشريعة الاسلامية
تعد الشريعة مصدرا من مصادر القانون المغربي
باعتبار أن الأمة تستند في حياٌتها العامة إلى نصوص
الشرع ، في المغرب على حسب الامام مالك .
فمبادئ الشريعٌة تعد مصدرا للأحوال الشخصية
من زواج وطلاق و وصاية و ميراث كما تعد مصدرا
للعقارات الغيرٌ المحفظة وفي طور التحفيظ وقضايا الشفعة
والهبة وفي بعض القوانين الجنائية والمدنية والتجارية .
الفرع الرابع : مبادئ القانون الطبیعي و قواعد العدالة
ما دام القاضي ملزما بإصدار الاحكام في القضايا
التي تعرض عليه وإلا اعتبر مرتكبا لجريمة إنكار العدالة ، فعندما يجد القاضي فراغا
تشريعيا لا بد له من اللجوء إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة و الانصاف ،
وهي مجموع القواعد التي تحكم السلوك الاجتماعي للإنسان ويكون مصدرها الالهام
الفطري السليم و الادراك العقلي الصائب ، أما قواعد العدالة فهي قواعد مثالية تهدف
الى اقامة العدل بين الناس ، كما ألزم القانون القاضي بالاجتهاد في اطار قيم
الاسلام على اعتبار أن أحكام الاسرة ذات أثر شرعي .
المطلب الثاني : المصادر التفسيرية للقاعدة القانونية
المصادر الاصلية للقاعدة القانونية هي : التشريع ،
العرف ، الشريعة ، القانون الطبيعي ، قواعد العدالة ، أما المصادر التفسيرية فهي
القضاء والفقه .
اولا : القضاء
وهي السلطة القضائية التي تتولى تطبيق القاعدة
القانونية وتتمثل في مختلف المحاكم ويقصد به أيضا الأحكام والقرارات الصادرة عن
مختلف درجات الحاكم وهو المفهوم الذي يهمنا باعتباره مصدرا تفسیریا
للقاعدة القانونيةٌ .
القضاء لا
ينشىء القاعدة القانونية بل يطبقها .
و الاجتهادات القضائية لا تلزم إلا القاضي الذي
عمل بها لكن لا تلزمه في جميع القضايا فهي يمكنه ان يعمل بها في قضية و يتركها في
اخرى حسب خصوصيات كل قضية وهي لا تلزم كل المحاكم الاخرى بل لا تلزم حتى كل
المحكمة التي يعمل بها ، لكن في بريطانيا مثلا تعتبر الأحكام الصادرة ملزمة
لباقي المحاكم من درجتها أو أقل منها في القضايا المماثلة .
ثانيا : الفقه
والمقصود الاجتهاد الفقهي وهو مجموع
الدراسات التحليلية بخصوص القانون الوضعي ، فالهدف من هذه الدراسات الوقوف علي
مكامن الضعف والفراغ بخصوص قضايا معينة وهي مصادر تفسيرية ليس لها قيمة إلزامية
لكن لها أهميتها وكثيرا ما تؤخذ بعين الاعتبار من طرف المحاكم خلال فض النزاعات ،
كما يعتمد المشرع عليها لتعديل قوانين معينة كما أن لجان التعديل تضم من بينها بعض
الفقهاء .
المبحث الرابع : تطبيق القاعدة
القانونية
تطبيق القاعدة القانونية يقتضي معرفة الاشخاص
المخاطبين بأحكامها وتحديد نطاقها من حيث المكان والزمان وكذا تفسيرها حيث غالبا
ما تكون في صيغة مقتضبة .
المطلب الاول : نطاق تطبيق القاعدة القانونية
اولا : نطاق تطبيق القاعدة القانونية من حيث الأشخاص
المخاطبين بها
غالبا ما يعبر عن هذه الفكرة بمبدأ : لا يعذر أحد
بجهله للقانون .
