عقوبة جريمة الرشوة
|
الرشوة |
تعتبر الرشوة ظاھرة خطيرة وجديرة بالمكافحة، لأنھا تؤدي كما ذھب
الدكتور المرصفاوي إلى
أمرين خطيرين أولھما أنھا تسفر عن فقدان الثقة لدى الأفراد
بالمھمة التي أودعتھا الدولة بين أيدي
الموظفين العموميين.
والأمر الآخر يكمن في أن الرشوة في حد
ذاتھا تؤدي إلى انتفاء العدالة بين المواطنين.
فمن كانت له القدرة على دفع المقابل تؤدى لمصلحته
الأعمال الوظيفية، ومن لا يستطيع أولا يريد تعففا
تھدر حقوقه ومصلحته.
والرشوة بھذا المفھوم ھي اتجار الموظف العمومي ومن في حكمه
بالوظيفة الموكولة إليه أو
بالأحرى استغلال السلطات المخولة له بمقتضى تلك الوظيفة لحسابه
الخاص، وذلك حين يطلب
لنفسه أو لغيره أو يقبل أو يأخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من
أعمال وظيفته أو يزعم أنه من أعمال
وظيفته أو للامتناع عن ذلك العمل أو للإخلال بواجبات وظيفته.
يمكن تعريف الرشوة أيضا بأنھا هي كل عمل أو امتناع عن عمل يقوم على
المتاجرة بالوظيفة
الموكلة للموظف أو من في حكمه أو الإخلال بأحد الأعمال أو
الواجبات التي عليه القيام بھا أو
الإمتناع عن القيام بھا، و ذلك مقابل منفعة خاصة له أو لغيره،
كقبوله أو أخذه عطية، أو وعد،
أو طلبه لمنفعة أو ھدية.
و عموما سوف نتطرق لجريمة الرشوة من خلال التعرض لكل من عناصر
جريمة المرتشي
(المحور الأول)، و عناصر جريمة الراشي ( المحور الثاني ) ثم
عقوبة جريمة الرشوة (المحور الثالث ).
المحور الأول : عناصر جريمة المرتشي
بالرجوع إلى الفصلين 248 و 249 ق.ج يتبين بأن عناصر جريمة
المرتشي ھي :
أولا : صفة المرتشي ، ثانيا : الركن المادي أي الفعل الصادر عن
المرتشي ، ثالثا : الركن
المعنوي أي القصد الجنائي.
أولا : شرط الصفة
تعتبر الرشوة من جرائم ذوي الصفة ،أي الجرائم التي لا يمكن تصور
وقوعھا ، إلا إذا توافرت في
من يرتكبھا الصفة التي يشترطھا القانون لذلك ، وھي بھذا جريمة
طائفة معينة من الأشخاص
الذين جاء ذكرھم في القانون على سبيل الحصر ، إضافة إلى ذلك يجب
أن يكون الشخص مختصا
بالعمل أو الإمتناع عن العمل الذي ارتشى من أجله أو تلقى
المقابل للقيام به أو الإمتناع عن ذلك ،
أو أن تكون الوظيفة التي يقوم بھا قد سھلت له القيام بذلك.
-
أن يكون المرتشي ممن يمكنهم ارتكاب (جريمة المرتشي)
حدد القانون الجنائي طائفة الأشخاص الممكن أن يرتكبو جريمة
المرتشي في :
-
الموظفين العموميين
-
القضاة المحلفون و أعضاء ھيئة المحكمة
-
المحكمون الخبراء
-
المتولون لمراكز نيابية
-
الأطباء و الجراحون و أطباء الاسنان و المولدات
-
العمال و المستخدمون و الموكلون
أ - الموظف العمومي
قد يظھر للوھلة الأولى أن تحقق ھذا المقتضى أو الشرط لا يطرح أي
إشكال يمكن أن يثار ، لكن
الحقيقة غير ذلك مادام أن تطبيقه في المجال العملي لا يخلو
أحيانا م إثارة بعض الصعوبات و
يرجع ذلك بالأساس ، إلى أن تعريف الموظف العمومي ، و تحديد فكرة
الإختصاص في مجال
الوظيفة من المقتضيات التي يختص بتنظيمھا القانون الاداري و ليس
القانون الجنائي و إن أشار
إلى ذلك.
