جريمة الاجهاض
|
الاجهاض |
شاع الاجھاض في عالمنا
المعاصر بشكل مخيف ، بحيث سارت ھذه الظاھرة أنجع الوسائل
للتخلص من حمل غير مرغوب
فيه و قد أكد الإتحاد الدولي للسكان أن حوالي 30 مليون حالة
إجھاض تقع كل يوم.
و بسبب ذلك حضيت ھذه
الظاھرة باھتماما الكتاب و الباحثين و كذا القوانين الحديثة، بحيث
أولوھا عناية خاصة نظرا
لما تؤدي إليه من نتائج خطيرة.
و يمكن تعريف الاجھاض
بأنه إسقاط الجنين قبل أوانه الطبيعي أي إنھاء حياة إنسان لازال لم
تكتمل خلقته بسبب وجوده
في بطن أمه
.
و يعتبر ھذا الفعل
اعتداء على حياة إنسان مازال في طور التكوين لم ير بعد النور، ھذا و ليس
ذي أھمية أن يتم الإجھاض
على جنين حي فالجريمة تتم ولو كان الجنين ميتا عند إجھاضه.
فالقضاء على الجنين
وإخراجه و طرده من رحم أمه رغما عنه فيه خطر على حياة الجنين أولا ،
و على حياة أمه ثانيا،
فالفطرة السليمة تقتضي ترك ما كان على ماكان ، بحيث إذا ادخل عامل
أجنبي غير طبيعي على
الفطرة البشرية شكل خطرا و ضررا.
أولا : أركان جريمة
الاجهاض
ينص الفصل 449 من القانون الجنائي على
أنه :
" من أجھض أو
حاول إجھاض امرأة حبلى أو يظن أنھا كذلك، برضاھا أو بدونه سواء كان
ذلك بواسطة طعام أو شراب
أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من
سنة إلى خمس سنوات
وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درھم.
وإذا نتج عن ذلك موتھا،
فعقوبته السجن من عشر إلى عشرين سنة."
انطلاقا من ھذا الفصل
نستنتج أن جريمة الإجھاض تقوم على ثلاث عناصر ھي : فعل مادي
وجود حمل و قصد جنائي
-1 فعل مادي
الفعل المادي ھو كل
وسيلة صناعية تؤدي إلى إخراج الجنين قبل أوانه من رحم أمه بقصد القضاء
على حياته ، و يتم ذلك
بأية وسية ممكنة تؤدي إلى إجھاض المرأة ، سواء قدمت إليھا المواد في
طعام أو شراب أو عقاقير
، أو استعمل ضدھا العنف كالضرب على الظھر و البطن أو غير ذلك .
وقد أثير نقاش بين
الشراح حول إمكانية اعتبار استعمال الألبسة الضيقة ، و الرياضة و الرقص و
ركوب الخيل ، و حمل
الأثقال ضمن الوسائل المادية للإجھاض.
ذھب فريق إلى أن ھذه
الوسائل تدخل ضمن الوسائل المادية للإجھاض و لكن لابد من إثباث
القصد الجنائي إذ ربما
تكون المرأة قد مارست ذلك عن تھور و طيش ، و ھذا الإتجاه ھو الذي أخذ
به المشرع المغربي ، فقد
استعمل عبارة تفيد إدخال ھذه الوسائل ضمن ما يؤدي إلى الإجھاض( أو
أية وسيلة أخرى).
و تتحقق ھذه الجريمة
سواء كان الفعل تاما ، أي تم إسقاط الجنين أو وقف عند حد الجريمة
الموقوفة أو الخائبة أو
المستحيلة.
فإذا شرع الجاني في
إعطاء المواد المسقطة للحمل ، و لكن لسبب أو لآخر تتم الجريمة كأن أوقف
مثلا من طرف ضابط الشرطة
القضائية ، أو لم تتحقق الجريمة بسبب عدم فعالية المادة المعطاة
للمرأة الحامل ، فإن
الجاني يسأل عن الإجھاض رغم عدم إمكانية تحققه.
و ذھب الفصل 449 ق.ج إلى
ابعد من ذلك فقد عاقب الجاني ولو استحال إجھاض المرأة لكونھا
غير حامل ، فقد نص ھذا
الفصل على أن الإجھاض يتحقق إذا كانت المرأة حبلى أو يظن أنھا
كذلك ، أي يعتقد أنھا
حامل ، و إذا تم إسقاط الجنين قبل أوانه لكنه ظل حيا لكون العمليات بعد
سبعة أشھر من الحمل فإن
الفعل يقف عند حد الشروع.
-2 وجود حمل
يشترط بداھة لقيام جريمة
الإجھاض أن تكون المرأة حاملا ، فإن كانت غير حامل ، فإن يتعذر
ارتكاب ھذه الجريمة
لاستحالة المحل.
لكن القانون المغربي
خالف ھذه القاعدة و اعتد بوجود الجريمة ولو أن المرأة غير حامل وھي
المعروف بالجريمة
المستحيلة ، فالجاني إذا شرع في الإجھاض اعتقادا منه أن المرأة حامل و ھي
ليست كذلك فإنه يعاقب
على الإجھاض كما لو تم فعلا.