الفقرة الاولى : مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون
يقصد به أن الأفراد لا يمكنهم التهرب من أحكام
القاعدة القانونية بدعوى جهلهم بها والمقصود هنا هو العلم الافتراضي وليس العلم
الفعلي حيث أن من المستحيل أن يعلم جميع الناس كل القواعد القانونية ، لكن وضع هذا
المبدأ من أجل سلامة و ضمان احترام القانون و تطبيقه . وإلا فلن يطبق إلا
على فئة قليلة ممن تعلم القاعدة القانونية .
فالتشريع يتم نشره بالجريدة الرسمية كما أن
الاعلام يخصص جزءا للحديث عن القوانين الجديدة ، أما بالنسبة للعرف والقواعد
الشرعية فأغلب الناس تعرفه.
الفقرة الثانية : الاستنثناء على مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون
وهي في حالة القوة القاهرة كالزلازل أو الفيضانات
أو غارات العدو حيث لا يمكن وصول الجريدة الرسمية وهي متعلقة بالتشريعات المكتوبة
أما العرف والشريعة فتبقيان سائدتين ، يضاف إلى الاستثناء جهل الأجنبي في حالة
جريمة لا يعاقب عليها قانون بلاده ، أو في حالة استحالة العلم بالقاعدة القانونية
لعدم وصول الجريدة الرسمية ، أو في حالة الغلط كالغلط الشائع الذي يولد الحقوق و
يشترط فيه أن يكون شائعا حماية للوضع الظاهر وحماية لثقة المعاملات كحالة ابرام
عقد عن طريق وكالة منقضية الاجل فهي تنتج كافة أثارها ، ايضا توافر حسن النية فلا
يكفي الجهل بالقاعدة القانونية بل يجب أن يتوفر عنصر حسن النية ، كحالة زواج فاسد
عن طريق غلط مقرون بنية حسنة فنعتبر الابناء شرعیین و لهم کامل الحقوق.
ثانيا : نطاق تطبيق القاعدة القانونية من حيث المكان
ونعمل في هدا الصدد مبدأين مبدأ إقليمية القوانين
و مبدأ شخصية القوانين فحسب مبدأ إقليمية القوانين فإن القوانين تطبق داخل الدولة
المعنية على كل المتواجدين بها ، وحسب مبدأ شخصية القوانين فإن الحاملين لجنسية ما
يخضعون لقوانين دولتهم أينما كانوا .
الفقرة الاولى : مبدأ إقليمية القوانين
معناه أن يطبق قانون الدولة على جميع المتواجدين
فيها سواء مواطنين أم أجانب ، و الإقليم يشمل المياه الإقليمية والمجال الجوي
وبواخرها وطائراتها لكن مع تزايد العولمة وتنقل الأشخاص تم ايجاد مفهوم شخصية
القوانين . ويعتبر القانون الجنائي المجال الطبيعي لإعمال مبدأ اقليمية القوانين
في المغرب ، فيطبق على كافة المقيمين داخل الاقاليم المغربية وهو ما نصت عليه
المادة 10 من القانون الجنائي ولا يسري القانون الجنائي المغربي على المغاربة
الخارج .
وهناك استثناءات من حيث عدم السماح للأجانب بولوج
الوظائف العمومية ثم الحصانة القضائية الممنوحة للدبلوماسيين الاجانب بالمغرب ،
أيضا فيما يتعلق بقواعد الاسناد في القانون الدولي الخاص والتي تجيز تطبيق قانون
أجنبي داخل الدولة أو تطبيق قانون الدولة خارج حدودها .
الفقرة الثانية : مبدأ
شخصية القوانين
ويقصد به أن يطبق القانون على جميع من يحمل جنسية
الدولة أينما وجد ولا يطبق على الأجانب ولو كانوا في الدولة ، وقد كان
الاعتبارات الانسانية وراء هذا المبدأ خصوصا في ما يتعلق بالزواج و الارث . و
القاعدة العامة في المغرب هي اقليمية القوانين لكن ترد استثناءات .