يتنازع تعريف الموظف العمومي في القانون المغربي تعريفان ،
الأول ھو ماجاء به القانون
الإداري بمقتضى ظھير 24 فبراير 1958 المتعلق بالنظام الأساسي
للوظيفة العمومية وذلك في
المادة الثانية منه و التي جاء فيھا :
"يعد موظفا عموميا كل شخص يعين في وظيفة قارة و يرسم في إحدى
رتب السلم الخاص بأسلاك
الإدارة التابعة للدولة
".
و حسب ھذا التعريف فالموظف العمومي يعتبر كذلك :
-
إذا تقلد وظيفة عامة من قبل سلطة تملك حق تعيينه قانونا
، و بطريقة مشروعة وفقا للقانون
و بقرار من ھذه السلطة المختصة ، كما لو كان يعمل في المرافق
العامة التابعة للدولة
وذلك بغض النظر عن المھمة التي يتولاھا أو المكانة التي تكون له
داخل الإدارة أو نطاق
اختصاصه ، مادام أن كل من يعمل في الإدارة له دور فيھا قد يساء
استغلاله لأجل غايات
مخالفة للشرف المھني و للنزاھة التي تفرضھا عليه ھذه الوظيفة .
-
أن تكون ھذه الوظيفة قارة وذلك للتمييز بينه و بين من
يعمل بصفة مؤقتة.
-
أن يكون ھذا الشخص أصبح مرسما في ھذه الوظيفة ، ولا يكون
كذلك إلى بعد مرور مدة
معينة من الزمن .
أما التعريف الثاني فھو ما جاء به القانون الجنائي في الفصل 224
و الذي يقول :
"
يعد موظفا عموميا، في تطبيق أحكام التشريع الجنائي، كل
شخص كيفما كانت صفته، يعھد إليه،
في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مھمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون
أجر ويساھم بذلك في خدمة
الدولة، أو المصالح العمومية أو الھيئات البلدية، أو المؤسسات
العمومية أو مصلحة ذات نفع عام.
وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة ومع ذلك فإن ھذه الصفة
تعتبر باقية له بعد
انتھاء خدمته، إذا كانت ھي التي سھلت له ارتكاب الجريمة أو
مكنته من تنفيذھا."
و الملاحظ من خلال ھذا التعريف أن المشرع الجنائي قد وسع من
مفھوم الموظف العمومي خلافا
للقانون الاداري الذي جاء تعريفه ضيقا ، بحيث أن كل موظف حسب
القانون الاداري يعد كذلك
بالنسبة للقانون الجنائي، و العكس غير صحيح.
و يرجع السبب في ذلك إلى أن الإتجار في وضعية قانونية لشخص ما
يعتبر محل ثقة الناس ، يعد
إخلال بإلتزامه بأداء عمله على أحسن وجه و كذلك إخلالا بمبدأ
المساواة بين المواطنين ، و على
ھذا الأساس يجب أن يعامل بالصرامة اللازمة و معاقبته على عمله
ليكون عبرة لغيره ، ومن ھنا
كان التوسع في مفھوم الموظف العمومي عند تطبيق أحكام القانون
الجنائي عن نظيره الاداري.
كما أنه و إضافة إلى ما سبق ، لا يشترط في الشخص لكي يكون موظفا
عموميا ، أن يكون من
الأطر العليا أو الدنيا للوظيفة العمومية ، أو أن يكون مرسما أو
متمرنا ، مؤقتا أو مياوما ، مدنيا أو
عسكريا ، و ذلك لأن المشرع من خلال الفصل 224 من القانون
الجنائي عبر ذلك بقوله " كيفما
كانت صفته " لكن اشترط أن يكون موظفا في الإدارة الوطنية
المغربية أو يباشر مھمة يساھم بھا
في خدمة الدولة المغربية أو المصالح العمومية.
وھكذا فالأشخاص الذين يمكن وصفھم بصفة الموظف العمومي حسب الفصل
224 من القانون
الجنائي يقتضي:
-
مباشرة الشخص لوظيفة أو مھمة
- المساھمة في خدمة الدولة
أو المصالح العمومية أو الھيئات البلدية أو المؤسسات العمومية.
أو مصلحة ذات نفع عام.