و تتحقق الجريمة مادام
الجنين لم يخرج بعد ، أي سواء كان في الشھور الأولى من ثبوت التلقيح ،
أو كان قد قارب زمن
ولادته الطبيعية ، أي إلى وقت ظھور عوارض الولادة الطبيعية.
و رضى المرأة غير ذي
أساس ، فسيان أن توافق على إجھاضھا أو ترفض ، بل حتى ولو كانت
ضحية احتيال ، كما لو
قدمت إليھا مواد أو عقاقير علاجية وإذا بھا تجھضھا.
-3 القصد الجنائي
يتحقق القصد الجنائي متى
اتجھت إرادة الجاني إلى إجھاض امرأة حامل ، أو يظن أنھا كذلك ، و
يقوم القصد على عنصرين
:العلم و الإرادة ، أي أن يعلم الجاني أنه يقوم بإجھاض إمرأة حامل ، ثم
أن يوجه إرادته نحو
إسقاط الجنين ، فإذا كان الفاعل قد قدم أدوية إلى امرأة حامل لعلاجھا ، و لكن
الدواء سبب لھا إجھاضا ،
فإنه لا يعد مرتكبا لجريمة الإجھاض لانتفاء قصده في إجھاض المرأة ،
فإذا ظن الجاني أن
المرأة حامل وھي ليست كذلك ، و شرع في محاولة إجھاضھا فإن الفصل 449
ق.ج اعتبر الجريمة تامة
ولو استحال تحقق النتيجة.
و يقوم القصد الجنائي
حتى ولو كانت المرأة غير حامل ، لأن المشرع عندما عاقب على الجريمة
المستحيلة في ھذه الحالة
فإنه رمى من وراء ذلك حماية سلامة المرأة.
ثانيا : أحكام متعلقة
بجريمة الاجهاض
-1 المساعدة و المشاركة
في جريمة الإجهاض
تتحقق المساعدة في
الاجھاض ، بكل ما من شأنه أن يشجع المرأة الحامل على الإجھاض ، و ذلك
بمسائل خاصة ھي : إما
إرشاد المرأة إلى وسائل تحدث الإجھاض ، و إما بتوجيه النصح إليھا ، و
إما بمباشرة ھذه الوسائل
عليھا ، و قد عدد الفصل 451 ق.ج الأشخاص الذين يقومون بأفعال
المشاركة ، منھم الاطباء
و الجراحون و القابلات و المولدات ...
و الملاحظ أن المشرع قد
خالف قواعد الإشتراك في جريمة الاجھاض ، فأعمال المساعدة في ھذه
الجريمة أعم بكثير مما
ھو منصوص عليه في الفصل 129 ق.ج ، فطبقا للقواعد العامة لا يعاقب
الشريك إلا إذا تمت
جريمة الفاعل الاصلي ، ولكن الفصل 455 ق.ج خرج عن ھذه القاعدة و
قرر معاقبة المحرض على
الإجھاض ولو لم تتم الجريمة ، أي لم تستجب المرأة الحامل لتحريض
المشارك ، و كذلك الأمر
إذا أجھضت امرأة نفسھا بقصد العلاج ، كأن تناولت دواء سبب لھا
إجھاضا اعتقادا منھا أن
الدواء ناجع و إذا به يسبب لھا إجھاضا.
-2 المحاولة في الاجهاض
تتم المحاولة في الإجھاض
في صورتين :
الصورة الأولى : أن تقوم المرأة الحامل
بإجھاض نفسھا دون الإعتماد على مساعدة شخص آخر ،
وفي ھذه الحالة فإن
الفصل 452 ق.ج عاقب كل من حاولت إجھاض نفسھا ولو لم تتحقق الجريمة
لأسباب لا دخل لإرادتھا
فيھا ، و قد اعتبر ھذا الفصل المحاولة كالجريمة التامة ، بل عاقب المرأة
لمجرد قبول إجراء
الإجھاض عليھا أو رضيت باستعمال وسائل من شأنھا أن تجھضھا.
الصورة الثانية : أن يقوم شخص بإجھاض
المرأة الحامل ، فإذا كانت المرأة فعلا حاملا و شرع
الجاني في إجھاضھا ، و
لكن النتيجة لم تتحقق إما لكون الوسائل المستعملة في الإجھاض غير
كافية ، و إما لسوء
استعمالھا ، فإن الجريمة تعتبر تامة بل تتحقق الجريمة حتى ولو كانت المرأة
غير حامل.
ثالثا : عقوبة جريمة الإجهاض
عاقب الفصل 458 من القانون الجنائي على جريمة
الإجھاض بعقوبات متفاوتة تبعا لدور كل فاعل في
الجريمة
و قد شددت العقوبة في
حالتين:
-1 في حالة إذا ما
نتج عن الإجھاض موت المرأة : فإن العقوبة ترفع إلى السجن من عشرة
إلى عشرين سنة ( فقرة
أخيرة الفصل 449 ) ، و يطبق ھذا الظرف على المحرض و
المساعدين على الإجھاض (
الفصل 451 و 455 ق.ج)
-2 اعتياد الجاني
على ممارسة الإجھاض : في حالة ما إذا تبث أن مرتكب الجريمة يمارس
الإجھاض بصفة معتادة ، و
نتج عنه موت المرأة فإن العقوبة ترفع إلى السجن من عشرين
إلى ثلاثين سنة ( الفصل 450 ق.ج ).