الفقرة الثالثة :
الاستثناءات التي تحول دون تطبيق القانون المغربي داخل المغرب
بالنسبة للبعثات الدبلوماسية حيث يتمتعون بالحصانة
الدبلوماسية ، فعلى الصعيد الدولي لا يجوز التعرض للبعثات الدبلوماسية لأي اعتداء
أو القبض عليهم أو محاكمتهم ، ويقصد بالحصانة في القانون الدولي سقوط ولاية القضاء
المحلي ، حيث نصت المادة 31 من اتفاقية فيينا : يتمتع الدبلوماسيون بحصانة
جنائية ومدنية وإدارية .
ويكون القضاء المغربي غير مختص في رفع اي دعوی ضدهم
.
الاستثناءات المتعلقة بالقانون الدولي الخاص ،
القانون الدولي الخاص ينظم العلاقات القانونية ذات العنصر الأجنبي ، حيث يتكفل
بتوضيح القانون الواجب إعماله حيث يمكن أن يطبق قانون اجنبي داخل المغرب كما يمكن
تطبيق القانون المغربي في الخارج . وتسمى قواعد الاسناد أو قواعد تنازع القوانين
أو قواعد القانون الدولي الخاص ، حيث يحق للفرنسيين التزوج حسب قانون بلادهم أما
التجار الفرنسيين العاملين بالتجارة في المغرب فيخضعون للقانون المغربي ويبقى
القانون المدني الفرنسي جاريا عليهم بالنسبة لأحوالهم الشخصية .
وهناك الاستثناءات التي تؤدي إلى تطبيق
القانون المغربي على بعض الجرائم التي تقع خارج المغرب بالنسبة للمغاربة في حالة
دخولهم المغرب أو أجنبي ارتكب جريمة ضد البلاد وأمنها أو تزوير أوراقها أو
الاعتداء على بعثاتها الدبلوماسية .
ثالثا : نطاق تطبيق القاعدة القانونية من حيث الزمان
القاعدة القانونية ليست دائمة بل هي معرضة للتعديل
أو الالغاء تبعا للظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للبلد وإلغاء القاعدة
القانونية يقتضي إعمال أخرى محلها الشيء الذي يؤدي إلى تنازع بينهما خصوصا بالنسبة
للوقائع التي تقع في ظل القاعدة القانونية القديمة وتستمر نتائجها في ظل القاعدة
الجديدة ، ومعرفة القاعدة القانونية التي يجب أن تطبق يطلق عليه تنازع القوانين في
الزمان.
الفقرة الاولى : إلغاء القاعدة القانونية
وهو تجريدها من قوة إلزاميتها بإنهاء العمل
بمقتضياتها وقد يكون بتعيين أخرى أو بدون تعيين أخرى جديدة ، والتشريع هو المعني
بالإلغاء ويكون صريحا أو ضمنيا.
فالقانون الوضعي يتطور باستمرار ويتغير حسب حاجات
الجماعة ، ويكون الغرض تطوير وتحسين الأداء خدمة للصالح العام .
1 - أنواع إلغاء القانون
- الإلغاء الصريح : وهو حين تنص قاعدة جديدة
على الغاء أخرى صراحة بواسطة نص قانوني.
- الإلغاء الضمني : ويتضح حين تتعارض
أحكام القاعدة الجديدٌة مع سابقتها .
2 - السلطة التي تمارس إلغاء القوانينٌ
هي التي وضعتها أو سلطة أعلى منها ، فإلغاء الدستور لا
يكٌون إلا بدستور آخر ، وتشريعٌ عادي
يلغى بتشريع عادي آخر كما أن تشريعا فرعيا يلغى
بتشريع فرعي آخر كما يراعى التدرج فلا يمكن لعرف أن يلغي تشريعا كما يمكن للتشريع
أن يلغي قاعدة دينية و تفقد بذلك إلزاميتها و يمكن للعرف أن يلغي مبدأ من مبادئ
القانون الطبيعي فنرى بوضوح أن كل تشريع يمكن أن يلغي الذي يليه رتبة.