و عموما فالشخص لا يعتبر موظفا عموميا إلا أذا باشر وظيفة يساھم
بھا في خدمة الدولة و
بتكليف من السلطة المخولة قانونا لذلك ، و يكون إما عن طريق
التعيين أو الإنتخاب كأعضاء
البرلمان أو أعضاء المجالس المحلية.
ب- القضاة المحلفون و أعضاء هيئة المحكمة
أورد نص الفصل 225 من القانون الجنائي كلمة "قضاة"
التي جائت مطلقة بحيث أنه لم يحدد
المقصود من ذلك ، و على ھذا الأساس فإنھا تعتبر مطلقة و بالتالي
فھي تشمل كل أعضاء الھيئة
القضائية من قضاة الحكم و قضاة التحقيق و أعضاء النيابة العامة.
أما أعضاء ھيئة المحكمة فھم باقي الأشخاص المشكلين لھيئتھا دون
الموظفين العموميين
كالمستشارين في القضايا الإجتماعية.
ج - المحكمون و الخبراء
قد تستدعي بعض الحالات لجوء الأطراف إلى التحكيم و ذلك إستثناءا
من المبدأ العام الذي يقضي
بفض النزاعات أمام السلطة القضائية وھكذا فإن المحكم يقوم بنفس
المھمة التي يقوم بھا القضاء
لذلك تشدد المشرع و ادخله ضمن الطوائف التي يمكن أن ترتكب جريمة
الرشوة.
نفس الأمر بالمسبة للخبراء إذ يضطر القاضي إلى اللجوء إلى
الخبرة في بعض الأمور الفنية ،
وعلى ھذا الأساس تم إدخالھم ضمن زمرة الأشخاص الذين يمكنھم
إرتكاب جريمة الرشوة سواء تم
تعيينھم من قبل الأطراف أو من قبل السلطات الإدارية و القضائية.
د - المتولون لمراكز نيابية
تشمل ھذه الطائفة نواب الشعب في البرلمان و أعضاء المجالس
البلدية أو القروية و مجالس
العمالات و الأقاليم ، و إعضاء الغرف التجارية و الصناعية و
الفلاحية و غيرھا.
ه - الأطباء و الجراحون و أطباء الاسنان و المولدات
يجب أن نميز في ھذه الحالة بين ما إذا كانت ھذه الفئة من
الأشخاص يعتبرون موظفين عموميين
بحيث يدخلون في دائرة الطوائف التي يمكن أن ترتكب جريمة الرشوة
، وبين ما إذا كانوا يعملون
في القطاع الخاص مادام أنه في ھذه الحالة الأخيرة يكون بإمكانھم
تقديم شواھد كاذبة ، أو بيانات
غير صحيحة وذلك مقابل فائدة أو عطية أو ھبة ، من ھنا يعتبرون
مرتشين و يعاقبون على ھذا
الأساس.
و - العمال و المستخدمون و الموكلون
إن ھذه الطائفة تعمل أصلا في القطاع الخاص ولا تتحقق لھا صفة
الموظف بمفھوم الفصل 224
من القانون الجنائي ، و قد أدخلھم المشرع ضمن طائفة الاشخاص
الذين يرتكبون جريمة الرشوة
حين يطلبون أو يتسلمون ھبة أو ھدية أو مكافأة أو يقبلون بدون
علم رئيسھم أو المخدوم و بدون
موافقته ، و ذلك رغبة منه في المحافظة على المقاولات و المشاريع
الخاصة.
2
: الإختصاص بالعمل أو الإمتناع عن العمل
يقصد بالإختصاص بالعمل أو الإمتناع عنه صلاحية الشخص في القيام
بھذا العمل أو عدم القيام به
بتعبير آخر فإن الإختصاص بالعمل أو الإمتناع عنه يعتبر السبب
الدافع إلى القيام بالرشوة و
بالتالي وجب أن يكون من الأعمال الداخلة في الإختصاص الوظيفي
للمرتشي سواء كان مشروعا
و مطابقا للقوانين و الأنظمة و التعليمات أو كان مخالف لھا.
و يرى بعض الفقه بأن العمل الذي يقوم به الموظف مقابل الفائدة
يجب أن يكون ممكنا من الناحية
الواقعية فإذا كان مستحيلا استحالة مطلقة أي عدما فلا تقوم
الجريمة.
وعموما فإن الشخص يعتبر غير مختص إذا ما حظر عليه القانون
القيام يعمل معين كالقائد أو
الباشا الذي يمتنع عليه الفصل في قضية يرجع اختصاصھا للمحكمة ،
فإذا تلقى مبلغا من المال من
شخص ما و ذلك من أجل تحقيق مطلبه الذي يتمثل في إفراغ المكتري
من محل سكناه دون اللجوء
إلى المحكمة فلا يعد مرتشيا و إنما مستغلا لنفوذه و ذلك لعدم
اختصاصه أصلا بھذا العمل ، و لكن
يعد مرتشيا إذا أخذ مبلغا من المال ممن حكم عليه بتنفيذ الإفراغ
الصادر عن المحكمة المختصة.
أما الإمتناع عن العمل ، فمعناه أنه لكي يعتبر سببا في قيام
جريمة الرشوة، أن يمتنع الموظف
عن أدا ما يلزمه القانون و غالبا ما يكو ھذا الإمتناع غير مشروع
، و من ذلك أن يمتنع رجل
الشرطة عن تحرير محضر جريمة وقعت بالفعب و ذلك مقابل مبلغ من
المال أو فائدة أو عطية .
و عموما ، فإن معرفة ما إذا كان الشخص مختصا بالعمل أو الإمتناع
عن مرده إلى القانون الذي
يحدد بكيفية مباشرة الشخص المختص بإجراء معين كتسجيل الحقوق
العينية بالنسبة للمحافظ ، أو
منع حدوث عمليات التھريب بالنسبة لشرطة الجمارك ، أو بكيفية غير
مباشرة بعقد الإختصاص
لإدارة معينة حيث يكون كل موظف في ھذه الحالة مرتشيا إذا ما أخذ
مقابلا عن القيام بالعمل أو
الإمتناع عنه.
وقد توسع القانون الجنائي في تحديده لمفھوم الإختصاص حين اعتبر
الموظف مرتشيا ولو كان
عمله أو الإمتناع عنه و الذي أخذ عنه مقابلا أو عطية أو اية
فائدة أخرى لا يدخل في اختصاص
وظيفته ، و إنما وظيفته ھي التي سھلت له ذلك أو كان من الممكن
ان تسھله له.
ثانيا : الركن المادي لجريمة المرتشي
لقيام الركن المادي في جريمة المرتشي ، لاعتبارھا من جرائم
الخطر ، فإن إتيان الفاعل لأي
نشاط من شأنه أن يلوث سمعة و شرف الوظيفة العمومية التي ينتسب
إليھا ، أو تلطيخ سمعة
المشروع الخاص الذي يعمل به ، و زعزعة ثقة الأغيار الذين
يتعاملون معه فيه وذلك دون
اشتراط أي مساس فعلي بالوظيفة العامة أو المشروع الخاص ، يكفي
لتحققه.
و عموما فإن الركن النادي لجريمة المرتشي تتحقق بتوفر العناصر
التالية ، و التي أشار إليھا
الفصل 248 من القانون الجنائي و ھي : الطلب و القبول و التسلم.
-1 الطلب
يمكن أن تتحقق جريمة المرتشي بمجرد قيام الموظف بطلي منفعة
مقابل العمل أو الإمتناع عن
العمل المختص بالقيام به ، و تعتبر ھذه الصورة الأكثر حدوثا في
جريمة الرشوة، و الموظف ھو
من تكون له المبادرة ھنا في تحقيق ھذه الجريمة.
و سواء كان ھذا الطلب صريحا أو ضمنيا كفتح درج مكتبه أمام من
يريد قضاء حاجته أو بالإشارة
فمجرد طلب الموظف أو من في حكمه لمنفعة من صاحب الحاجة يكون
كافيا لقيام جريمة الرشوة
استجاب له من وجه إليه الطلب أو لم يستجب.
كما أن قيام ھذه الجريمة لا يعتد فيه بوجوب أن يكون طلب المنفعة
لمصلحة الموظف شخصيا ، و
إنما طلب ھذه الفائدة للغير كالإبن أو الزوجة أو الاخ يكون
سبباكافيا لقيام جريمة المرتشي و
بالتالي وجوب معاقبته على ھذا الأساس.