الفقرة الثانية : تنازع القوانين في الزمان
عند ولادة القاعدة القانونية يولد معها الأثر
الفوري أي أنها تسري بمجرد صدورها ولا يمكن أن تطبق على الوقائع التي سبقت صدورها
، وهو ما يعرف بمبدأ عدم رجعية القوانين . فالوقائع تظل محكومة بالقاعدة القديمة
التي نشأت في ظله ، لكن قد يحدث تنازع بين قاعدتين قديمة وجديدة فيتم حل
التنازع استنادا إلى مبدأين : عدم رجعية القوانين ومبدأ الأثر الفوري للقانون .
1 - مبدأ عدم رجعية
القوانين
يقوم مبدأ عدم رجعية القوانين على اعتبارات
أساسية لضمان الاستقرار داخل المجتمع وهي العدل والنظام ، فمن ناحية العدل فلا
يمكن مفاجأة الناس بقاعدة قانونية جديدة ومحاسبتهم على ما أتوا من تصرفات في ظل
القانون القديم لاستحالة العلم بالمستقبل أما من ناحية النظام فالمصلحة العامة
تقتضي عدم سريان القانون الجديد بأثر رجعي على علاقات قانونية نشأت ورتبت اثارها
القانونية في كنف القانون القديم ، لأنه إذا سمحنا بإبطال المراكز القانونية
واستبدالها بأخرى كلما نشأت قاعدة قانونية جديدة ستضطرب المعاملات وتهتز الثقة
بالقانون.
لذلك
حرصت الدساتير الحديثة على النص على هذا المبدأ ، فالأصل أن القاعدة القانونية
الجديدة عندما تصدر تلغي القاعدة القانونية القديمة ، لكنها لا تلغي التصرفات
والوقائع الناتجة في ظل القاعد القديمة إلا استثناءا :
- الاستثناء الاول : المشرع له الحق في
النص صراحة بانسحاب القاعدة الجديدة بأثر رجعي کلما دعت الضرورة لذلك أو لتحقيق
مصلحة عامة .
- الاستثناء الثاني : في الميدان الجنائي
حيث يمكن أن يمنح المتهم الحق في الاستفادة من القاعدة القانونية الجديدة اذا كانت
في مصلحته وكانت القضية لم يحسم فيها نهائيا .
- الاستثناء الثالث : فيما يتعلق بالنصوص
القانونية المفسرة التي تأتي لتحديد معنى نصوص تشريعية قائمة وإزالة الغموض أو
اللبس الذي يعتريها فبذلك النصوص المفسرة لا تعد نصوصا جديدة ناسخة للنصوص القديمة
بل هي مكملة لها وجزء منها لذلك فهي تنسحب في الماضي .
- الاستثناء الرابع : فيما يتعلق بقواعد
النظام العام ، كالقواعد المنظمة للأهلية ، فإذا صدر قانون جديد يرفع من سن
الاهلية فهذا القانون يسري على كل الذين لم يبلغوا سن الرشد الجديد في ظل النظام
القديم فهم يعتبرون قصرا وبالتالي تعتبر التصرفات التي سيمارسونها مستقبلا باطلة
وغير منتجة لأي أثر قانوني لكن اذا ابرموها قبل صدور القانون الجديد تعتبر
صحيحة ومرتبة لجميع أثارها القانونية لأن القانون اعتبرهم كاملي الاهلية
وقتها .
2 - مبــدأ الأثــر الفوري أو المباشر للقـوانيــن :
يقوم هذا المبدأ على أساس أن القانون الجديد يطبق
فورا منذ تاريخ سريانه أي وقت نفاده ، فيحدث آثاره مباشرة على كل الوقائع والأشخاص
المخاطبين به و على الحالات التي وقعت عقب نفاده بصفة فورية ومباشرة .
إذن فالقانون الجديد يصدر ويطبق على المستقبل لا
على الماضي ، أي على كل ما يقع بعد نفاده حتى ولو كان مترتبا على وقائع ومراكز
قانونية نشأت في ظل القانون القديم.
* يسري من يوم نفاده ليس فقط على المراكز القانونية التي ستنشأ تحت ظله .