و تجدر الإشارة إلى أن ھنالك مجموعة من العناصر التي يجب أن
تتوفر لكي يتحقق لھا الطلب و
بالتالي الركن المادي لجريمة المرتشي و ھي :
-
أن يكون الطلب إراديا صادرا عن الموظف و معبرا عن غرادته
الحقيقية و الجادة في
الحصول على مقابل عن العمل أو الخدمة التي ينوي القيام بھا
للغير ، بحيث إذا كان طلبه
غير جدي أي ھزليا فلا مجلال للحديث عن الرشوة.
-
أن يتحقق علم الغير بھذا الطلب ، فالرشوة و إن كانت عملا
غير مشروع تستوجب لتحققھا
أن يصل إلى علم ھذا الغير صاحب الحاجة طلب المرتشي.
-2 القبول
يعد قبول الموظف الرشوة التي عرضت عليه من طرف صاحب المصلحة
نشاطا مكونا لجريمة
المرتشي،و قبول الموظف يفترض فيه أن يسبقه عرض من العارض و أن
يتعلق ھذ العرض
بإعطاء شيء أو بعطية أو بمقابل عن الخدمة التي يرغب فيھا من قدم
العرض ، و يطلق الفقه على
ھذه الصورة اسم الرشوة الآجلة ، لأن الثمن الذي ارتضاه الموظف
لنفسه منفعة يستفيد منھا ھو أو
غيره في زمن لاحق. ويعتبره جانب آخر لأنه نشاط سلبي عكس الطلب
من طرف الموظف الذي
يقبل فائدة أو عرضا أو وعدا من صاحب المصلحة ، ذلك أن الذي يقوم
بالعمل الإيجابي في ھذه
الحالة خو صاحب الحاجة أي الجانب الآخر و ليس الموظف.
و يعتبر القبول صحيحا بأية صورة و رد بھا خاصة و أن المشرع لم
يشترط اي شكل خاص لذلك
و عليه في شكل قول أو كتابة أو اي تصرف أخر يفھم منه قبول
الموظف لما عرض عليه من
رشوة مقابل ما سيقوم به من عمل أو امتناع لصالح صاحب المصلحة.
على أنه تجدر الإشارة إلى ضرورة أن يكون القبول الصادر عن الموظف تعبيرا صحيحا و جادا ،
أما إذا كان قبوله للوعد أوالعطية قد تم على سبيل المزاح أو الھزل ، او تظاھر بالقبول
انتفت
جريمة المرتشي في مواجھته، و
نكون في مثل ھذه الحالات أمام عرض من طرف الراشي.
و في ھذا الصدد ن يرى بعض الفقه بان قبول الرشوة من قبل الموظف
يكون معاقبا عليه ولو كان
العرض الذي تم من طرف صاحب الحاجة كان القصد منه كشف اتجار
الموظف بعمله الوظيفي ،
ذلك أن حكمة تقرير العقاب لجريمة المرتشي ھي حماية الثقة العامة
في أعمال الوظيفة و مجازة
كل من يتاجر بھا.
في حين يرى البعض الآخر أن في ھذا الغتجاه نوع من المغالاة في
العقاب على الرشوة ، ذلك أن
قبول الموظف لعرض غير جاد بالرشوة من جانب صاحب المصلحة يشكل
جريمة ظنية ، و
الجرائم الظنية، اي تلك التي لا تقوم إلا في ذھن فاعلھا ، فلا
عقاب عليھا.
-
التسليم
يعني التسليم حصول الموظف أو من في حكمه بالفعل على الھبة أو
الھدية أو العطية أو الفائدة
مقابل القيان بالعمل أو الإمتناع عنه ، و يطلق على ھذه الصورة
الرشوة العاجلة.
و التسليم يعتبر الصورة الغالبة في الواقع و به تتحقق جريمة
الرشوة حيث يسھل إثباتھا مقارنة مع
باقي صور الركن المادي للجريمة و التي تكون فيھا صورتھا
القانونية بعيدة عن صورتھا الواقعية
، و
لا عبرة بالطريقة التي يتم بھا التسليم فقد يكون صريحا بالتسليم المادي للھبة أو
العطية أو مبلغ
من النقوذ أو غيره، كما بمكن أن يكون ضمنيا ، من ذلك أن يضع
صاحب الحاجة مبلغا من النقوذ
أو غيره ، كما يمكن أن يكون ضمنيا ، من ذلك أن يضع صاحب الحاجة
مبلغا من النقوذ في درج
مكتب الموظف تحت نظره و دون اعتراض منه.
كما انه ليس من الضروري أن يكون الموظف ھو من حصل على الھدية أو
الھبة بنفسه ، بل يكفي
أن يتن الانتفاع لحساب شخص آخر كإبنه أو زوجته لتقوم جريمة
الرشوة.
كما أنه لا عبرة بأن يكون التسليم واقعا قبل أو بعد إنجاز العمل
أو الامتناع عن العمل ، إذ كل ما
يشترط ھنا ھو حصول التسليم لھبة أو ھدية أو منفعة أخرى من أجل
إنجاز الفعل أو الإمتناع عنه
كما لا يشترط حصول التسليم لھبة أو ھدية أو اية منفعة أخرى من
أجل إنجاز الفعل أو الأمتناع
عنه ، كما لا يشترط حصول التسليم من طرف الراشي مباشرة بل يعتبر
قائما و إن تم عن طريق
وسيط .
ثالثا : الركن المعنوي لجريمة الرشوة ( القصد الجنائي)
تعتبر جريمة المرتشي من الجرائم العمدية التي يتطلب قيام ضرورة
توفر القصد الجنائي لدى
المرتشي -الموظف أو من في حكمه – و يتحقق ذلك بمجرد اتجاه نية
ھذا الأخير إلى الطلب أو
القبول أو التسلم لاية فائدة كيفما كانت معنوية أو مادية ، و ھو
يعلم أن ذا المقابل نظير اتجاره
بوظيفته العامة سواء قبل الطرف الآخر ما طلب منه أو لم يقبل.
فقيام جريمة المرتشي قانونا تقتضي اتجاه إرادة الفاعل إلى إتيان
أحظ المظاھر السلوكية التي نص
عليھا المشرع من طلب أو قبول أو أخذ الفائدة أو الوعد بھا،و
ورجب بالإضافة إلى إرادة السلوك
انصراف نية الفاعل إلى الاستيلاء على الفائدة بقصد التملك أو
الإنتفاع.
وقد ثار التساؤل في الفقه حول ما إذا كان القصد الجنائي اللازم
تحققه لدى الموظف يتمثل في
القصد الجنائي العام أم أن ھذا القصد الجنائي غير كاف ؟
يرى معضم الفقه أن قيام جريمة المرتشي تتحقق بالقصد الجنائي
العام لا الخاص ، فالموظف
يعتبر مرتشيا بمجرد طلبه أو قبوله أو أخذه فائدة غير مستحقة ولو
لم تتوافر لديه نية الإتجار
بوظيفه.
في حين يرى جانب آخر من الفقه أن القصد الجنائي في جريمة
المرتشي يتطلب بالإضافة إلى
القصد العام قصدا خاصا مضمونه اتجاه نية المرتشي إلى الإتجار
بوظيفته أو استغلالھا.
المحور الثاني : عناصر جريمة الراشي
ينص الفصل 251 من القانون الجنائي على ما يلي :
"
من استعمل عنفا أو تھديدا، أو قدم وعدا أو عرضا أو ھبة
أو ھدية أو أية فائدة أخرى لكي
يحصل على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو على مزية أو فائدة
مما أشير إليه في الفصول
243
إلى 250 ، وكذلك من استجاب لطلب رشوة ولو بدون أي اقتراح
من جانبه، يعاقب بنفس
العقوبات المقررة في تلك الفصول، سواء أكان للإكراه أو للرشوة
نتيجة أم لا."
من خلال ھذا الفصل يتضح لنا أن جريمة الراشي مستقلة عن جريمة
المرتشي بحيث يمكن عملا
بالفصل المشار اليھا اعلاه ادانة الراشي أو تبرئته باستقلال تام
عن الموظف الذي قد يتابع ويدان
بالارتشاء .ذلك كما أشرنا في الأول بكون المشرع المغربي نظر الى
جريمة المرتشي بكيفية
مستقلة عن جريمة الراشي فما ھي العتاصر التي يقوم عليھا الركن المادي لجريمة الراشي.