* يسري أيضا على المراكز القانونية التي بدأ إنشاؤها أو انقضاؤها في ظل
القانون القديم . غير أن هذا الإنشاء أو الانقضاء لم يتم إلا في ظل القانون الجديد .
* يسري أيضا على الآثار المستقبلية للمراكز القانونية السابق إنشاؤها
أو انقضاؤها في ظل القانون القديم .
بمعنى آخر يسري على الآثار التي تترتب على هذه
المراكز ابتداءا من تاريخ نفاد القانون الجديد.
فمثلا إذا صدر قانون جديد ونفد
بتاريخ 01. 01. 2002 . ويفرض ضريبة على شراء السيارات قيمتها 1500 د ج عن كل سيارة
. فيكون المشتري لسيارة ما ملزما بأداء تلك الضريبة الاستثنائية ابتداء مـن 01.
01. 2002 ولا يلتزم بأداء هذه الضريبة كل الأشخاص الذين اشتروا سياراتهم فـي العام
الماضي أو في الشهر الماضي ، أي قبل 31. 12. 2001 .
المطلب الثاني : تفسير القاعدة القانونية
إذا كان الأصل في النص
القانوني أن يكون واضح الدلالة على المراد منه ولا يحتمل الدلالة على غيره ولا
يحتاج المفسر إلى اجتهاد لتعيين المراد منه ، لأن المشرع وضح ما قصده وعين ما
أراده وكفى المفسر عناء الاجتهاد في تبيينه ، الشيء الذي يتفق مع ما جاء في
القواعد و الآثار الرومانية " خير القوانين ما لا يدع لاجتهاد القاضي إلا
القليل".
إلا أنه واستثناء للأصل ترد بعض النصوص القانونية
متضمنة لنوع من الخفاء والغموض تحتاج في تطبيقها إلى إزالته ، أو محتملة أكثر من
معنى مما يفرض ترجيح أحد المعاني وتعيين المراد ، وهذا هو المراد من التفسير على
اعتبار أن المفسر يوضح ما غمض من ألفاظ القاعدة القانونية ، ويكمل ويفصل ما ورد
مجملا في نصها ، ويعمل على إزالة أوجه التناقض بين أحكامها. وهو في ذلك أي المفسر
يقوم بعملية الاستنباط مما يفرض فيه أن يكون ملما بالمعرفة القانونية وبقواعد المنطق.
و يقصد
بالتفسير في اللغة مطلق التبيين ، إذ يقال فسر الشيء يفسره ، أي أبانه .
ويعرف التفسير في الاصطلاح القانوني حسب رأي صلاح
الدين زكي بأنه تحديد المضمون الحقيقي للقاعدة القانونية بالكشف عن مختلف
التطبيقات التي تنسحب عليها أحكامها و إيضاح ما غمض من هذه الأحكام و استكمال
النقص فيها ورفع ما قد يبدو في الظاهر من التناقض بين أجزائها أو يلوح من التعارض
بينها وبين غيرها من القواعد القانونية .
وهو كذلك حسب رأي البعض أي تفسير القوانين تبيين معنى القاعدة
القانونية المتضمنة في نص مكتوب. و تحديد المعنى الذي تتضمّنه القاعدة القانونية
وتبين نطاقها ، حتى يمكن
مطابقتها على الظروف الواقعية التي يثار بصددها تطبيق هذه القاعدة ، وهو أيضاً
الاستدلال على الحكم القانوني وعلى الحالة النموذجية التي وضع لها هذا الحكم من
واقع الألفاظ التي عبّر بها المشرّع عن ذلك .
و تحديد المقصود بالتفسير بدقة و شمولية لا يستقيم
إذا لم يتطلع الدارس لموضوع التفسير لمعرفة الأسباب الداعية إليه ، والطرق التي
يمكن للمفسر أن يسلكها في تفسيره للنص القانوني.
أولا : دواعي تفسير القانون وأسبابه
إن الأسباب الداعية للتفسير
كثيرة ومتنوعة لا يمكن الوقوف عليها في عرض مصغر كهذا ، مما يلزمنا الاقتصار على
دراسة الأهم منها وترك الأسباب الأخرى لفرصة قادمة انشاء الله. وعليه يميز الدارس
لعلم التفسير بين نوعين من الأسباب هي : الأسباب الداخلية المتعلقة بذاتية النص ،
والأسباب الخارجية الراجعة إلى الظروف والسياق الذي سن فيها النص القانوني.
أ -
الأسباب الداخلية:
1 -
الخطأ المادي أو المعنوي :
وهو كل تشويه مادي أو معنوي
لصياغة النص ، بحيث لا يستقيم النص إلا بتصحيح هذا الخطأ.
2 - الغموض
او الابهام :
ويقصد به عدم وضوح عبارات النص
، بحيث يجعله يحتمل أكثر من معنى , و دور المفسر في هذه الحالة اختيار المعنى
الأكثر صحة والأقرب إلى الصواب من بين باقي المعاني الاخرى ، وكمثال على الغموض
الذي قد يشوب النص القانوني مصطلح الليل الذي ورد ذكره في الفصل 510 من ق.ج.م حيث
يشدد المشرع المغربي من خلال مقتضى هذا الاخير العقوبة على السرقة الواقعة ليلا ،
ومن ثم ، فإن للفظ الليل معنيين هما إما تخييم الظلام حسب العامية ، أو الفترة
الممتدة بين غروب الشمس وشروقها من منظور علم الفلك .
3 -
النقص والسكوت :
لا يمكن أن يتسم النص القانوني
بالنقصان إلا إذا كانت عباراته خالية من بعض الألفاظ التي لا يستقيم الحكم إلا بها
، أو بعبارة اخرى هو كل ما يصيب النص أو النظام القانوني من ثغرات أو فراغات غير
مملوءة . وكمثال على النقص الذي قد يصيب النص القانوني الفصل 124 من ق.ج.م الذي
جاء في فقرته الأولى "لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة ... إذا كان الفعل قد
أوجبه القانون وأمرت به السلطة التشريعية " ، وباستقراء هذا النص يتضح أن
المشرع قد اشترط لاعتبار الفعل مبررا قانونا لابد من توافر شرطان هما : أن يكون
الفعل قد أوجبه القانون وأمرت به السلطة التشريعية ، وباعتماد الواو بدل " أو
" في متن النص (... وأن تأمر به السلطة التشريعية ) يكون المشرع قد أوجب
توافر الشرطين لا أحدهما فقط .
4 - التناقض
والتعارض :
ويتحقق هذا السبب في الحالة
التي يكون فيها الحكم الدال عليه النص الأول يخالف الحكم الذي يمكن استنتاجه من
النص الثاني , حيث إذا لم يكن بالإمكان التوفيق بين النصين وتطبيقهما معا يعتبر
النص المتقدم ناسخا للقديم.
و كمثال على هذه الحالة من الدستور الفرنسي حيث
وقع في صعوبة التوفيق بين حق الملكية باعتباره حقا مقدسا لا يمس ومبدأ التأميم
المنصوص عليه في الفقرة السابعة من ديباجة دستور 1946 ، وهو نفس الشيء الذي
يواجهه القاضي الفرنسي بقضية الحجاب الاسلامي بين الحرية الدينية والعلمانية كمبدأين
دستوريين .
ب - الاسباب
الخارجية:
يمكن اجمال هذه الأسباب في
الانتفاض ضد الشكلانية وتغيير وظيفة القانون وتضخم في أدوار أجهزة الدولة بالإضافة
إلى الأدوار الحقوقية للقاضي.
ثانيا : طرق تفسير
القاعدة القانونية
يعتمد التفسير طرقا متعددة
ومتنوعة ميز الفقه فيها بين وسائل وطرق داخلية و اخرى خارجية.
أ - الوسائل
الداخلية: لتفسير القانون
1 - التفسير
اللفظي : وهو
اعتماد المعاني اللغوية والاصطلاحية لألفاظ النص القانوني بغية الوقوف والكشف عن
قصد المشرع.