أولا : الركن المادي لجريمة الرشوة
-
استعمال العنف أو التھديد :وھي حالة اكراه الموظف بغية
دفعه الى مخالفات واجبات
وظيفته ونحو ذلك اشھار السلاح في وجھه لارغامه على الفعل
المخالف أو التھديد بخطف
أحد أولاده أو اتلاف ماله الى غير ذلك من الحالات...
ويقوم الركن المادي بھذا النوع من التھديد سواء كان للتھديد
نتيجة أم لا.
-
تقديم وعد أو عرض : فيكفي لكي تقوم الجريمة في حق الراشي
أن يقوم باغراء الموظف
للاتجار بوظيفته.
لذلك كان مجرد تقديم الوعد أو العرض كافيا بادانته بغض النظر عن
قبول الموظف المختص
بالعمل أو الامتناع للوعد او العرض أو رفضه له.
ويشترط في العرض أن يكون جادا أي يھذف من وراءه الحصول على
مصلحة معينة أما اذا كان
ھذف العارض كشف الموظف امام الشرطة فان الركن المادي لا يقوم
وبالتالي لا يعتبر راشيا.
-
الاستجابة لطلب الرشوة : تقوم ھذه الحالة على عكس
الحالات السابقة من صور الركن
المادي على تصرف سلبي من جانب المرتشي ھو استجابته لطلب المرتشي
فھو لم يعرض
رشوة ولم يحاول اغراء الموظف بوعد او عھد ولكنه استجاب للموظف
حينما طلب منه
رشوة مختارا وعلى بينة من الأمر.
والشرط لقيام ھذه الجريمة ھو علم الراشي بطبيعة المقابل المطلوب
منه اما اذا وقع في غلط كان
يعتقد بان ھذا المقابل ھو ضريبة تتقاضاھا المصلحة العامة وانه
ملزم بدفعھا فانه لا يعتبر مرتكبا
لجريمة الراشي.
ثانيا : الركن المعنوي
جريمة الراشي جريمة عمدية يلزم فيھا توافر القصد الجنائي العام
بعنصريه العلم والارادة.
فيلزم ان يكون الجاني عالما بانه يتجه بفعله الى موظف عمومي أو
مستخدم لكي يكرھه على القيام
بالعمل أو يغريه للقيام به كما يلزم أن يتجه الجاني بارادته الى احداث الفعل المادي
ونتيجته ولو لم يتحقق بالفعل.
المحور الثالث :عقوبة جريمة الرشوة.
زجر المشرع الجنائي المغربي جريمة الرشوة إذا ما توافرت عناصرھا
بعقوبات أصلية و أخرى
إضافية.
أولا: العقوبات الأصلية للرشوة
ھذه العقوبات اما تكون جنحية او جنائي.
1 العقوبات الجنحية الخاصة بالرشوة
ھي التي نص عليھا الفصل 248 من القانون الجنائي التي تنص على
انه " يعد مرتكبا لجريمة
الرشوة ، ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس وبغرامة من ألفي درھم
إلى خمسين ألف درھم ،
من طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو طلب أو تسلم ھبة أو ھدية أو أية
فائدة أخرى ..."
من خلال نص المادة يتبين لنا أن المشرع عاقب الموظف العمومي
المرتشي اذا تبثث في حقه
جريمة الرشوة بعقوبة سالبة للحرية وھي الحبس من سنتين الى خمس
ينوات كما فرض الى جانبھا
وبكيفية وجوبية غرامة مالية تتراوح بين الفي وخمسين ألف درھم
ونفس ھذه العقوبات تطبيق على
الراشي طبقا لمقتضيات المادة 251 من القانون الجنائي.
2 العقوبات الجنائية الخاصة بالرشوة
شدد المشرع عقوبة الرشوة ليجعل منھا جناية وذلك في الحارت
التالية
-الحالة المنصوص عليھا في الفصل 252 من القانون الجنائي والتي
يكون الغرض فيھا من
الرشوة القيام بعمل يكون جناية في الواقع وھكذا تنص المادة على
انه :
"
إذا كان الغرض من الرشوة أو استغلال النفوذ ھو القيام
بعمل يكون جناية في القانون ، فإن
العقوبة المقررة لتلك الجناية تطبق على مرتكب الرشوة أو استغلال
النفوذ ".