2 - الاستنتاج
بطريق القياس : وهو
تطبيق حكم وارد في حالة معينة على حالة اخرى مشابهة لم يرد في حكمها نص ، فقياسا
على الحديث النبوي القاضي بعدم توريث الوارث الذي قتل موروثه لا يستحق الموصى له
الوصية إذا قتل الموصي .
3 -
الاستنتاج بمفهوم المخالفة : ويكون
بتطبيق ومنح واقعة غير منصوص عليها في القانون عكس الحكم الذي أعطي لواقعة منصوص
عليها فيه لوجود اختلاف في العلة أو لانتفاء شرط من الشروط المعتبرة في
الحكم،ومثاله أن يشترط نص لمزاولة مهنة ما الحصول إذن إداري بذلك ، فإن مفهوم
المخالفة يقتضي إبطال مزاولة المهنة المشار إليها في غياب الترخيص الاداري.
4- الاستنتاج
من باب أولى : وهو
تطبيق حكم وارد في حالة معينة على حالة اخرى لم يرد في حكمها نص لا لأن علة الحكم
الوارد في الحالة الأولى أو سببه متوفران في الحالة الثانية فحسب كما هو الحال
بالنسبة للاستنتاج بطريق القياس . ولكن لأنهما أكثر توافرا في هذه الحالة منهما في
الحالة الأولى ، ومثال ذلك قوله تعالى في حسن معاملة الوالدين : { ولا تقل لهما أف
ولا تنهرهما } ، وستنتج من ذلك عدم ضربهما من باب أولى ، ومثاله كذلك تحريم الخمر
الذي لما له من لأضرار على الانسان , ومن ثم ، فمن باب أولى تحريم المخدرات الأكثر
فتكا بجسم الانسان .
ب - الوسائل
الخارجية ( التكميلية ) :
1- حكمة
التشريع : هي
تحري الغاية النهائية التي يقصدها المشرع من وضع التشريع ( كدعم الاقتصاد ،
رعاية الفئات الضعيفة ، منفعة قطاع معين من قطاعات الانتاج كالزراعة ، حماية
الأقليات ، الحفاظ على أمن المجتمع ) .
مثال : ما المقصود بـ " الليل " كظرف مشدد في
القانون الجنائي ، الظلام الفلكي أم الظلام الفعلي ؟ حكمة التشريع تدعو إلى
الاعتداد بالظلام الفلكي الذي يسكن فيه الناس و يسترخون.
2 - الأعمال التحضيرية: وهي
مجموعة المذكرات التفسيرية ، ومناقشات المجالس التشريعية ، ومحاضر جلسات هذه
المجالس وأعمال اللجان التي تقترن عادة بالتشريعات عند تحضيرها وهذه الوثائق تفيد
المفسر لمعرفة قصد المشرع الحقيقي عند وضع النص ، ويجب التنبيه إلى أن هذه الأعمال
قد لا تعبر عن وجهة المشرع تعبيرا حقيقيا ، ولذا فان الرجوع إليها يكون على سبيل
الاستئناس.
3 -
المصادر التاريخية : في
حالة غموض النص الوطني ، على المفسر الرجوع الي القانون الأجنبي الذي يمثل الأصل
التاريخي الذي استقي منه النص الوطني . و كمثال لذلك القوانين الكويتية التي تم
استقاؤها من نظيرتها المصرية التي تم الشروع في وضعها عام 1883 (و قد وضعت
القوانين المصرية بالفرنسية ثم ترجمت إلى العربية ، مما يعني أن النص الفرنسي هو
الأصل ).
و ختاما يمكن القول بأن التفسير هو عملية كشف
وبيان لمقاصد المشرع من سن القاعدة القانونية ، واستكمال ما شابها من نقص وعيب ،
والتوفيق بين ما تعارض من أحكامها وبين هذه الأخيرة وأحكام النصوص الاخرى ، وذلك
باعتماد أساليب وطرق التفسير.