وكمثال على ذلك اتفاق عدل مع شخص آخر على تزوير محرر رسمي مقابل
أن يأخذ ھذا العدل
رشوة فان المتفقان يعاقبان بعقوبة جنائية ھي السجن المؤبد سواء
ارتكبت جريمة التزوير أو
محاولتھا ولا يعاقبات بالعقوبة المنصوص عليھا في الفصل 248 من
القانون الجنائي لأن الرشوة
وان كانت في الأصل جنحة الا ان الغرض منھا ھو ارتكاب جناية
التزوير في محرر رسمي طبقا
لمقتضيات المادة 352 من القانون الجنائي.
-الحالة المنصوص عليھا في الفصل 253 من القانون الجنائي وھي
عندما تؤدي رشوة أحد رجال
القضاء الى صدور حكم بعقوبة جناية ضد المتھم.
تنص المادة على انه " إذا كانت رشوة أحد رجال القضاء أو
الأعضاء المحلفين أو قضاة المحكمة
قد أدت إلى صدور حكم بعقوبة جناية ضد متھم ، فإن ھذه العقوبة
تطبق على مرتكب جريمة
الرشوة."
والتشديد ھنا يطال كل أطراف جريمة الرشوة (الراشي والمرتشي) على
أن يكون الحكم بعقوبة
جناية قد صدر فعلا ضد المتھم حتى وان كان ھذا الحكم غير نھائي
أي قابل للطعن.
ثانيا : العقوبات الاضافية للرشوة
تعرض المشرع لھذه العقوبات في المادتين 255 و 256 ومن القانون
الجنائي وھي :
-1 المصادرة
ينص الفصل 255 من القانون الجنائي على انه :" : لا يجوز
مطلقا أن ترد إلى الراشي, الأشياء
التي قدمھا ولا قيمتھا بل يجب أن يحكم بمصادرتھا وتمليكھا
لخزينة الدولة ".
والمصادرة لا تقتصر على المبلغ المالي الذي قدم كرشوة وانما
تنصب على كل ما يكون الراشي
قدمه فعلا كمقابل سواء كان عقارات أو مجوھرات أو أسھم....
على
ان يتم ضبط ھذا المقابل عند المرتشي وبالتالي فلا تشتمل المصادرة الأشياء التي يكون الراشي
قد وعد بھا فقط أو حتى المقابل الذي قدم فعلا كرشوة لكنه سرق أو فوت بأية طريقة أو دمر...
-2 الحرمان من بعض الحقوق المنصوص عليها في الفصل
40 من القانون الجنائي
ينص الفصل 256 من القانون الجنائي على انه "ي الحالات التي
تكون فيھا العقوبة المقررة ، طبقا
لأحد فصول ھذا النوع عقوبة جنحية فقط ، يجوز أيضا أن يحكم على
مرتكب الجريمة بالحرمان
من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليھا في الفصل 40 من خمس
سنوات إلى عشر ، كما يجوز
أن يحكم عليه بالحرمان من مزاولة الوظائف أو الخدمات العامة مدة
لا تزيد عن عشر سنوات."
وبالرجوع الى الفصل 40 نجدھا بدورھا تحيلنا في تحديد ھذه الحقوق
على المادة 26 من القانون
الجنائي التي تنص على أن " التجريد من الحقوق الوطنية يشمل :
1 عزل المحكوم عليه وطرده من جميع الوظائف العمومية وكل الخدمات والأعمال العمومية.
2 حرمان المحكوم عليه أن يكون ناخبا أو
منتخبا وحرمانه بصفة عامة من سائر الحقوق الوطنية
والسياسية ومن حق التحلي بأي وسام.
3 عدم الأھلية للقيام بمھمة عضو محلف أو
خبير، وعدم الأھلية لأداء الشھادة في أي رسم من
الرسوم أو الشھادة أمام القضاء إلا على
سبيل الإخبار فقط.
4 عدم أھلية المحكوم عليه لأن يكون وصيا أو
مشرفا على غير أولاده
5 الحرمان من حق حمل السلاح ومن الخدمة في
الجيش والقيام بالتعليم أو إدارة مدرسة أو العمل
في مؤسسة للتعليم كأستاذ أو مدرس أو مراقب.
والتجريد من الحقوق الوطنية عندما يكون عقوبة أصلية، يحكم به
لزجر الجنايات السياسية ولمدة
تتراوح بين سنتين وعشر سنوات ما لم تنص مقتضيات خاصة على خلاف
ذلك.